الموازنة تبدأ مشوار الألف ميل على طاولة الحكومة… والشارع يُشهِر سيف التحرّك حردان: لا للمساس بالرواتب… ولا تخيفنا التهديدات بتكامل ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة

كتب المحرّر السياسي

تكشفت نتائج محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في فنزويلا عن آخر الرهانات الأميركية على حسم الوضع لمصلحتها في أميركا اللاتينية، وبعدما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون قد كشفا تورّط واشنطن بالمحاولة الانقلابية التي هدفت لإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو، نجح الجيش الفنزويلي وأنصار الرئيس مادورو بالسيطرة على العاصمة كاراكاس والإعلان عن إنهاء المحاولة الانقلابية.

بالتوازي تواصلت المواقف الإيرانية التصعيدية في مواجهة القرارات الأميركية العقابية التي تستهدف تصدير النفط الإيراني، فأعلن الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني أن لا شيء سيمنع إيران من مواصلة تصدير نفطها، بينما تناوب عدد من المسؤولين الإيرانيين على التحذير من عواقب القرارات الأميركية والمشاركة السعودية والإماراتية في تعويض النقص الذي سينجم عنها في الأسواق النفطية على الاستقرار في الخليج، وكان لافتاً كلام الرئيس روحاني عن إصداره الأوامر بتفعيل قرار تصنيف الجيش الأميركي على لوائح الإرهاب المعتمدة في إيران.

آخر المواقف التصعيدية الإيرانية كان قول مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن صبر إيران يوشك أن ينفد، مشيراً إلى أن «الاتفاق النووي كان اتفاقاً أمنياً أكثر من ان يكون اقتصادياً. وله ارتباط مع كل العالم وفي الوقت الذي تعرض الاتفاق النووي للخطر بسبب الموقف الأميركي فإن احتمال انتهائه موجود في أي لحظة».

وأكد عراقجي أنه «رغم أن هذا الاتفاق أبرم بين إيران ومجموعة الدول الخمس، ولكنه في الأصل هو اتفاق متعلق بالمجتمع الدولي بأسره»، مشدداً على أن «الاتفاق النووي هو النجاح الوحيد للدبلوماسية في المنطقة»، مشيراً إلى أن «خروج اميركا من الاتفاق النووي يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي وقاد الى الحد من ثقة إيران بالاتفاقيات الدولية لأن اميركا تريد القضاء على النجاح الوحيد للدبلوماسية في المنطقة».

لبنانياً، بدأت رسمياً مناقشات الموازنة في الحكومة، ومعها يُنتظر أن يستهلك النقاش شهر أيار لتحط الموازنة رحالها في مجلس النواب وتستهلك شهر حزيران بين مناقشات اللجان النيابية والجلسات العامة قبل إقرارها، وتزامن بدء النقاش الحكومي مع إشارتين، الأولى عزم الهيئات النقابية على تنظيم تحرّكات تحذيرية موازية للمناقشات الحكومية، منعاً لأي تفكير بالمساس بمكتسبات موظفي القطاع العام ورواتبهم وتعويضاتهم، من دون أن يكون كلام وزير المال واللوائح المرفقة بالموازنة مطمئناً، لجهة خلو أي بند من بنود الموازنة من إجراءات تمسّ الرواتب والتعويضات. فالمصادر النقابية تؤكد أن لا اطمئنان للنيات المبيتة، وأن الجهوزية النقابية في الشارع هي الضمانة لمرور آمن للموازنة لا يمس ذوي الدخل المحدود، خصوصاً أن النيات بالاستهداف التي تم تسريبها ثبتت صحتها، وبالمقابل محاولات التملص من السير بالإجراءات الإصلاحية الجدية ستستمرّ، لأن الجهات التي ستطالها هذه الإجراءات تملك من يدافع عنها في الحكومة بشراسة، بينما أنصار الطبقات الفقيرة قد يخضعون للابتزاز ويتراجعون، وقيمة الحضور في الشارع أنه تذكير دائم بخطر انفلات الأمور إذا تم تخطي الخطوط الحمر التي يعلن الجميع اليوم الالتزام بها ويتبرأ من مسؤولية النيات المسربة. وهذا بقدر ما هو مؤشر جيد هو دعوة لعدم التراخي في التحرك منعاً لأي استضعاف أو استسهال، كما جرت العادة دائماً في ما يتعلق بالطبقات الفقيرة والنيل منها.

الإشارة الثانية كانت السجال الذي ظهر بين وزير المال ووزير الاقتصاد، والذي طال موارد الموازنة، حيث وصف وزير الاقتصاد مشروع وزارة المال للموازنة بمجرد عمليات حسابية يفترض أن تتخطّاها الموازنة نحو رسم سياسات اقتصادية ومالية واجتماعية، فكان ردّ وزير المال بأن وزير الاقتصاد دعا لضريبة شاملة على المستوردات الاستهلاكية رفضها وزير المال، ولم يعرف ما إذا كان سجال الوزيرين تعبيراً عن خلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب أم هو مجرد نيران صديقة أصابت وزير المال؟

وفي مواكبته لنقاش الموازنة أكد الحزب السوري القومي الاجتماعي بلسان رئيس مجلسه الأعلى أسعد حردان على التحذير من أي مساس بالطبقات الشعبية، خصوصاً المسّ برواتب وتعويضات موظفي الدولة والعسكريين.

أكد رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أن «الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي يشهدها لبنان وتطال كل اللبنانيين، تحتاج إلى حلول سريعة، من دون تحميل أصحاب الدخل المحدود والفقراء أية تبعات، وعدم المسّ برواتب الموظفين أو فرض ضرائب جديدة أو رفع أسعار، لأن الناس لا طاقة لها ولا قدرة على تحمل أعباء إضافية في ظل الوضع المعيشي المتردي الذي يطال السواد الأعظم من اللبنانيين».

وشدّد حردان خلال استقباله في دارته براشيا الفخار وفوداً رسمية وشعبية وفاعليات على أنّ «لبنان يحتاج إلى كل عناصر القوة والوحدة والاستقرار لمواجهة كل التحديات والأخطار، لا سيما الخطر «الإسرائيلي» الذي يشكل تهديداً مستمراً لسيادة لبنان واستقراره. ولذلك فإن مواجهة هذا الخطر، تحتاج إلى المزيد من التضافر والوحدة، والتمسك بعناصر القوة التي يمتلكها لبنان، وبحق لبنان الثابت في تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر من الاحتلال الصهيوني».

وختم حردان مؤكداً أن «لبنان في ظل ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، لا يخشى من التهديدات التي يطلقها قادة العدو، ولن يتراجع عن حقه في استعادة ارضه وحماية سيادته وثرواته، والمسؤولية الوطنية تملي على الجميع التمسك بهذا الحق».

وعلى وقع حراك العسكريين المتقاعدين، وإعلان اتحاد النقابات العمالية في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة الإضراب العام والإقفال التام في جميع المؤسسات العامة والمصالح المستقلة يومي الخميس والجمعة 2 و3 أيار 2019 إضافةً إلى يوم السبت في 4 منه للمؤسسات التي تعمل في هذا اليوم، التأم مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2019، على أن يبدأ النقاش التفصيلي في جلسة لمجلس الوزراء اليوم في السراي الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري على ان تعقد جلسات متتالية للانتهاء من درسها وإحالتها الى المجلس النيابي. وطلب الرئيس عون الإسراع في مناقشتها بحيث يتم إقرارها في مجلس النواب قبل نهاية الشهر المقبل وان تعكس سياسة الدولة الاقتصادية والمالية. علماً أن المقربين من الرئيس عون أكدوا أنه لديه جملة ملاحظات على مشروع الموازنة، لعدم إلحاق الغبن بالمؤسسة العسكرية والعسكريين.

ورأى وزير المال علي حسن خليل أن «النقاش كان هادئاً ومسؤولاً ولامس كل القضايا المرتبطة بالموازنة وربط بين الوظائف الضرورية للموازنة بالجانب الاقتصادي والمالي والنقدي والرؤية المطلوب أن تستهدفها الموازنة». وأكد أنه «متفائل لإقرار الموازنة بشكل سريع… والمهم ألا تكون هناك جبهات داخل مجلس الوزراء، لغة واحدة في الداخل والخارج ومشتركة بين بعضنا البعض لأن أهداف الفرقاء واحدة».

وفيما اشارت مصادر وزارية الى نقاش حصل بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الدفاع الياس بو صعب هو حول التدبير رقم 3»، لفتت المصادر الى أن وزير المال صرح بأن التدبير رقم 3 لم يرد في مشروع الموازنة، وشددت المصادر نفسها لـ«البناء» على ان هناك إجماعاً على ضرورة تخفيض العجز من خلال تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات. ولفتت المصادر الى شبه إجماع على عدم المسّ بالرواتب، قائلة هناك اقتراحات عدة تصبّ في خانة خفض العجز وتتمثل بضبط التهريب، ورفع الضريبة على المرامل والكسارات ووضع حد للصناديق التي لا حاجة لها، معتبرة أن دور الموازنة اساسي في إرسال رسائل ايجابية الى المجتمع الدولي للحصول على اموال سيدر.

ولفتت مصادر قواتية في حديث لـ«البناء» الى خلل يحيط بالموازنة، فكيف لا يأتي بند الواردات على ملف الأملاك البحرية والمصارف والتهرب الضريبي، داعية الى إشراك القطاع الخاص مع العام في بعض القطاعات لتحقيق إنتاجية أكثر وتوفير المليارات للخزينة.

وشددت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ«البناء» على أن الأمين العام لحزب الله حدد في خطابه قواعد يجب على المعنيين التوقف عندها لجهة عدم المسّ برواتب الطبقة المتوسطة، انطلاق من ان هناك أبواباً كثيرة يمكن الركون اليها لتخفيض العجز وضبط المالية العامة. وشددت المصادر على ان حزب الله يؤكد أهمية اقرار موازنة وفق رؤية إصلاحية متكاملة لا تقشفية، خاصة، أن السياسة المالية التي جرى اعتمادها منذ سنوات كانت وراء الوضع الاقتصادي المتردي الذي وصل اليه لبنان. وقالت المصادر إن حزب الله لن يقبل بفرض ضرائب جديدة تستهدف أصحاب الدخل المحدود، في ما يدعو ويطالب بزيادة الضريبة على أرباح المصارف.

وعلى خط الموازنة، وفيما تولى وزير الاقتصاد منصور بطيش النقاش الاقتصادي في الموازنة، حيث قدم مطالعة أساسية حدد فيها نقاطاً تتصل بضرورة المباشرة بإعادة هيكلة إدارات الدولة، مؤكداً أن الموازنة هي رؤية متكاملة لا عمليات حسابية فقط، وتولى وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي الجانب الدستوري، تردّدت معلومات نقلتها مصادر وزير الخارجية جبران باسيل لـ«البناء» مفادها أن الأخير لن يقبل إطلاقاً بعدم وضع اعتماد طريق القديسين ومرفأ جونيه في موازنة 2019 وإلا لن يمشي أي مشروع آخر في البلد، علماً أن وزير المال أكد أن طريق القديسين ومرفأ جونية في صلب الموازنة ولم يلغ أي اعتماد مخصص لهما كما لم يلغ اعتمادات أياً من المشاريع.

وكان العسكريون المتقاعدون نفذوا سلسلة اعتصامات وانطلقوا من ساحة رياض الصلح في اتجاه أكثر من نقطة، فمنهم من توجّه الى مصرف لبنان في الحمرا، وآخرون الى وزارة المالية وقسم الى مرفأ بيروت وحيث أقفلوا جميع مداخله. وقامت قوى الأمن بقطع الطريق الممتدة من الدورة باتجاه المرفأ.

وأعرب وزير الدفاع الياس بو صعب عن رفضه بشكل قاطع «أيّ مساس بحقوق العسكريين، لأن وجودهم ضمان للأمن والذي هو بحدّ ذاته أحد أهم أسس الاقتصاد »، داعياً إلى «الاتفاق على موازنة مسؤولة وسدّ منافذ الهدر و الفساد». وأكد بو صعب في مؤتمر صحافي له، خلال تفقده وقائد الجيش العماد جوزيف عون أحد المراكز العسكرية المتقدمة التابع لفوج الحدود البرية الرابع على الحدود الشرقية، أن حقوق الجيش لن نفرِّط بها والرئيس عون المتقاعد الأول يَعرف كيف يحافظ على الحقوق. وحول موضوع مزارع شبعا قال بو صعب هناك صكوك في الدولة تثبت لبنانيّتها والبيان الوزاري يؤكد الالتزام بتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

ويتجه النواب العمداء الى التحرك تجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للبحث في مسألة المتقاعدين العسكريين، انطلاقاً من ان الموازنة وفق النائب اللواء جميل السيد الذي تحدث عقب اجتماعه والنواب وليد سكرية، شامل روكز، وهبي قاطيشا، جان تالوزيان، انطوان بانوا، في مجلس النواب، أن هذه الموازنة لا تتضمن اي جدية في الإيرادات، وخصوصاً تلك التي يمكن تحصيلها من الاملاك البحرية والنهرية و مرفأ بيروت والمؤسسات العامة والميدل ايست، مشددين على ان الدولة ليست جدية في التحصيل بأي من هذه المجالات، كما ان الموازنة لم تتضمن الإعفاءات الضريبية عن الغرامات.

الى ذلك بقيت مواقف النائب السابق وليد جنبلاط من مزارع شبعا محط تساؤل ومتابعة، وفيما لم يصدر أي موقف عن حزب الله الذي يرفض الدخول في اي سجال مع جنبلاط في الاعلام، برز موقف النائب السابق نقولا فتوش الذي عقد مؤتمراً صحافياً مؤكداً ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، بإقراره ان مزارع شبعا ليست لبنا نية ارتكب جريمتين، الاعتداء على الدستور وارتكاب الخيانة العظمى، داعياً رئيسي الحكومة ومجلس النواب الى التحرّك أيضاً كما وزير الخارجية جبران باسيل لإبراز الوثائق الثابتة غير القابلة للنقاش التي تملكها الخارجية وتثبت لبنانية مزارع شبعا. دعا فتوش النيابة العامة التمييزية الى التحرّك ضد مرتكب الجناية العظمى، وليد جنبلاط وتنفيذ القانون بحقه وتجريده من حقوقه المدنية، وكل كلام آخر يضرب أي توجّه إصلاحي أو محاربة للفساد، لأن جنبلاط هو رأس حربة لخلايا خيانية نائمة في الخارج والداخل، مطالباً أن يصبح عِبرة للغير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى