سورية تتجاهل عرض العودة لفك الاشتباك وتتصدّى للغارة على التيفور… ولبنان في الجمود الحكومي «القومي» يحيي ذكرى مؤسسه وقانصو متمسكاً بالوحدة والمقاومة… وأمل وحزب الله: حلفنا ثابت

كتب المحرّر السياسيّ

تبدو كل عقد المنطقة قد تجمّعت في جنوب سورية عشية قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وتبدو مستمرة في رسم إيقاع القمة حتى يحين موعدها. فالتفاوض يجري تحت النار وليست هناك تسويات. والجماعات المسلحة تنهار وتتشظى وتنشطر على نفسها والاتهامات بالخيانة متبادلة بين أركانها ورعاتها، وفي الميدان الحسم العسكري يتقدّم من موقع إلى موقع، فبعد معبر نصيب الحدودي وبصرى الشام وقبلهما بصر الحرير كمحطات فاصلة لمحاور شرق درعا، المدينة تدخل مرحلة الحسم بدورها مع استرداد الجيش لموقع الدفاع الجوي جنوب غرب المدينة، والمحاور الغربية للمحافظة وصولاً لحارة تعيش السيناريو الذي مرّت به مواقع الجماعات المسلّحة في محاور الشرق، وورقة النازحين تسقط من سوق الابتزاز، بعدما تمّ تأمين عودتهم من الحدود الأردنية إلى قراهم برعاية الجيش السوري حسب اعتراف الأمم المتحدة. وحال الذهول الإسرائيلية تتواصل فصولاً، حيث لا فرص لصمود أي من الجماعات المسلحة حتى في خط الحدود مع الجولان المحتل، لاسترداد الأنفاس والدخول في تفاوض. والعرض الإسرائيلي العلني بالعودة لفك الاشتباك المعمول به منذ العام 1974 حتى عام 2011 عندما أسقطته «إسرائيل» بدعم الجماعات المسلحة للسيطرة على المناطق المتاخمة للجولان المحتل واجتياح مواقع مراقبي الأندوف الأمميين، بقي عرضاً معلقاً في الهواء رغم توقعات إسرائيلية بتلقي جواب سوري فوري. وبدا أن سورية غير مهتمة بالعرض الإسرائيلي ومصممة على استعادة جغرافيتها المحتلة من الجماعات المسلحة دون تفاهم مع «إسرائيل» يطال مستقبل قواعد الاشتباك، سواء بما يتصل بمدى وحدود تمركز حلفاء سورية في المقاومة في المناطق التي يدخلها الجيش السوري، أو ما يتصل بكيفية التعامل مع جيش الاحتلال في الخطوط الحدودية.

القلق والذهول الإسرائيليان عبّر عنهما الاعتراف الإسرائيلي العلني بالانتصارات السورية وطبيعتها المبهرة، سواء لجهة السرعة أو المدى، أو لجهة درجة التنظيم والمهارة والاحترافية التي يظهرها في الميدان، ومعهما قدرة الجمع بين العمل العسكري والعمل الاستخباري والعمل السياسي لتفكيك الجماعات المسلحة بالتوازي مع خطط الهجوم العسكري، وإتقان قواعد الحرب النفسية في كل مرحلة من مراحل التقدم. وفي تعبير عن تحرّش إسرائيلي تفاوضي ورسالة غضب لغياب التفاعل مع عرضها بالعودة لفك الاشتباك بصورة تضمن أمن الحدود في الجولان المحتل، قبل بلوغ وحدات الجيش السوري النقاط الحدودية، قام الطيران الإسرائيلي بواسطة طائرات الشبح الـ»إف 35» المسلّمة حديثاً من الأميركيين على مطار التيفور قرب حمص، فكان الرد الجاهز من الدفاعات الجوية السورية لتأكيد التمسك برفض التفاوض على شروط تتصل بمستقبل معركة الجنوب. وسجلت الدفاعات الجوية إنجازات بارزة تملّصت بإسقاط العديد من صواريخ الغارة، رغم كون الطائرات المغيرة من الأجيال التقنية المتطورة، وتمتعها بأفضل وسائل التمويه والمناورة، بينما تحدثت بعض المصادر عن إصابة إحدى الطائرات المغيرة.

الشأن الحكومي اللبناني لم يعرف جديداً إيجابياً، وتخشى مصادر متابعة أن يبقى هذا الوضع من الجمود مسيطراً على الشأن الحكومي لما بعد نهاية الشهر الحالي، بعدما صارت معادلة تشكيل الحكومة أكبر من مجرد توزيع حصص وتقدير أحجام. ودخلت العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مرحلة من التوتر والتصعيد، لم يعد مهماً معها القول ما إذا كان اتفاق معراب لا زال حياً أم أنه مات وانتهى، وصار البتّ بالحصص الحكومية للفريقين يحتاج مبادرة رئاسية يضمن فيها رئيس الجمهورية الحد الأدنى الذي يستطيع إلزام التيار الوطني الحر بقبوله، مقابل ضمانة رئيس الحكومة لحصة الحد الأدنى التي يستطيع ضمان التزام القوات بها، سواء لجهة عدد المقاعد أو نوعية الحقائب، ويبدو وفقاً لمصادر معنية بمفاوضات التأليف أن هذه المبادرة تصطدم بالعقدة العالقة بين الرئاستين سواء ما يخصّ التمثيل الدرزي، وخصوصاً تمثيل السنة من خارج تيار المستقبل، حيث يتطلع رئيس الحكومة لمقايضة تعاونه في ترتيب الحصص المسيحية بالحصول على تثبيت حصرية تمثيله للمقاعد السنية في الحكومة، وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية. فيما تتحدّث مصادر على صلة بالمسودات التي يتداولها الرئيس المكلف عن إمكانية حلّ العقدة المسيحية وفقاً لفصل حصة التيار عن حلفائه في تكتل لبنان القوي كحزب الطاشناق والمستقلين، وهم يمثلون ثلث نواب التكتل أي 10 نواب، والفصل بين الحصتين وحصة رئيس الجمهورية، ما يضمن تقارباً بين حصتي القوات والتيار وفقاً لمعادلة 15 نائباً للقوات مقابل 19 للتيار من جهة، وحصول التيار ورئيس الجمهورية والحلفاء في التكتل على مجموع يقارب التطلّعات، لكنّها تشترط التفاهم على التمثيل السني قبل البحث بهذه المبادرة.

بالتوازي كان الحزب السوري القومي الاجتماعي يحيي ذكرى اغتيال مؤسسه الزعيم أنطون سعاده ورحيل الأمين علي قانصو مؤكداً التمسك بالثوابت التي قامت عليها عقيدة الحزب وهي حماية وحدة النسيج الاجتماعي ومواجهة مشاريع التفتيت من جهة ومقاومة الغزو الأجنبي والمشروع الصهيوني من جهة أخرى، وفي كلمة رئيس الحزب في ذكرى الثامن من تموز تأكيد على دور القوميين في جبهات المواجهة مع مشاريع التفتيت والتزامهم خيار المقاومة، وفي ذكرى قانصو إجماع في كلمات رئيس الحزب ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ووزير المالية علي حسن خليل على دور الحزب ومتانة التحالف الذي يجمع قوى الخيار المقاوم.

وأجمع الناشف ورعد وخليل على ضرورة ألا يتأخر تشكيل الحكومة أكثر. وفي كلماتهم أمس، خلال إحياء ذكرى أسبوع الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير الأمين علي قانصو في بلدة الدوير الجنوبية أكد المسؤولون الثلاثة أنّ البلد بحاجة إلى معالجة التحديات التي يواجهها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمالي. وهذا يتطلب المسارعة إلى تشكيل الحكومة الجديدة، باعتماد الضروري من معايير واحدة ومحدّدة، لتجد القوى السياسية بغالبيتها الواسعة تمثيلاً وحضوراً ومشاركة لها في حمل أعباء مسؤولية إدارة شؤون البلاد والعباد، ومعالجة ملفات قديمة ومستجدّة في الكهرباء والاتصالات والنفايات والمقالع والكسارات والركود الاقتصادي والعجز المتنامي، وملف النازحين وإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وغير ذلك من الملفات…

وبينما يطلّ الأمين العام لحزب الله الأسبوع المقبل لمناسبة ذكرى حرب تموز في 12 الحالي للحديث عن الملف الحكومي والأوضاع في المنطقة، لا سيما تطوّرات الجنوب السوري، تعود المشاورات الحكومية لتنطلق من جديد هذا الأسبوع، حيث يستأنف الرئيس سعد الحريري اليوم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشاوراته في غضون ساعات بعد عودته من عطلته العائلية. كذلك يستعيد رئيس مجلس النواب نبيه بري نشاطه في عين التينة بعد إجازة عائلية في إيطاليا امتدّت عشرة أيام.

بيد أن بوادر الحلحلة ليست على الأبواب أقلّه في القريب العاجل، مع احتدام الصراع العوني القواتي، لا سيما بعد نشر حزب القوات اتفاق معراب بصفحاته الأربع وبنوده. وبالتالي فإن تبريد وتلطيف الأجواء بين الرابية ومعراب، لن يكون بهذه السهولة.

وتؤكد مصادر القوات اللبنانية لـ «البناء» أن كلام الوزير جبران باسيل خلال إطلالته التلفزيونية الأربعاء الماضي أعاد الأمور بين الرابية ومعراب إلى نقطة الصفر، بعدما كان الدكتور سمير جعجع أوعز الى المسؤولين القواتيين، عقب لقائه الرئيس عون والرئيس سعد الحريري اعتماد خطاب التهدئة، مشيرة إلى أن رئيس التيار الوطني الحر هو المسؤول عن إطاحة إعلان النيات، ويبدو أنه ينتهج سياسة التصعيد عمداً لكي تخرج الأمور عن السيطرة. وأضافت المصادر أن الرئيس المكلف متفهم جداً لمطالب القوات ويقف عند أحقيتها بعدد الوزراء.

في موازاة ذلك، ينتظر تكتل لبنان القوي عودة الوزير باسيل من إيطاليا ليبني على الشيء مقتضاه حيال نشر القوات اتفاق معراب، إذ من المتوقع أن يتطرّق بإسهاب إلى اجتماع لبنان القوي يوم غد الثلاثاء إلى «فعلة» القوات، مع إشارة مصادر التكتل لـ»البناء»، إلى أن التيار الوطني الحر من أشد الحريصين على غرار الرئيس ميشال عون بالمصالحة المسيحية وبسائر التفاهمات، بيد أن هذا الإعلان بات يحتاج الى إعادة نظر في بنوده من أجل ترميم ما انكسر، لافتة الى ان الامر قد يكون ممكناً اذا تخلت القوات عن سياسة المواجهة التي اعتمدتها اسلوباً في وجه وزراء التيار، في حين أنه كان من المفترض ان تكون الداعم الاول للعهد، بدلاً من أن تضع العصي في دواليب المشاريع والملفات والخطط التي يسعى رئيس الجمهورية إلى إنجازها، وتلجأ الى استهداف العهد بشكل مدروس.

ومع الاشتباك القواتي العوني، يرجّح أن يسارع البطريرك الماروني بشارة الراعي في الساعات المقبلة إلى جمع الحزبين المسيحيين بهدف وضع حد للتشنج الحاصل على الجبهتين، وتقريب وجهات النظر، لا سيما ان المصالحة التي تحققت جراء اتفاق معراب أنهت الاحتقان الذي كان سائداً على الساحة المسيحية، وبالتالي لن يقبل البطريرك الراعي، بحسب مصادر بكركي لـ «البناء» أن تعود الأمور الى ما كانت عليه قبل إعلان النيات، وسيشدّد على ضرورة ان يكون التنافس في إطاره الديمقراطي.

وفيما تراوح العقدة المسيحية مكانها، فإن العقدة الدرزية لا تزال على حالها، مع تأكيد مصادر معنية لـ «البناء» أن الأزمة لا تزال على حالها في الحصة الدرزية، فلقاء رئيس الجمهورية والنائب السابق وليد جنبلاط لم يحدث أي خرق في الملف الحكومي، فالحزب التقدمي الاشتراكي مصرّ على الإمساك بالحقائب الدرزية الثلاث انطلاقاً من صحة التمثيل وما أفرزته الانتخابات النيابية.

أما حزب الله، فتدعو مصادره الى ضرورة اعتماد معيار واحد عند التشكيل الحكومي، بعيداً عن الاستنسابية، لأن من شأن ذلك أن يضع حداً للمطالب المضخّمة، وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «الحكومة التي تصلح في هذه المرحلة لإدارة شأن لبنان بالطريقة التي تحفظ سلمه الأهلي واستقراره الداخلي هي حكومة جامعة تتمثل فيها مختلف القوى السياسية بأحجامها التي أنتجتها وأفرزتها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.» وشدّد النائب نواف الموسوي على أن الابتزاز لن ينجح في إرغام الحزب على إلغاء نتائج الانتخابات، لافتاً الى قرار إقليمي لتشويه سمعة المؤسسات الدستورية في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية التي تتعرّض لحملة سياسية. وشدّد على أن تكوين المؤسسات الدستورية والمؤسسات الإدارية في الدولة، يجب أن يأخذ في الاعتبار احترام نتائج الانتخابات النيابية، وقال ليس من حق أي جهة أن تحتكر التعيينات القائمة على أساس طائفي، ولا يستطيع أي مسؤول مهما كانت صفته أن يقول أنا الوحيد الذي أسمّي أسماء المنسوبين إلى هذا الجهاز من الطائفة الفلانية، لأن الانتخابات النيابية أظهرت تعددية التمثيل، وإذا كنا نتحدّث عن التمثيل السني، فإن أكثر من ثلث التمثيل السني خارج تيار المستقبل، وبالتالي ليس من المقبول أن تأتي التعيينات في مؤسسات الدولة حكراً على تيار المستقبل دون غيره من القواعد الشعبية التي صوّتت لغير تيار المستقبل.

الى ذلك اعلن التكتل الوطني بعد اجتماعه في دارة النائب السابق سليمان فرنجية أن تشكيل الحكومة، يجب أن يعتمد معياراً واحداً، وأن يحترم نتائج الانتخابات النيابية. وجدّد المطالبة بحقيبتين وزاريتين واحدة مسيحية وأخرى سنية. وتعليقاً على اتفاق معراب قال فرنجية «هناك مثل يقول «كل ما جن خصمك إفرح»، ولكن نحن تأسفنا على الذي شاهدناه في اتفاقية معراب».

الى ذلك يتقدّم ملف عودة بعض النازحين السوريين حيث غادرت السبت دفعة ثانية من النازحين السوريين بلدة عرسال، عبر حاجز وادي حميد في اتجاه الجرود باتجاه بلدات فليطا، وراس المعرة، وحوش عرب وقارة في القلمون الغربي، حيث أمنت المديرية العامة للأمن العام وبالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR العودة الطوعية لثلاثمئة وسبعة وسبعين نازحاً سورياً من مخيمات عرسال إلى سورية.

وعلى صعيد أزمة الإسكان أصدر المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان المهندس روني لحود مذكرة داخلية توجّه فيها الى رئيس المصلحة الإدارية والقانونية في المؤسسة طالباً وقف قبول أي طلب قرض سكني جديد، اعتباراً من نهار الإثنين الواقع فيه 09 تموز 2018 وحتى إشعار آخر، وذلك منعاً للإحراج والتدخلات والوساطات، بعدما لاقت بعض المصارف صعوبة في الموافقة على جميع طلبات القروض السكنية المستوفاة كامل شروط بروتوكول التعاون الموقع بين المؤسسة وجمعية مصارف لبنان، ولجوء أخرى الى الاستنسابية في التعاطي مع المقترضين.

في سياق آخر بشر الوزير السابق مروان خير الدين في حديث تلفزيوني أنه مع بداية العام المقبل ستُستأنف قروض المؤسسة العامة للإسكان، والموضوع لن يُترك من دون حل، لأن ما حصل في الإسكان هو حالة استثنائية لن تتكرر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى