الحريري وباسيل وخليل لاحتواء الخلافات… أملاً بخفض إضافي للعجز الجمعة بري: الأجواء إيجابية في ترسيم الحدود… والحوارات حول قانون الانتخاب بناءة

كتب المحرّر السياسي

في مناخ متوتر على مدار الساعة بقي الوضع في منطقة الخليج محور المتابعة الأول في الأحداث الدولية والإقليمية، حيث الحرب الباردة بين واشنطن وطهران مهدّدة في أي لحظة للتحوّل إلى حرب ساخنة، مع أي خطوة غير محسوبة أو حسابات غير دقيقة، في ظل غياب الوساطات الحقيقية رغم مبادرات حسن النية ورسائل التطمين التي يحملها وسطاء حول عدم وجود نيّات أميركية بالذهاب للحرب، والردود الإيرانية المماثلة، لكن المرفقة بتأكيد عمق القضايا الخلافية من جهة، وتأكيد إيران اعتبار العقوبات شكلاً من أشكال الحرب، والحشود العسكرية الأميركية خطوة تصعيدية في قلب الحرب، والتمسك الإيراني برفض التفاوض تحت سيف التهديدات. وفي هذا المناخ تتحضّر دول الخليج للقمتين الخليجية والعربية بعد أسبوع، أملاً بتوجيه رسالة تضامن مع السعودية والإمارات تسبق انعقاد القمة الإسلامية التي تحضرها إيران وتشارك فيها دول لا تتطابق في السياسة مع السعودية، خصوصاً في الموقف من إيران، كحال تركيا وباكستان وأندونيسيا.

في هذا المناخ جاءت تصريحات قيادة الحرس الثوري الإيراني عن القدرة على السيطرة الكاملة على القوات الأميركية في الخليج، بينما قال البيت الأبيض إنه لا يريد الحرب، لكنه يرسل رسائل القوة لردع إيران عن المزيد من التصعيد ضد حلفاء واشنطن في الخليج، وسعياً لإقناع إيران بالجلوس لطاولة المفاوضات.

في لبنان وفي ظل خشية أميركية إسرائيلية من أي تصعيد في الملف النفطي، يفتح الطريق لرسائل قوة وعدت المقاومة بها في حال تعرّض ثروة لبنان النفطية لأي اعتداء إسرائيلي، جاء كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن لقاءاته بمعاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد ليكشف تراجعاً لصالح الموقف اللبناني في قضايا التفاوض حول ترسيم الحدود البرية والبحرية، واصفاً اللقاءات بالإيجابية متحدثاً عن تقدّم ملحوظ وعن توقعات متفائلة بالنتائج وانتظار ما سيحمله ساترفيلد الأسبوع المقبل. وتحدّث بري عن الحوارات التي أجرتها كتلة التنمية والتحرير حول قانون الانتخاب والتعديلات التي تقترحها لجهة جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وإلغاء الصوت التفضيليّ، والسير بصيغة مجلسي النواب والشيوخ وفقاً لنص الدستور، فوصف الملاحظات التي سمعتها وفود الكتلة من الكتل الأخرى بالإيجابية والبناءة، وكان آخر اللقاءات أمس مع تكتل لبنان القويّ خلال زيارة وفد كتلة التنمية والتحرير لرئيس التكتل الوزير جبران باسيل.

في موضوع الموازنة، نجحت مساعي رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل باحتواء الخلافات حول إنهاء النقاشات أو تمديدها بالتوافق على منحها فرصة أخيرة يوم غد الجمعة، وبدلاً من تبادل الاتهامات جرى تعميم مناخات عكسية عن روح التعاون ورفض الحديث عن أجواء سلبية وتأكيد الإشادة المتبادلة بالحرص على خلفية تحكم المواقف والسعي لأفضل ما يمكن في مجال تخفيض عجز الموازنة.

سلة الإجراءات التي تمّ التداول بها يفترض أن تتيح تخفيض العجز من 7،5 من الناتج الإجمالي إلى 7 بعدما تمّ التخفيض من 7،7 إلى 7،5 ، وفي كل الأحوال قالت مصادر معنية بالموازنة ومناقشاتها إن جلسة الجمعة ستكون آخر مطاف المناقشات، ليتم الثلاثاء إقرار الصيغة النهائية للموازنة في جلسة تعقد في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية.

الحريري مستاء وأمهل الوزراء 48 ساعة!

رغم أن مشروع الموازنة بلغ سن الرشد مع انعقاد الجلسة الثامنة عشرة أمس، لكن الدخان الأبيض لم يتصاعد من السرايا الحكومية كما كان متوقعاً، ولا زال المشروع أسير المداولات في ورقة وزير الخارجية جبران باسيل.

ووفق معلومات «البناء» فإن قراراً اتخذ في جلسة الثلاثاء بالانتهاء من الموازنة أمس، لكن إصرار رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل على استكمال النقاش بالبنود الإصلاحية التي طرحها في مقابل اصرار وزير المال علي حسن خليل على الانتهاء من الموازنة وعدم النقاش بأمور سبق وأن ناقشها المجلس مطولاً، دفع برئيس الحكومة سعد الحريري الى إبداء استيائه ورفع الجلسة وأمهل الوزراء فرصة 48 ساعة للعودة الجمعة المقبل بتقديم مقترحاتهم الجديدة وإجابات نهائية على المقترحات الواردة في ورقة باسيل. مضيفاً أن لا يمكننا عقد جلسة اليوم الخميس وفي حال لم ننتهِ الجمعة فقد نعود لمتابعة درسها الثلاثاء المقبل. ما يعني أن يومي السبت والأحد لن تعقد جلسات. علماً أن مصادر وزارية في حزب الله أكدت أنه سيتم الانتهاء من الموازنة الجمعة بتوافق جميع مكوّنات الحكومة.

وهناك انقسام بين فريقين داخل مجلس الوزراء بحسب مصادر وزارية: الاول يمثله وزير المال ويعتبر أن النقاش في الموازنة انتهى واستمراره عبثي، وفريق آخر يمثله باسيل ويرى ضرورة إدخال مزيد من التخفيضات في نفقات الموازنة لا سيما الوزارات التي لم يتم التخفيض منها وتأمين إيرادات جديدة لتخفيض نسبة العجز الى 7 في المئة وهو يعتبر أن الموازنة فرصة لتمرير هذه البنود الإصلاحية التي لطالما نادى بها التيار الوطني الحر في السنوات الماضية ولم يؤخذ بها». أما رئيس الحكومة الذي يؤيّد خليل فيعمل على التوفيق بين الطرفين وإيجاد مخرج يرضيهما معاً للانتهاء من الموازنة بأسرع وقت. ولهذه الغاية، عقد الحريري اجتماعاً للجنة الوزارية المصغّرة لترطيب الأجواء. إلا أن المعطيات أفادت ان هذا الاجتماع لم يقدّم أي جديد بالنسبة للموازنة، وكلّ الكلام كان عن طروحات قديمة وعلمت «البناء» أن «الاجتماع المصغر بحث في النقاط الإحدى عشرة التي أثارها باسيل والنقاش كان ايجابياً، لكن لم ينته البحث بكل النقاط فطلب الحريري من اللجنة الانضمام الى جلسة مجلس الوزراء الذي تأخر انعقادها ساعة عن موعدها المحدد».

وقد حرص الحريري على عدم إشاعة أجواء الانقسام في الجلسة كي لا تؤثر على الثقة بأداء الحكومة وعودة الاضطرابات في الشارع، إلا أن التضارب في مواقف الوزراء ظهر واضحاً في الجلسة، وقد حصل سجال بين وزير الاشغال يوسف فنيانوس ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، على خلفية اقتراح فنيانوس لجنة ثنائية بين خليل وباسيل لنزع الخلاف على الموازنة وإلا سيستمر الجدل ما يؤخر ولادة الموازنة، فردّ جريصاتي رافضاً الفكرة مشيراً الى أن لا اجتماعات ثنائية بوجود مجلس الوزراء المكان الدستوري للبحث والنقاش. وعبّر مصدر وزاري لـ«البناء» عن قلقه حيال تأثر الأسواق بما يحصل في مجلس الوزراء. مشيراً الى أن باسيل «أعاد طرح مسألة الرواتب علماً أن سبق للمجلس أن ناقشها في خمس جلسات».

وفيما خيّم الهدوء والصمت على جبهة وزيري المال والخارجية، أفادت مصادر التيار الوطني الحر الى أن «الأجواء لم تكن سلبية في مجلس الوزراء ووزير المال لم يجلس في غرفة جانبية كما أشيع، بل جلس مع الموجودين ولا خلاف بالشخصي ولا بالسياسة معه»، كما أُفيد أن وزير المال وافق على عدد كبير من النقاط التي طرحها باسيل»، وقال الأخير بعد الجلسة: «يجب أن لا يكون هناك خاسر ورابح في الامر وسأتحدّث عن كل الأمور اليوم بعد اجتماع التكتل».

وخلال الجلسة أثنى باسيل على عمل خليل وجهوده الجريئة في تخفيض موازنات الوزارات، مشيراً الى أننا أيضاً نعمل بجرأة على تقديم بنود إصلاحية لتخفيض العجز، وعلمت «البناء» أن «باسيل طلب في الجلسة مؤازرة حزب الله وتأييده في الاقتراحات التي قدمها إلا أن الحزب بذل مساعي لإقناع باسيل بتأجيل البحث باقتراحاته الى ما بعد إقرار الموازنة».

كما علمت أن «خليل أكد في الجلسة أنه منفتح على كل المقترحات، لكن يمكن بحثها من خارج الموازنة في جلسات أخرى يعقدها مجلس الوزراء، ولا يمكن إصلاح كل شيء في هذه الموازنة طالما أنها تحتاج الى شهر وربما أكثر لإقرارها في مجلس النواب ما يعني عملياً الاقتراب من نهاية العام، وبالتالي يمكننا إدخال المقترحات الجديدة في مشروع موازنة العام 2020 وبالتالي علينا الإسراع في إنجاز هذه الموازنة».

من جهتها عبرت مصادر وزارية في القوات اللبنانية عن عدم ارتياحها للأجواء السائدة، معتبرة «أن هناك إجراءات يمكن أن تتخذ تزيد الإيرادات وتخفض العجز أكثر ولو تمّ خفضها حتى 7 ونصف بعد الرسوم على نمر السيارات من قبل وزارة الداخلية».

واستدعي الإعلاميون والصحافيون الى قاعة المؤتمرات لكي يعقد وزير المال مؤتمراً صحافياً إلا أنه عدل عن ذلك بعد حديث جانبي مع الحريري وخرج خليل من الجلسة ممتعضاً ولم يُدلِ بأي تصريح. علماً أنه كان قال لدى وصوله الى السراي إن «الموازنة خلصت» ولا أعلم سبب هذا الاجتماع ولا يمكن تحديد عدد الاقتراحات التي أضيفت، لأنها مواد بنيوية. اما وزير الصناعة وائل ابو فاعور فقال «نجتمع اليوم ضمن لجنة تسييرية قبيل مجلس الوزراء»، مضيفاً «اقتطاع نسبة من الرواتب والأجور لتخفيض العجز الى الـ 7 غير مطروح». أما فنيانوس فقال «لا ندري لماذا دعينا الى اجتماع لجنة مصغرة لمناقشة الموازنة بعد 17 جلسة لمجلس الوزراء». وتابع «جرى الاتفاق على أن يقتصر عمل وزارة الأشغال هذا العام على الاوتوسترادات الأساسية وذلك بفعل التخفيض في موازنتها ولا تلومونا بالتالي إذا حصل تقصير».

أما بخصوص التدبير رقم 3 فطرحت وزيرة الداخلية ريا الحسن في الجلسة البدء بتطبيق قانون الضمائم الحربية، لكنها اشترطت بألا يتأثر بدل الانتقال على أساس الراتب، لأن بدل النقل هو جزء من الراتب وتعويضات التقاعد. موضحة أن «التدبير رقم 3 يشكل 24 في المئة من أساس الراتب ويصبح 18 في المئة إذا ما اعتمدنا التدبير رقم 2 وينخفض أكثر مع تخفيض 3 بالمئة من الطبابة»، اما وزير الدفاع الياس بوصعب فأكد أن «ما طرحه في التدبير رقم 3 في الجيش يدخل في إطار الموازنة الحالية أما ما طرحته الحسن سيطبق في موازنة 2020، لذلك تطبيق التدبير في الجيش لا يطابق تنفيذه في قوى الأمن الداخلي».

وأشارت مصادر وزارية في حزب الله لـ«البناء» الى أننا «وافقنا على مشروع الموازنة بصيغته الحالية رغم اعتراضنا وتحفظنا على بعض البنود، لكنه هذا أقصى ما يمكن أن نصل اليه في هذه الظروف»، وأبدت المصادر استغرابها من تمديد الجلسات وإعادة طرح اقتراحات سبق أن ناقشها المجلس مراراً».

وقال وزير الإعلام جمال الجراح بعد الجلسة: «تبين معنا اليوم أن العجز انخفض من 7.68 إلى 7.5 ، وهذا أمر إيجابي جداً، أن نتمكّن من تخفيض هذه النسبة بفضل بعض الاقتراحات. اليوم كانت هناك اقتراحات من قبل عدد من الوزراء، وبعد النقاش، تبين أن هذه الاقتراحات بحاجة فعلاً إلى دراستها، ووزير المالية سينظر في انعكاسها المالي، لذلك أعطى الرئيس الحريري مهلة 48 ساعة كي يناقش الوزراء المعنيون الذين تقدّموا بأفكار وطروحات جديدة هذه الأفكار مع دولته، أو مع وزير المالية، بشكل أن تكون جلسة نهار الجمعة عند الأولى والنصف هي النهائية».

في المقابل، شهد الشارع هدوءاً لافتاً خلال اليومين الماضيين، فقد أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة تعليق الإضراب العام مؤقتاً في كل الإدارات اعتباراً من صباح اليوم، ومواصلة تحركها بالوسائل القانونية المتاحة مع إبقاء كل الخيارات مفتوحة بما فيها العودة إلى الإضراب عند اللزوم».

أما المساعدون القضائيون في قصور عدل بيروت والمناطق، فقرروا الاستمرار في اعتكافهم عن العمل يومي الخميس والجمعة في 23 و 24 أيار الحالي، وذلك إثر الاجتماع الموسّع الذي عقد أمس في قصر عدل بيروت.

بري ينتظر…

إلى ذلك، نقل النواب عن الرئيس نبيه بري بعد لقاء الأربعاء النيابي قوله «نحن ننتظر هذه الموازنة التي تأخرت اصلاً، وكما عبرت مراراً فإن المجلس سيقوم بواجباته وقد أعطيت التوجيهات لدرسها بوتيرة سريعة لإنجازها في لجنة المال خلال شهر».

على صعيد آخر، قال بري «ان اجواء المباحثات مع مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير دايفيد ساترفيلد حول ترسيم الحدود البحرية إيجابية، وان هناك تقدماً واضحاً في هذا المجال»، مشيراً الى الموافقة على الورقة اللبنانية. وأعرب بري عن تفاؤله معتبراً ان وحدة الموقف اللبناني كان لها الدور الأساسي في هذا التطوّر الإيجابي، وأنه متفائل بانتصار الموقف اللبناني الرسمي والسياسي والشعبي. وقال «ربما الأسبوع المقبل يأتينا الجواب حول مجمل الورقة اللبنانية، ونحن نتابع الموضوع». وتناول رئيس المجلس نتائج اللقاءات التي أجراها وفد كتلة التنمية والتحرير حتى الآن مع الكتل النيابية حول صيغة اقتراح قانون الانتخابات الذي اعدته الكتلة، مشيراً الى ان الملاحظات إيجابية وهناك مناخ جيد لمتابعة هذا الموضوع الأساسي والمهم. وحثّ بري النواب على تقديم الأسئلة والاستجوابات في شأن أي ملف يتعلق بالفساد والهدر وقضايا اخرى.

وكان وفد من كتلة «التنمية والتحرير» أطلع الوزير باسيل «على مشروع بري لتعديل قانون الانتخابات النيابية». وقال النائب ألان عون الذي شارك في الاجتماع إن «أي بحث في قانون انتخاب وطني لمجلس النواب مرتبط بإنشاء مجلس شيوخ وصلاحياته لأنه سيصبح المؤسسة الوحيدة التي تضمن مشاركة كل الطوائف وتحفظ النموذج التعددي… نحن منفتحون على النقاش في موضوع قانون انتخاب تحت سقف المحافظة على صحة التمثيل التي كانت من أبرز إنجازات القانون الحالي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى