رجا: وجود «داعش» في غزة يخدم «إسرائيل»

حاوره سعد الله الخليل

بين نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 ونكسته عام 1967، بدا واضحاً غياب المشروع العربي حيال الصراع العربي- «الإسرائيلي» والقضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني المكتمل الرؤية والقائم على خطط مدروسة ورغم التواطوء العربي الواضح بالتماهي مع مشروع طمس القضية فإن الوعي لمرامي المشروع الصهيوني ظهر مبكراً في كتابات المفكرين الفلسطينيين.

المشروع المعادي ومراميه وأفاق المشروع الفلسطيني، محور اللقاء المشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» مع الإعلامي والكاتب الفلسطيني الدكتور بسام رجا.

بين النكبة والنكسة

يربط رجا نكسة حزيران بنكبة عام 1948 من خلال مواصلة الكيان «الإسرائيلي» جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بغطاء دولي منح الكيان الصهيوني أن يكون دولة فوق القانون ودولة :معترف بها في عام 1949 في الأمم المتحدة.

وقال: «يجب أن ننظر إلى الموضوع في شكله الأوسع، أي إلى الحركة الصهيونية ومشروعها في إفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها وهو ما ارتبط أيضا بالعقلية الاحتلالية التوسعية الصهيونية والتي يجب ربطها مع التآمر الاستعماري والاحتلالي الذي حصل عام 1917، بتقسيم فلسطين إلى دولتين عبر القرار /181/ عام 1947 والذي رفضه العرب والفلسطينيون. فالمسألة كانت قد أعدت منذ وعد بلفور في عام 1917 ليتم تهيئة المسرح للهجرات الصهيونية إلى فلسطين التي بدأت مع بريطانيا باحتلالها للأرض وتشكيلها عصابات تفوق قوة بريطانيا المنتدبة على فلسطين. فهذا التشكيل الذي بدأ كان بدعم الولايات المتحدة الأميركية وأغلب دول العالم التي كانت تتواجد فيها تلك العصابات الصهيونية مثل بولندا التي شكلت فيها عصابات برئاسة مناحيم بيغن مثل «الهاغانا» و«البلماخ» التي جاءت في ما بعد، وتمركزت في فلسطين وواصلت عملياتها الإرهابية».

وأشار رجا إلى»أن إعلان ما يسمى الدولة الصهيونية في 15 أيار 1948، جاء كتهيئة للمسرح سبقتها عمليات تهجير منظمة مع طلائع عام 1917 وما قبل، وكانت تتطلع إلى تهويد كامل تراب الوطن الفلسطيني».

الوعي المبكر في غياب المشروع

وأكد رجا أن مرحلة الوعي الفلسطيني بدأت مبكراً، وذلك بعكس ما يحاول بعض الكتاب الفلسطينيين الإساءة إلى مرحلة النضال الفلسطيني والذي يدخل ضمن الدعاية الصهيونية. وأضاف: «الكثير من أهالي القرى الفلسطينية استبسلوا بالدفاع عن الأرض لدرجة أن بعض مواطني حيفا ربطوا أنفسهم إلى الشجر ليموتوا بجانبها».

وأضاف: «الحديث عن الجيوش العربية السبعة التي قدمت إلى فلسطين كلام يؤخذ بالسياسة من أجل تبرير الهزيمة فقط، ولم تحمل أي مشروع لاستعادة فلسطين عبر الهدنة الأولى والثانية فأرسل الملك فاروق أسلحة فاسدة والجيوش لم يكن لديها أوامر بالقتال رغم الاستبسال في الدفاع من قبل جيوش العراق وسورية والسودان واليمن وغياب القرار السياسي الواضح للقتال». وتابع:»أمام غياب المشروع العربي، كان المشروع الأميركي والبريطاني واضحاً آنذاك وأخذ هذا الموضوع على محمل الجد ومهد له منذ سنوات».

ورأى رجا أن الوعي العربي بين النكبتين بدأ يظهر واستوعب ما حدث عام 1948، وباشر بالاستعداد عبر المثقف العربي والفلسطيني في استعادة الوعي الفلسطيني وأضاف: « نلحظ أن الكثير من الكتاب وعلى رأسهم الشهيد غسان كنفاني كتب مبكراً عن طبيعة الوعي الفلسطيني في استنهاض للحالة للشروع بمشروع كفاح عربي فلسطيني».

ظهور خجول للبعد العربي

وأكد رجا «أن البعد العربي بدا بالظهور في خمسينات القرن الماضي عبر الرؤية العربية القومية ولكنه لم يتبلور على المدى البعيد في شكل جيد عبر رؤية حقيقية لطبيعة المشروع الصهيوني تزامنت مع اعتداءات في المنطقة يجب أخذها في الاعتبار كالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما كان معدّ للمنطقة من تجزئة إضافة إلى وجود الأنظمة العربية التي حسمت خياراتها منذ البداية في حالة وظيفية كما حدث مع إمارة شرقي الأردن في عام 1923 أو النظام السعودي الذي أنشئ في العشرينات بعد وعد بلفور بسنتين، وما مارسته هذه الأنظمة من أدوار ضد الأنظمة العربية القومية التي رفعت لواء فلسطين ومشروع مفهوم الوحدة العربية التي كانت ربما ستكتسح الشارع العربي بالشعارات التي سادت بين النكبتين عبر الذي جرى في المياه العربية».

مصر وسورية رافعتا النضال العربي

يرى الدكتور رجا أن «مصر التي خرجت من الملكية بدأت تحمل هموم الأمة ومشروعاً عربياً، كان بحاجة إلى روافد في المنطقة، فالرئيس جمال عبد الناصر دفع بهذا الاتجاه بعد عام 67 باتجاه تشكيل محورعربي حاصره النظام الرسمي العربي مع محاولات لإشعال الفتن من الجزائر إلى اليمن. فما حملته الناصرية كان مشروعاً من أجل توحيد الأفكار العربية».

ويتساءل رجا «من دعم منظمة التحرير عام 64 بمؤتمرها الأول غير مصر، وفي مواجهة التمدد الصهيوني بعد 67 وما استطاع أخذه من أراض في القدس وسيناء والجولان ولبنان حيث أكمل المشروع مهمته في السياسة والديمغرافيا في إطار ما رسمه الاحتلال بعد عام 48 عبر حكومة ليفي أشكول ووزير الحرب موشي ديان وفق الرؤية الأميركية التي تنظر إلى المشروع الصهيوني كدورعضوي وليس وظيفي كدور حلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر».

وأضاف: «شكلت الوحدة بين سورية ومصر إرهاصاً حقيقياً للإبتعاد عن التصالح مع الكيان الصهيوني في وقت هناك من يريد إبعاد فلسطين عن كونها قضية عربية ربطاً مع ما يتم التآمر به على سورية والمقاومة الفلسطينية منذ انتصارها في عام 68 مع الوعي لضرورة الكفاح المسلح ضد هذا الكيان، فالمشروع الذي بدأ يتبلور بعد 48 أخذ بيده مقاومة فلسطينية ووعي فلسطيني حتى في الشتات، مقابل مشروع عربي أراد إفراغ المقاومة من قوتها».

وتابع: «ليس من المعقول أن تذهب لاءات مؤتمر الخرطوم الشهيرة عام 67 لا صلح لا تفاوض لا اعتراف بإسرائيل ، إلى محاولة إلغاء كلمة الصراع العربي الصهيوني واستبداله بالصراع الفلسطيني الصهيوني لإلغاء الشراكة الثقافية والتاريخية، عبر قرارات مخفية تعزز الاحتلال بالتشارك مع أميركا وجامعة الدول العربية عبر مؤامرات لضرب الوحدة العربية ومحاولات هدر مقدرات الأمة التي كان يجب أن تجهز نفسها بعد العام 48، شيئا فشيئاً للمعركة الكبرى، وهذا ما كان يجب أن يحصل لولا تآمر النظام الرسمي العربي، فنكسة حزيران مرتبطة مع نكبة عام 48».

مشروع العدو واضح

يؤكد الدكتور رجا أن الاحتلال جهز دباباته منذ عام 48 أمام المسجد الأقصى وهو ما فعله وزير الحرب الصهيوني موشي ديان وأشارت إليه مذكرات بعض الجنود الصهاينة، الأمر الذي كان تجهيزاً للمسرح تزامن مع عدم تحريك النظام الأردني أي ساكن كوصي على الضفة والقدس حينها والحديث عن تزويد النظام الرسمي العربي للكيان بالمعلومات والإحداثيات في مصر وغيرها، في مسعى لمحو فلسطين من الذاكرة العربية وإعادة التشكيل والتسميات وهو ما يعمل عليه اليوم كاستمرارية لنهج استهداف الأقصى كرمز فلسطيني منذ حرقه المسجد على يد مايكل روهاني والمنظمات الصهيوني المرتبطة مع أميركا.

غياب المشروع العربي

وأكد رجا أن غياب المشروع العربي هو ما عزز غياب الإرادة الدولية لتطبيق القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، مضيفاً «أن المشروع بعد عام 67 أراد تثبيت الخرائط التي رسمها الاحتلال على أرض فلسطين عبر التهجير الممنهج لكل أهالي المناطق الفلسطينية وهو ما يدخل في إطار إخراج الفلسطينيين من المكان والزمان وهو ما عزز الاستيطان خصوصاً بعد اتفاقية اوسلو ، فبين الضفة الغربية وغزة يوجد أكثر من مئة الف مستوطن، والجدار العازل قسّم حتى البيت الفلسطيني الواحد، والحديث «الإسرائيلي» اليوم عن أي مفاوضات يتناول كتلاً استيطانية ولا يتحدث عن دولة فلسطينية، وضمن هذه المناورات الحديث عن تقسيم الحرم الزماني والمكاني» ضمن مشروع المنظمات الصهيونية والدينية.

وأشار رجا إلى صمود الشعب الفلسطيني في وجه ما يحرم منه كأبسط الحقوق بعد اتفاق أوسلو، فهو يحصل على أقل نسبة مياه في العالم وحتى تقسيم المناطق إلى « أـ ب ـ ج « أمنياً وإدارياً يحرم السلطة من أي تأثير على القدس، عدا عن مصادرة الأراضي والمنازل، فالواقع ضمن الضفة الغربية رهيب والمناطق التي يعتبرها الاحتلال «دينية» تجد أن الوضع الفلسطيني فيها كارثياً لذلك يجب دعم الصمود الفلسطيني في القدس لإفشال محاولة إفراغها من اهلها عبر العامل الديمغرافي «الإسرائيلي « التوسعي، وانتقد شراء بعض رؤوس النظام الرسمي العربي أراض في القدس بأموال لغايات غير بريئة.

صراع مستمر

واكد رجا أن الصراع العربي «الإسرائيلي» لم يتوقف لحظة وهو ليس شعاراً بل واقع ودور تلعبه سورية وقوى عربية أخرى وإسلامية بعكس ما صورته بعض الأنظمة العربية بعد عام 67 من مفاهيم «النأي بالنفس»، رغم أن الميثاق الفلسطيني الواضح الذي دعم سواعد المقاومة الفلسطينية مع انطلاق الثورة الفلسطينية في عام 1965لاعتماد المقاومة العسكرية التي توزعت بين الضفة وباقي المناطق.

وكرر رجا «أن اتفاق اوسلو كان كارثيا على الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً، ورغم كل ما قدم من تنازلات وعلى رأسها قضية حق العودة يرفضه الاحتلال، فالمفاوضات على مدى 15 عاماً أوصلت إلى كارثة انسانية والحركة الفلسطينية في الضفة والقدس تشهد تضييقاً يومياً من الاحتلال والسلطة.

وأكد رجا «أن الاحتلال لا يكترث للقرارات الدولية ما دامت الولايات المتحدة الداعم الرئيس له ويجب أن لا تغرينا خلافاته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لم يستطع فرض ما طرحه في خطابيه في اسطنبول وجامعة القاهرة على الاحتلال وهو الذي جاء بأجندة كبيرة لقيام دولة فلسطينية»، مشيراً إلى أن «الدولة الفلسطينية لا تتحقق الا بالكفاح المسلح».

وعن نشاط الجماعات العنصرية التي تنشط في الداخل العبري، يرى رجا «أن قصة الدولة العلمانية التي حاول الاحتلال إظهارها عبر بعض الحكومات هي في خيال بعض الإسرائيليين فالمجتمع الصهيوني مجتمع متطرف بكل حكوماته، فـ»ليكود» يخطط و«العمل» ينفذ في كثير من الحروب التي تم شنها، وبالنظر إلى الخارطة السياسية الإسرائيلية يجب عدم التفريق بين أي حكومة، والأحزاب الموجودة اليوم هي أحزاب صهيونية بامتياز وتريد بقاء النقاء الصهيوني، ولذلك الحديث عن «نفتالي بينيت» الذي لا يقل صهيونية عن غيره. أما المنظمات اليهودية المتدينة فهي براغماتية تريد المال فقط ومتماهية بشكل كامل مع المشروع الصهيوني».

داعش في غزة

وأكد رجا أن الفكر المتطرف الذي ينتمي اليه تنظيم «داعش» الإرهابي موجود في غزة وفي غيرها من المناطق والدليل ظهور التنظيم داخل القطاع، متسائلاً :»لماذا لم يتم الانتباه لتلك المجموعات ولماذا تركت؟». وأضاف: «وجود فكر داعش المتطرف في قطاع غزة يخدم إسرائيل ووجوده لمصلحتها لتقول إنها محاطة بأفكار متطرفة ورغم رفض فكر هذه المجموعات فلسطينياً، إلا أنها إذا تمدّدت تحدث تأثيراً كبيراً على المشهد الفلسطيني وستكون أثاره كارثية، فالساحة الرئيسية للحرب باتجاه الكيان الصهيوني وعلى الدول التي دعمت الحرب على قوى المقاومة».

استهداف اليرموك خطة «إسرائيلية»

وفي السياق اعتبر رجا «أن مشروع تهجير الفلسطينيين من المخيمات في سورية متصل منذ عام 1948، فليس غريباً استهداف المخيمات الفلسطينية في سورية لأنها خزان العودة، فالشعب الفلسطيني عاش مكرماً في سورية وكذلك المقاومة الفلسطينية انطلقت من مخيم اليرموك الذي يحاول الفكر التكفيري محوه وتدميره ويضيف محاولات التهجير وجدت قبل وجود داعش عبر المجموعات التي حاولت ضرب صمود المخيمات الفلسطينية قبل عامين وهو أمر لا يمكن ربطة إلاً بالمشروع الصهيوني، بدليل التباكي الصهيوني في وسائل الإعلام على مخيم اليرموك فالدخول المتطرف بالتواطوء مع جبهة النصرة وفصائل خرى في المخيم خدمة لكل من يريد ضرب حق العودة».

ويؤكد رجا أن «سورية التي تقاتل عن كل العرب وهي التي انتصرت لفلسطين في عام 1973 ودعمت المقاومة الفلسطينة عام 1982، والجيش العربي السوري هو الوحيد الذي قاتل في بيروت في ظل أنظمة عربية كانت تقف موقف المتفرج، في حين وقفت الدولة السورية بجيشها وقائدها إلى جانب المقاومات في لبنان». وختم: «في القمة العربية عام 2002 عند طرحت المبادرة العربية التي كان أحد بنودها ضرب حق العودة وقفت سورية ولبنان ضدها».

يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً

ويعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردّد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى