الجيش السوري في عين العرب ومطار الطبقة… والأميركيّ أتمّ انسحابه الحكومة لتسويات حارّة في ملفات الموازنة… وتجاذب بارد حول العلاقة مع سورية

كتب المحرّر السياسيّ

فرض قرار الرئيس السوري بشار الأسد بإرسال الجيش إلى الحدود مع تركيا رداً على إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان، إيقاعاً على الحلفاء والخصوم، فتغيّرت الحسابات وتبدّلت المعادلات. فالأميركي الذي قدّم انسحابه كترجمة لمصالح أميركية عليا بالخروج مما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعارك السخيفة التي لا تنتهي، وجد نفسه مضطراً لتفادي التصادم مع الجيش السوري، الذي بدا مخلّصاً ومنقذاً للأكراد الذين خانهم الأميركي، بينما الأتراك الذين ربطوا عدوانهم على سورية بمنع تحوّل شمالها لكانتون انفصالي كردي يتموضع فيه مَن تعتبرهم تركيا مصدر خطر على أمنها، فقد اضطروا لسحب تصريحاتهم حول فرضيات التصادم مع الجيش السوري. وخرج الرئيس التركي يتحدث عن وصول الجيش السوري إلى عين العرب كوباني، فيقول هي بلادهم وأرضهم، ومن الطبيعي أن ينتشروا فيها وما يهمّنا هو عدم تمركز الإرهابيين. أما القيادات الكردية التي سوقت في الأيام الأولى للقرار السوري صورة أقرب إلى دخول الجيش تحت رايتها ورعايتها لمهمة متفق عليها لا تمسّ سلطتها ولا الوقائع الانفصالية التي فرضتها في الشمال السوري، فقد اضطرت للاعتراف تدريجياً بأن زمام الأمور بيد الجيش السوري وأنها تقاتل تحت قيادته ورايته، وفي ظل العلم السوري، وأن تطلعها هو للمشاركة في الحل السياسيّ الذي تقوده الدولة السورية. بالتوازي أيضاً جبهة الحليفين الروسي والإيراني بدت متماكسة وراء الموقف السوري، سواء على مستوى الخطاب المطالب تركيا بوقف العدوان، أو بالضغط على القيادات الكردية للتأقلم مع مقتضيات القرار السوري، أو في التحركات الهادفة لتوظيف الصدمة التي ولدها القرار السوري الذي طبّق بنجاح وسرعة، فدخل الجيش إلى عين العرب ومطار الطبقة، بعدما تأخّر لساعات طلبها الأميركيون لاستكمال انسحابهم، وأكمل الجيش انتشاره في خط الحدود، من الشمال الشرقي على الحدود السورية العراقية التركية، إلى الشمال الغربي في محور منبج عين العرب، حاصراً خط الانتشار التركي في رقعة تقع بين رأس العين وتل أبيض ـ لا تزال تدور فيها المواجهات بين الجماعات الكردية والمجموعات التي جلبها الأتراك من بقايا الميليشيات السورية العاملة تحت لوائهم، ووقعت مواجهة محدودة في عين عيسى مباشرة بين الجيش السوري والجيش التركي، انكفأ بعدها الأتراك، مع تبلور مساعٍ روسية لوساطة تقوم على التزام تركي باتفاق أضنة، والتحضير الروسي لاجتماع أمني ثنائي سوري تركي تستضيفه روسيا في سوتشي، يسبقه لقاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب أردوغان الثلاثاء المقبل.

لبنانياً، دخان الحرائق المقيم سياسياً في أنوف اللبناني، بعد فضيحة الأداء المتعثر خصوصاً لضحالة الإمكانات الموضوعة في تصرف الدفاع المدني، أو للغموض المحيط بحكاية الطائرات المخصصة للإطفاء التي تمّ شراؤها حكومياً بتبرعات غير حكومية، وثبت أنها غير ملائمة للمهمة عند الحاجة بينما محاولة إطفاء الحرائق السياسية تسير على محورين، محور الضرائب والتشريعات التي يمكن أن تتحمّلها موازنة العام 2020 من دون أن تتأخر عن موعدها الدستوري، وبات البحث فيها محصوراً بشروط تطبيق زيادة الضريبة على القيمة المضافة، حيث يتم إعداد جداول مقارنة بين مقترح زيادة الضريبة إلى 15 وزيادة محصورة بالمواد والبضائع والخدمات التي لا تطال الفئات الشعبية الفقيرة أو تشكل كماليات لا يمكن الدفاع عن ضرورة تأمينها بأسعار مخفضة كالتبغ والكحول، والسيارات الفخمة، ومستوردات ينتج لبنان ما يوازيها، وكلّها يمكن أن تخضع لضريبة تصل الى 30 وفقاً لمصادر حكومية.

محاولات إطفاء الحرائق السياسية التي يتولاها رئيس مجلس النواب بالضغط لتسريع الموازنة ووصولها إلى المجلس النيابي في موعدها الدستوري، بقيت محكومة بالتجاذبات في ملف العلاقة بسورية، خصوصاً لجهة المعارضة القواتية الاشتراكية لزيارة وزير الخارجية جبران باسيل الموعودة لسورية، والتي اتخذ رئيس الحكومة موقفاً محايداً تجاهها رابطاً موقفه بالنتائج في ملفي النازحين والترانزيت، وبدت الزيارة مرشحة لتكون وفقاً لإحدى صيغتين: أن تكون لوفد وزاري يترأسه باسيل كوزير للخارجية ويضمّ وزراء يمثلون القوى الداعية لتطوير العلاقات مع سورية، وتحدّثت معلومات عن احتمال أن يقارب عدد أعضاء الوفد الحكومي عشرة وزراء بينهم وزراء الزراعة والنازحين والطاقة والاقتصاد والتجارة الخارجية، أو أن تتمّ زيارة الوزير باسيل بتكليف من رئيس الجمهورية تمهيداً لزيارة يقوم بها رئيس الجمهورية ويرافقه فيها الوزراء المعنيون بملفات العلاقة مع سورية كل في اختصاصه.

المفاعيل الإيجابية للقاء عين التينة بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري ظهرت بوضوح أمس، على جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية المخصصة لمناقشة موازنة العام 2020، إذ وصف أكثر من وزير الجلسة بالممتازة والايجابية. فرأى وزير الاتصالات محمد شقير بعد الجلسة أن «الحريق انطفا برّا وجوّا» في اشارة إلى الحريق السياسي الذي اشتعل في الجلسة الماضية، وقد لوحظ تجنّب الوزراء التصريح للاعلاميين بعد خروجهم من الجلسة، ما أشر الى أن الحريري تمنّى على الوزراء عدم تسريب اي معلومات للصحافة باستثناء ما يعلنه وزير الاعلام جمال الجراح رسمياً، حفاظاً على مداولات الجلسة وحرصاً على التوافق وإنجاز الموازنة بلا خلافات.

وأعلن الجراح بعد الجلسة أنه «تم إقرار إصلاحات مهمة. فصدر عن وزير المالية علي حسن خليل رفع الرسوم على التبغ والتنباك المنتج والمستورد وتم إلغاء ودمج بعض المرافق العامة وتركيب «سكانرز» اضافية على الحدود، كما تمّ تكليف وزير العمل بمتابعة قانون الشيخوخة وتم إعطاء 5 في المئة للمصانع على الصادرات الإيجابية».

على صعيد الحرائق أعلن الجراح عن «تكليف الهيئة العليا للاغاثة بإحصاء أضرار الحرائق، كما ان وزارة العدل ستفتح تحقيقاً بما جرى وطلب تقديم تقرير من وزارتي الداخلية والدفاع».

وكشفت وزيرة الداخلية ريا الحسن، بحسب ما علمت «البناء» أنه «لم يثبت لدينا حتى الآن أن الحرائق مفتعلة وأن التحقيقات مستمرة بعهدة مدعي عام التمييز لكشف الملابسات»، مشيرة الى أن «الوزارة وهيئة إدارة الكوارث كانا على أتمّ الاستعداد والجهوزية لأي طارئ على صعيد الحرائق والطائرات التي طلبناها من بعض الدول الصديقة كانت في طريقها الى لبنان للمساهمة بإطفاء النيران». وتعقد الحسن مؤتمراً صحافياً الاثنين المقبل للوقوف على حوادث الحرائق. ونفت الحسن أن «يكون أي من النازحين قد افتعل الحرائق باستثناء نازح عمد الى حرق النفايات ما ادى الى اشعال حريق في الحدث».

وقالت مصادر وزارية لـ»البناء» إن «البحث تركز على تضمين مشروع الموازنة بعض البنود الاصلاحية وملف الكهرباء»، موضحة أننا «اقرينا بعض الاجراءات أما بند الضريبة على القيمة المضافة فلم يبحث في الجلسة على أن يحسم خلال جلسة اليوم بعد انتهاء الجلسة العادية»، مضيفة: «اذا استمرينا بهذا الاجواء والعمل الجدي نكون قد حققنا تقدماً كبيراً»، مؤكدة «إقرار الموازنة وإحالتها الى المجلس النيابي قبل الاثنين المقبل».

ورجّحت مصادر حكومية أن تعقد جلسة في بعبدا الجمعة لإقرار الموازنة بالصيغة النهائية، إذا انتهت اليوم مناقشات الوزراء وتم الاتفاق على كل البنود الإصلاحية، وإلا ستُعقد في السراي الحكومي أيضاً حتى الانتهاء منها. كما سيناقش المجلس اليوم ورقة الإصلاحات التي أقرت في لجنة الإصلاحات الوزارية.

وبحسب ما علمت لـ»البناء» من مصادر وزارية في حزب الله أن «بند الضريبة على القيمة المضافة لم يمر في مجلس الوزراء حتى الآن على أن يُبت فيه في جلسة اليوم»، مضيفة: «نحنا من الذين عارضوا هذا البند وسنعارضه اليوم، فإما يُقرّ بالتصويت إن تعقدت الأمور أو يلغى».

كما عارض وزراء حركة أمل هذا البند، كما تمّ إرجاء بند الحسوم التعاقدية».

وإذ لم تلحظ الجلسة أي اشتباك على جبهة التيار الوطني الحر والاشتراكي، سُجل سجال بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير العمل كميل أبو سليمان. فعندما طالب وزراء القوات اللبنانية بحلّ مسألة التوظيفات غير الشرعيّة وإلغاء القرار، توجّه باسيل لأبو سليمان بالقول: «هناك 525 موظّفاً وظفتهم القوات». فردّ أبو سليمان والوزير غسان حاصباني على باسيل: «أشكّ بذلك، ولكن إذا أثبتت التقارير، هذا الأمر فإنّ «القوات» مستعدّة للتحرّك»، فرد باسيل على حاصباني بالقول: لماذا اعتبرت نفسك معنياً، هل لانك وظفت في وزارة الصحة؟ وعندما طرحت مسألة تكليف ديوان المحاسبة دراسة ملف التوظيف العشوائي وتكليف الأمانة العامة لمجلس الوزراء متابعة ذلك، سأل وزراء القوات: ماذا لو تبين حصول مخالفات للقانون في الملف ماذا سيكون موقف الحكومة وكيف نعالج ذلك؟ وركّز وزراء القوات على مسألة الإصلاحات والعجز الحاصل في الكهرباء معترضين على الاعتماد المخصص لشراء الفيول، معتبرين أنه مكلف جداً قياساً على المبلغ المرصود في خطة الكهرباء ككل. وأعلنوا أنهم غير راضين عن الإجراءات المتخذة حتى الآن بشأن الموازنة.

وأكد الوزير محمد فنيش أننا «نوافق على زيادة الضرائب على الكماليات، لكن نرفض اي ضريبة تطال الطبقة الفقيرة».

وكلف مجلس الوزراء وزير النازحين صالح الغريب برفع ورقة الوزارة لخطة إعادة النازحين على أن تتم مناقشتها في جلسات لاحقة.

وبعد الجلسة عقد اجتماع بين وزراء حزب الله وأمل والحريري وتمّ البحث بجملة مواضيع عالقة أبرزها زيارة سورية وملف الكهرباء والمقالع والكسارات، واستغربت مصادر وزارية التأخير في ملف الكهرباء.

كما عُلم أن وزراء تكتل لبنان القوي وبعد الجلسة عقدوا خلوة مع الحريري في مكتبه لبعض الوقت.

وسبق الجلسة لقاء بين الحريري وباسيل تناول الأوضاع السياسية والاقتصادية العامة في البلاد.

وبحسب قناة الـ»او تي في» فإن اللقاء جيّد وروتيني ومصادر المجتمعين قالت إن كل شيء عادي و»حتى اكتر» بين الطرفين. ونفت مصادر مطلعة على اللقاء «ما أشيع عن أن الحريري مستاء من باسيل بسبب ما قيل عن ان الأخير غيّر رأيه ببعض الإصلاحات».

وتساءل الرئيس بري في لقاء الاربعاء النيابي في عين التينة، لماذا نعيش حالة إنكار وكأننا لا نعاني من أزمة مالية، اقتصادية واجتماعية، بالرغم من توافقٍ بإجماع المستويات الرئاسية والقيادات المسؤولة على 22 بنداً في لقاء قصر بعبدا، وهي إصلاحات بدءاً من الموازنة مروراً بالكهرباء والتغويز الى آخره من بنود؟ ونوّه بري باجتماعات اللجنة الوزارية المتلاحقة، إلا انه أبدى استغرابه لإعادة البحث من جديد بملف الاصلاحات طالما بتّ بهذا الملف من ضمن البنود الـ 22، وإلا فليحسم التصويت هذا الامر. ونفى بري الشائعات التي تروّج بوقف مفاعيل سيدر، حيث اكدت الجهات المعنية الفرنسية بأن لا صحة لهذه الشائعات. وشدّد بري على ان المقاومة والازدهار والاستقرار بالوحدة، وتساءل اين التصدي لقضم العدو الإسرائيلي لـ 15 متراً في احدى النقاط المتحفظ عليها. قائلاً: يلوموننا على الربط بين حدودنا البرية والبحرية ويستغربون تمسكنا بالمقاومة التي هي في أبسط الأحوال مصلحةٌ للبنان.

وأشار رئيس المجلس الى انه أبلغ الأمم المتحدة بالتعديات الإسرائيلية.

وقالت مصادر نيابية في التنمية والتحرير لـ»البناء» إن «بري تواصل مع مختلف القوى المعنية بالموازنة وطلب تكثيف جلسات مجلس الوزراء لإنهاء الموازنة». وأشارت المصادر الى أن «كتلتي التنمية والوفاء للمقاومة يعارضان فرض أي ضرائب جديدة او رفع الضريبة على القيمة المضافة، وسيصوّتان ضد بند الضرائب إذا ما عرضت الموازنة على التصويت»، وأصرّ بري على الحريري، بحسب ما علمت «البناء» على «حسم مسألة الموازنة قبل الاثنين المقبل وإن طرحت على التصويت، لأن المهم ان تصل الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية».

وأكدت المصادر النيابية ان «الجميع مقتنع بأن الموازنة بحاجة الى إصلاحات، لكن السؤال هل من الضروري تضمين بعض المواد ضمن الموازنة؟ لأنه لا يمكن ان تتضمن كل البنود الإصلاحية كمشاريع قوانين وهذا تجاوز لصلاحية المجلس النيابي ومخالفة واضحة لتوصيات لجنة المال والموازنة الممثلة بجميع الكتل النيابية بعدم تمرير فرسان الموازنة ضمن الموازنة بل من خارجها اي ان تحول البنود الإصلاحية الى مشاريع قوانين تدرس في اللجان النيابية وتحال الى الهيئة العام لإقرارها».

واكدت المصادر أن «بري مستعد لفتح ابواب المجلس النيابي بدءاً من السبت لاستقبال الموازنة فور تسلمه المشروع موقعاً من رئيس الجمهورية وذلك لإحالتها الى لجنة المال لدراستها، وإذا لم تُحَلْ بالوقت المحدد فإن المجلس بات بحل من أمره ولم يعد ملزماً باقرارها ضمن العقد العادي الذي ينتهي في 31 كانون الاول المقبل». واكدت مصادر بري انه «مع التواصل المباشر مع سورية على كل المستويات الرسمية والسياسية. وهذا موقفه منذ بداية الازمة ولم يغير، ومقاربته تنطلق ليس من موقفه السياسي بل من مصلحة لبنان الاقتصادية وحل ازمة النازحين، وهو يشجع اي توجه حكومي على هذا الاتجاه». واستغربت المصادر موقف الاشتراكي والقوات، مشيرة الى ان «الملف مصلحة استراتيجية للبنان وليس لقوى سياسية معينة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة».

الى ذلك، عقد ليل أمس اجتماع بين قيادتي «حزب الله» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» في منزل الوزير السابق غازي العريضي. وتخلّل اللقاء نقاش مستفيض حول الأوضاع السياسية العامة والأزمة الاقتصادية الاجتماعية المالية الخطيرة التي يعيشها لبنان وضرورة الوصول الى تفاهمات للحد من تداعياتها ورسم خطة للخروج منها، وكان اتفاق على استمرار الحوار والتواصل المباشرين لتثبيت الاستقرار والتعاون في مجالات العمل النقابي والحكومي والنيابي.

وبحسب مصادر «البناء» فإن بري كان «عراب اللقاء وسبق له أن فتح الباب امام إعادة تصحيح العلاقة وترتيبها بما يحافظ على الاستقرار المجتمعي بين بيئة الطرفين والسلم الاهلي في الجبل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى