سراب من وعود وقرار مفقود وعالم عربي غير موجود!

محمد ح. الحاج

عنوان كبير للأخبار من بيروت يقول: القمة العربية ترفض عودة النازحين السوريين!

وكأنّ القمة العربية هي صاحبة الصلاحية في قرار السماح لهم بالعودة إلى بلداتهم ومدنهم التي أصبحت نظيفة من إرهابيّي عالم الأعراب أغلبه على الأقل ويمكن مناقشة هذا الموضوع من زاويتين، أن تمنع قيادة العربان عودتهم من بلدان الجوار فهو ليس خوفاً عليهم، لا من وجهة نظر أمنية ولا معيشية، الدول التي تملي القرار على «الجامعة» وعلى دولتي لبنان والأردن هدفها المزيد من المتاجرة السياسية بقضية النازحين وإلحاق المزيد من الإذلال بهم بعد اكتشاف أنّ أغلبهم من المواطنين الشرفاء ولا نقول الموالين، أما أن يعترض لبنان والأردن فهو أمر مستبعد بعد مطالباتهم الملحة بإعادتهم والعمل في هذا الاتجاه، عدا جماعات لبنانية ما زالت تستثمر في قضيتهم وتتسوّل على حسابهم لتوزّع على البعض الذين تأكدت من تعاملهم معها وحرمان الباقين الذين يتعرضون للعسف والمضايقات.. الدولة السورية هي وحدها صاحبة القرار وقد أعلنته: عودة مفتوحة لكلّ النازحين وهي الدولة – تقوم بواجب استقبالهم ورعايتهم وتقديم المساعدات اللازمة لاستقرارهم، وهذا حقها الذي تعتدي عليه دول الجامعة وأروقتها السرية العميلة.

عنوان آخر: رسالة عربية إلى لبنان، الاحتفاظ بالمقاومة والعلاقات مع سورية.. ممنوعان! المقاومة الوطنية اللبنانية التي تشكل خطراً على الحليف الصهيوني لعرب أميركا يجب تجريدها من السلاح! هذا أمر عمليات صادر عن البيت الأسود والبنتاغون، وهو بعرف العمالة واجب التطبيق، أما العلاقة مع سورية وهي بطبيعة الحال علاقة حيوية وحياتية وتشكل الحبل السري الذي يوفر لجزء كبير من الشعب اللبناني سبل العيش الكريم والعلاقة العائلية، يأتي منعه في سياق ممارسة الضغوط على لبنان لاستكمال رضوخه، من منطلق الوهم أنّ العلاقات العربية الباقية تشكل لسورية أهمية يعتقدون أنها.. بالغة، والحقيقة أنهم أغلب الدول العربية الأكثر حاجة لهذه العلاقة ما يمنعهم من تحقيقها الأوامر الأميركية للابتزاز ولأنهم ليسوا أصحاب قرار، أما عودة الإمارات والبحرين فيمكن وضع أكثر من إشارة استفهام حولها، هل هي جسّ نبض للموقف السوري أم لغاية أخرى؟ الجدير بالذكر رفض شعبي عارم لهذه العودة.

ما قيل عن زيارة للرئيس الموريتاني لدمشق قبل الانتقال إلى بيروت للمشاركة بالقمة وترؤس وفد بلاده وهي مشاركة من خارج حسابات السرب العربي المقاطع وما تسرب عن ضغوط لمنعه من زيارة دمشق بدا أنها نجحت حتى اللحظة، فالزيارة لم تحصل ولم يذع من دمشق ما يؤكد حصولها أو أنها ستحصل، وظلّ التجاهل السوري سيد الموقف على ساحة دمشق رغم ما نشرته جريدة «الشرق الأوسط» السعودية الصادرة من لندن عن غضب سوري من الرئيس عون لاستضافته القمة؟ وهو خبر يقتضي مصداقية لصحيفة تحترم نفسها كأن تعلن مصدر الخبر إما من دمشق التي لم تعلن ولم تعلق على الخبر، أو من مصادر رئاسة الجمهورية اللبنانية أو الخارجية وهذا لم يحصل، الظاهر أنّ للصحيفة أمانيها ورهانها على الإشاعة لبعث الفرح في أوساط أصحابها من بني سعود وكأنّ انعقاد القمة يغيظ دمشق.

سورية لا تتدخل ولا تفرض وصاية على الدولة اللبنانية، وهناك احترام تامّ لقرارات الدولة اللبنانية التي لا تتعلق بالشأن السوري كأن تعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي، ويبقى أنّ انعقاد القمة من عدمه أمر لا يقدّم ولا يؤخر فلبنان وغيره من الدول العربية تلقت مئات الوعود من الدول العربية الثرية، وبقيت في عالم «الكّمون» مرهونة بتحقيق الشروط السرية لهذه الدول التي تؤمن بشراء المواقف بأموالها والتي فعلت في غير عالمنا.

«الأهرام» المصرية نشرت نقلاً عن مصادر الأكراد في سورية: تركيا تعمل لضمّ ستين ميلاً من الأراضي السورية تحت شعار «المنطقة العازلة»! وكأنّ الخبر عن دولة في قارة أخرى لا علاقة مصيرية بينها وبين مصر ولا يرتبط أمنها القومي بها وبباقي دول العالم العربي، والسؤال أين هو الموقف من سابقة تفتح الباب أمام دول العالم الراغبة بالتوسع لتحيط نفسها بأحزمة المناطق الآمنة، وهل لو انعكس الموقف وأعلنت سورية من موقف قوة عن موقف مماثل هل تصمت أوروبا ومجلس الأمن ودول العالم الأخرى حتى العربية منها، أم أنّ الأحقاد والكيدية والعمالة والانبطاح والتبعية المطلقة لأميركا تفرض نفسها على سياسات قادة العرب والأعراب! ويُقال ميثاق الجامعة العربية يلزم دولها بالدفاع عن الدولة التي تتعرّض للعدوان الخارجي…! سقط ميثاق الدفاع المشترك لصالح الدفاع عن الكيان الصهيوني وهذا ما نصت عليه الاتفاقيات! السعودية تستثمر عشرة بلايين دولار في جنوب أفريقيا للتطوير والبناء، واستثمرت مثلهم في سورية للهدم والتخريب، هل كان ذلك بقرار سري من الجامعة أم من آمر الصرف – المولى الأعظم -؟

تقول جريدة «الرياض» السعودية أنّ مصر والمملكة تشكلان عمقاً استراتيجياً لـ «الأمتين العربية والإسلامية»! ومتى كانت السعودية عبر التاريخ إلا العدو اللدود لمصر ولزعامتها للعالم العربي، حصل ذلك بأوامر من الغرب يوم كان القرار المصري مستقلاً، والقيادة المصرية تعمل للتحرّر من كلّ قيد واللحاق بركب التطور العالمي وتحقيق رفاهية الشعب المصري التي انعدمت حالياً بسبب الحروب والحصار الذي تعرّضت له مصر ليصبح الشعب المصري منتظراً للمساعدات والمعونات الخارجية ومنها السعودية وطبعاً بموافقة وزير الخزانة الأميركية باعتباره – حاكم البنك المركزي السعودي – طالما بقي القرار السيادي المصري مرتهناً ومرتبطاً بالمواقف الأميركية مثل السعودية تماماً مع فارق أنّ السعودية لا تحتاج أميركا اقتصادياً، بل سياسياً، وأنّ مصر تحتاجها اقتصادياً وتبيع مواقفها السياسية لقاء ذلك، كان يُقال في الماضي عن السعودية ومن معها عرب أميركا، وعن البقية عرب التحرّر والسيادة، اليوم تغيّرت التسميات فأصبحت الأغلبية عرب أميركا ومن خرج عن الطاعة هم… عرب ايران تهمة لا أساس لها وهي ملغومة ولا حاجة لشرح أكثر.

وختام جولتي اليوم مع صحيفة «عمان» العمانية التي نقلت خبراً يقول: أنقرة تعارض أيّ وجود للجيش السوري في منبج!

هل منبج أرض تركية أم سورية، وهل بلغت الوقاحة بالتركي مداها ليحدّد الأماكن المسموح للجيش السوري دخولها ضمن حدود الجمهورية المعترف بها دولياً؟

سورية لم تهن في عين قيادتها ولا في عين شعبها، وإذا كانت إلى هذه الدرجة قد أصبحت مستباحة في عين العرب والأعراب بسبب مواقفهم وهو ما شجع أنقرة لاستباحتها، هذا موقف سمعت به دمشق في المقابل يدخل الجيش السوري منبج وغيرها وكلّ بقعة يخرج منها الأميركي الذي رغبت روسيا عدم الصدام معه، لكن الصدام مع التركي لن يكون محظوراً طالما أفصح عن أطماعه، ويقترب الوقت الذي يكون مطلوباً منه الخروج تماماً من الأرض السورية، ولن تقتصر ملاحقته على الجيش السوري وحده بل ومقاومة شعبية شاملة لم تعط الضوء الأخضر حتى اللحظة لتبدأ بعدها شحنات التوابيت تتلاحق نحو الشمال علماً أن لا رغبة لشعبنا بمزيد من الدماء، لكنه موقف الدفاع عن الكرامة والسيادة وهو ميثاق شرف وطني ما تخلينا عنه يوماً عبر تاريخ سوريانا المشرّف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى