ميشال سير آخر الفلاسفة المخضرمين…!

سليمان بختي

كان الفيلسوف والكاتب والمؤرّخ والأكاديمي الفرنسي ميشال سير 1930-2019 شاهداً كبيراً على عصره بكونه صاحب البصيرة والصادق والإنساني كما وصفه وزير التعليم الفرنسي ميشال بلانكير مفكّر موسوعي، غزير الإنتاج أكثر من ثمانين كتاباً متعدد الاهتمامات، عضو أكاديمية اللغة الفرنسية والأكاديمية الأوروبية للعلوم والآداب، وحامل وسام الشرف الفرنسي، ووسام الاستحقاق الوطني، ووسام الصليب الأكبر، وحائز جائزة «جون ديفيد» ـ 2013 وجائزة «مستر اكهارت» ـ 2012. درس تاريخ العلوم في جامعتي «السوربون» و»ستانفورد». كتب في الفلسفة وتاريخ العلوم والرياضيات والأدب والموسيقى والتعليم والبيئة والتطوّر التقني والروايات الصغيرة، ووفق بين الفلسفة والمعرفة وبين العقل والأسلوب وعمل على توصيل خطابه الفلسفي إلى الجميع.

هو من مؤيدي حرية الحصول على المعرفة. وركّز في أبحاثه على آثار المشكلة الأخلاقية في التقدّم العلمي وعلى نتائج التجاوزات في الصناعة التحويلية من خلال تأثير الاتصالات.

ويرى أن الفصل بين الثقافتين العلمية والأدبية ترك أثراً سيئاً على الأجيال الجديدة، وبات من الصعب أن يكون الشخص مثقفاً إذا لم تتوفّر له الفرصة للجمع بين الثقافتين العلمية والأدبية في حياته وفكره. شدّد في كتاباته على ضرورة فهم الماضي لأجل بناء المستقبل وتوقّع الآتي.

وكان همه دائماُ ترسيخ حضور الفلسفة في العصر. لذلك كثف من حضوره الإعلامي من إطلالات وحوارات ومقاربات وصولاً الى مسلسل وثائقي بعنوان «جولات حول العالم» في تسعينيات القرن الماضي.

ويوضح ميشال سير أن التقنية الحديثة غيّرت فقط من تصوّرنا للمكان والزمان وأنها لم تقلّص المسافات كما فعل الحمار أو الطائرة إنما حذفتها تماماً. وبرأيه أن التقنية الرقمية عزّزت العلاقات بين الناس لجهة المعلومات المشتركة التي تقرّبهم من المساواة: التلميذ والأستاذ والمريض والطبيب. وفي منظوره أن تاريخ العالم مبني على ثلاثة عصور: العصر الأول سيطر عليه داروين ونظرية التطور، العصر الثاني هو عصر التدمير الذاتي ويبدأ من جنكيز خان إلى هتلر ويمثله نابليون بونابرت، أما العصر الثالث فبدأ بعد قنبلة هيروشيما وباتت فيه التقنية تتحكم في الطبيعة وهو عصر له بعد عالمي كوني شمولي ويختلف عن عصر الكتابة والمطبعة ويترافق مع عوامل تزايد السكان وتطوّر العمران وتقهقر الزراعة وتركّز العيش في المدن وتقدم الطب وزيادة عمر الانسان.

ومن عناوين كتبه نذكر «نظام ليبنتز ونماذجه الرياضية»، «كانط: دروس في الفلسفة الإيجابية»، «النقد الطبيعي»، «اختلافات الجسد»، «العلوم والإنسان المعاصر»، «قصص من الانسانية»، «الاصبع الصغيرة»، وهو ربما الكتاب الوحيد الذي نقل إلى العربية.

يبقى أخيراً أن ميشال سير أعرب عن اهتمامه بظهور فلسفة سياسية جديدة تتناول البيئة الرقميّة، موضحاً بكلماته: أعتقد من هذا المكان الذي بلا قانون، الانترنت، سيظهر قانون جديد ومختلف عن قانون فضائنا المتري القديم». هذه التقنيات أعلنت عن ولادة جيل جديد هو «جيل الإنترنت والموبايل» الجيل الذي يعيد دائماً علاقته بالأشياء، والذي يهجر الأرياف ولا يحمل هموم البيئة ولا ازدياد حرارة الأرض وتبدلّ المناخ كمصادر تهدّد استمرار الحياة.

عاش ميشال سير التطوّرات والتحولات والتغيرات الفكرية والتقنية في العالم، وكان حاضراً بفكره وآرائه الثاقبة ومصرّاً دائماً على الانتباه الى الحركة باعتبارها مرتبطة بالمعرفة حتى تغدو الحركة مسمّى جديداً للحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى