بين «بري» و«المرّ» عالمكشوف

روزانا رمّال

كل شيء يدلّ على أن الرئيس نبيه بري والرئيس ميشال المر أراداها «مكشوفة» فأحد من حلفاء الماضي والحاضر والمستقبل ليس بوارد التخلي أو الطعن، ولمَ لا، وكل شيء يحكي ذكريات مشتركة رؤى متناسقة وأفكاراً تصب في الخانة نفسها.

يجتمع الرجلان على الخلاف مع التيار الوطني الحر ومع سياساته، ويتفق الرجلان على فصل الرئيس ميشال عون عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وتبدو الأمور اليوم أكثر تناغماً مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية بإطلالة نجل المرشح ميشال المر الوزير السابق «الياس المر» على شاشة nbn التي تمثّل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري واختيار منبرها بشكل أول لشرح الكثير من المواقف. وكان في هذه الإطلالة ما قلّ ودلّ من إعلان موقف بري من المرّ وما يُحكى عن دعم مباشر. فقد أكدت معلومات «البناء» من مصادر التيار الوطني الحر من جهة، ومن ماكينة ميشال المر وزوار بري من الجهة المقابلة، أن الصوت «الشيعي» الذي يتأثر بقرار بري في المتن سيكون من نصيب ميشال المر حكماً.

لكن وبخلاف النسق الانتخابي الحالي، لا يبدو أن تحالف أو تفاهم «بري المر» هو انتخابي فقط، بل هو حيّ لما بعد الانتخابات. فما يجمعهما حول الاختلاف والخلاف مع بعض الأفرقاء منسجم أيضاً ولجهة الملفات العالقة والتجاوزات والإدارة السياسية الأساسية للبلاد. وربما يكون الطرفان من رموز حقبة معينة لا يريان في التخلي عنها لصالح جدد فكرة مفيدة للساحة السياسية، ولا الانخراط فيها كما انخرط غيرهم كالحريري. وهو أول المتخلّين عن المنظومة القديمة عملياً.

الفارق بين ميشال المر والتيار الوطني الحر هو أساسي لجهة منهجية الرؤيا. فالمر الذي صوّت للعماد ميشال عون فصار رئيساً للجمهورية لم يكن يتحسّب لخلاف من هذا النوع. ولم يكن أيضاً يحاول استباق الأمور. فكانت الخطوة في حينها ناجعة ومفيدة لكل الأطراف. أما اليوم فصار السؤال عن اعتبارها خطأ استراتيجياً ضرورياً بعد التخلي، كما يصفه أنصار المرشح ميشال المر عنه من دون أن يؤثر ذلك على عزيمتهم.

لكن التيار الوطني الحر، وحسب مصادر «البناء» لم يكن قد أقفل الباب على التعاون مع شخصية كبرى في المتن كميشال المر، إلا أنهم لم يفلحوا في التوصل الى رؤيا تؤسس لهذا التحالف. وإن أحداً لا يمكنه أن ينكر حضوره الأساسي والتاريخي فيها وإن أحداً في التيار لا يرغب أو ينوي محاصرته أو عزله كما يروّج.

الوزير السابق الياس المر نجل ميشال المر، يردّ على هذا الكلام في إطلالة تلفزيونية برأي مغاير بالكامل. يبدو أنه يتحامل فيه على كل ما كان معتبراً أن والده يتعرض لـ «غدر وتطويق وظلم، لكن كلنا حدو وبدو يربح». ليختم «مبروك سلفاً». وبعد الانتخابات حديث آخر. وبهذا فإن مرحلة ما بعد السادس من أيار صارت تحكي الكثير عن التحالفات السياسية الجدّية وليس الآنية الانتخابية التي سترسم صورة لبنان الجديد بقانونه الانتخابي وأول حكومة للعهد والحديث عن تكتّلات متقابلة صار أكيداً.

بالعودة إلى المتن، فإن الانتخابات المقبلة لن تكون سهلة على الإطلاق على المرشح ميشال المر. فهذا الاسم الذي عرفه المتنيون وعرفهم، وصار رمزاً يطلّ عليهم عند كل استحقاق كممثل صان مطالبهم وقدّم ما أمكن لأهلها لسنوات طويلة، لكن بالمقابل فإن المتنيين يحملون أسماء جديدة صارت تشكّل تهديداً من نوع آخر نظراً لما حصدته من شعبية شخصية وشعبية ناجمة عن كون التيار الوطني الحر جزءاً لا يتجزأ من مكونات المتن. والياس بو صعب اسم لا يقل أهمية بالمعيار التنافسي عن الأسماء الكبرى. مع العلم أن تجربته السياسية قصيرة نسبة لعائلة المر وآخرين. وهو الأمر الذي يجعل الأمور مع تقدّم الاستحقاق اكثر ميلاً الى التحدي منه الى المنافسة الديمقراطية بعد أن صارت اللعبة أبعد من أرقام، بل كسر لهالات وأوزان ورموز.

بكل الأحوال يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري مقتنع، بأن مواجهة التيار الوطني الحر ستكون عبر كل الاتجاهات بالانتخابات النيابية، تماماً كما يفعل التيار الوطني الحر عند كل مناسبة. فصارت الخطابات والكلمات التي تخلو من إيحاء وتلميح لاستهداف حركة أمل أو رئيسها نادرة. وصار الجهد الانتخابي كله منصباً على مكافحة الفساد انطلاقاً من معيار ضرورة محاسبة بري.

الأخطر من ذلك بالواقع هو انتقال الحساب الى مكان آخر يتعلق بالتصويت لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي صار داخلاً ضمن البازارات والجدالات السياسية، بعد أن كان مسلمة شبه ميثاقية لاعتباره المرشح الأوحد الذي يتفق على الشيعة كرئيس للمجلس، وعلى هذا الأساس صار بري معنياً مباشرة بإدارة معارك متفرقة يمكن لنفوذه فيها التأثير مباشرة على لعبة التصويت، ومنها المتن.

الوفاء بين بري والمر يحكم اللعبة من دون شك. والتيار الوطني الحر على موعد مع الامتحان الكبير بعد أن أثبت إمكانية الدخول الى أدق الدوائر وأكثرها فرزاً وأكثرها قدرة على تكريس الزعامة المسيحية بكل ثقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى