هل تضرب الرياض الصيغة التوافقية المحلية بعرض الحائط؟

روزانا رمّال

يذكّر السيد تامر السبهان اللبنانيين دائماً أن بينهم إرهابيين او أن فيهم مَن لا يمثل وجه لبنان وصورته، بل لامتداد إيراني لا يمتّ للبنانيين بصلة. وهو يقصد دائماً حزب الله الذي يصفه بأبشع النعوت. وعلى أن هذا الأمر بات طبيعياً بالنسبة للتجاذبات الواضحة بين المملكة العربية السعودية وبين حزب الله، إلا ان ذلك الذي لم يكن مقبولاً سابقاً في ما يتعلق بصورة وهالة المملكة سقط اليوم بالسماح أو بتفويض شخصية سعودية بالملف اللبناني هو تامر السبهان الذي كلّف بالمزيد من التشدّد بالتصريحات على الساحة المحلية، تناغماً مع سياق تصريحاته نفسه، عندما كان سفيراً للمملكة لدى العراق وتعرضه لاعتراض السلطات على مهامه.

هذا الأمر الذي لا يمكن لسفير سعودي في لبنان الالتزام فيه، لئلا يتكرر السيناريو العراقي نفسه ويرفع شكوى تسحب منه شرعية ممارسته للسلطة بسبب تدخله بشؤون لبنانية، يبدو أنه استدرك بشكل جيد من المملكة، فما كان إلا وكلفت على الطريقة الأميركية مندوباً مخصصاً للعناية بالملف اللبناني، حتى تكاد تصريحات الوزير السعودي السبهان أغلبها تتعلق بالوضع اللبناني وبالتحديد المواقف من حزب الله.

تبدو الوظيفة الجديدة غير لائقة بمكانة المملكة العربية السعودية التي غلبت على صورتها بعيون اللبناننين سابقاً، فهي التي تعوّدت على السكوت والهدوء صارت منذ بدء التحركات الشعبية العربية أكثر تطرفاً بالمواقف السياسية، وأكثر حماسة للردّ والردّ المتبادل على التصريحات والجدالات. وإذا كان الأمر عادياً أن يتهم حزب الله المملكة العربية السعودية بما يراه موقفه السياسي منها، وبغض النظر عن صوابيتها من عدمها، فإن هذا يبقى ضمن ممارسة حزبية للعمل السياسي لا يجدر لدولة بحجم المملكة أن تخصص من يردّ عليها، لأن في ذلك الكثير مما يعكس ثغرات وسقطات في الممارسة السعودية السياسية بحق لبنان، والأهم صورة الرياض عموماً في عيونهم.

يسأل تامر السبهان في آخر مواقفه «هل يرضى العالم بوجود دواعش في برلمانات وحكومات؟». وهو يقصد هنا حزب الله.

اذا كان هذا التساؤل مشروعاً من منظار المملكة السعودية، فهو برؤى أخرى لا يمت بالواقع المحلي السياسي بصلة، لأن حزب الله هو شريك في الصيغة السياسية المحلية من بابها العريض، لكن وبعيداً عن هذا التفصيل الأساسي الآتي في السياق يلفت النظر للمرة الثانية على التوالي طلب السبهان بما يوحي بالحشد او التحشيد الإقليمي والدولي بوجه حزب الله الأولى عندما أكد ان العقوبات عليه لن تفيد بشيء، بل يجب اللجوء الى تحالف دولي لمحاربته، والثانية بسؤاله الأخير لدول العالم اذا كانت إحداها ترتضي وجود ارهابيين في برلماناتها وحكوماتها. وهذا إن دل على شيء، فهو جنوح المملكة بلسان السبهان للفت نظر الشارع الدولي، خصوصاً الاوروبي لضرورة إلقاء صفة الإرهاب بالجناح السياسي لحزب الله وليس فقط العسكري المعمول فيه. وهو المقصود هنا بالبرلمانات والحكومات، وبالتالي فإن هذا الكلام يعتبر أشد خطورة من إمكانية احتسابه رد فعل على كلام أو موقف، فكيف بالحال إذا تقاطع الموقف مع استعداد أميركي للذهاب الى أخر الطريق بما يتعلّق بنقض الاتفاق النووي مع إيران «مبدئياً» او كلامياً حتى اللحظة من قبل ادارة ترامب. وهو الذي يشبه ردة الفعل الأميركية الاولى على نشاط إيران الذي ادى الى افشال مشاريع أميركية مباشرة أوضحها في سورية والعراق واليمن.

بالعودة الى كلام السبهان محلياً، فإن تساؤله يعني أمرين أساسيين بالحساب الداخلي اللبناني، وهو يؤسس لسلسة حسابات مفترضة:

أولاً: اذا كان السبهان ناطقاً رسمياً باسم السعودية، فهذا يعني ان المملكة تريد الاشارة الى عدم رضى على الحكومة الحالية التي يمثلها الرئيس سعد الحريري. وهي تحمل ما تحمل من إساءة لإمكانية ان يستمر الحريري ضمن هذا النهج الوفاقي نفسه الذي أثبت نجاحه في فرد مساحة من الهدوء والاستقرار الأمني والسياسي النسبيين.

ثانياً: اذا كانت الرياض معترضة على صيغة حكومية تتضمن حزب الله كأحد إركانها، فإن هذا يطرح سؤالاً عن سبب عدم اعتراضها على ما سُمّي بالصفقة الرئاسية التي أتت بالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة بمقابل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد أن رشحه الحريري نفسه؟ فلماذا اذاً، لم تعترض حينها على دخول الحريري ضمن صيغة فرضها حزب الله طريقاً لوصوله لرئاسة الحكومة؟ ثم إن الرياض التي لم تقف بوجه الصفقة الرئاسية أوحت بدعم غير مباشر للتفاهم بين حزب الله والمستقبل الذي كان قد تبنته إيران كمنطلق نحو التقدم نحو السعودية للتفاوض، بعد أن ثبت النموذج اللبناني نجاحه، حسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فهل هذا إذاً، إعلان انتهاء هذه المرحلة إقليمياً وإن على اللبنانيين التحضّر لنسف صيغة التوافق تماشياً مع التصعيد الأميركي العربي بوجه إيران؟

ثالثاً: إذا كانت تصريحات السبهان لا تمثل الموقف الرسمي من المملكة العربية السعودية، فلماذا لا يتم توضيحها؟

يبدو الارتباك واضحاً في التعاطي السياسي السعودي مع لبنان شأنها شأن تعاطيها مع باقي الملفات، فمن جهة هي غير قادرة على تزخيم موقف السبهان، لئلا يخسر الحريري ثقة الكتل التي أعادت تسميته رئيساً للوزراء، أي تخسر حضورها السياسي السني الأقوى، ومن جهة أخرى غير قادرة على التناغم بين التصعيد ضد إيران إقليمياً، وبين حليفها المحلي حزب الله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى