سوا نحو الحياة… سوا نحو المستقبل

د. فيصل المقداد

نائب وزير الخارجية السورية

سيدخل يوم 28 أيار الذي جرت فيه انتخابات الرئاسة السورية في سفارات القطر تاريخ سورية الحديث. وسيدخل يوم 3 حزيران التي ستُجرى فيه الانتخابات الرئاسية على أرض الوطن تاريخ سورية الحديث أيضاً. وسيحتفل السوريون لأجيال قادمة بكلّ فخر واعتزاز بالمناسبة التي يمثلها هذان اليومان.

في تاريخ 28 أيار حطم أبناء سورية في دول العالم القيود التي حاولت الدعاية الغربية تكبيلهم بها، وقالوا للعالم وللإرهابيين ومن يدعمهم إنّ ولاءهم وحبّهم الأول والأخير هو لوطنهم سورية. لقد ذهبوا إلى صناديق الانتخابات في سفارات وطنهم لينتخبوا رئيسهم المقبل، غير آبهين بملايين أطنان الدعاية المضادة. والأكثر من ذلك أنهم ذهبوا إلى سفاراتهم ليؤكدوا أنهم مع وطنهم بكلّ ما فيه من مليارات أطنان المحبة من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه. هم مع نظام وطنهم السياسي ظالماً كان أو مظلوماً.

شدّد هؤلاء السوريون في زحفهم إلى سفاراتهم أنهم مع كلّ ذرة رمل من صحراء سورية ومع كلّ ذرة من ترابها، مع هضابها وساحلها وجبالها وسفوحها، ووديانها وسهولها. لقد طفح الكيل بالسوريين ضدّ كلّ من يتآمر عليهم. إنّهم باختصار مع الوطن… مع سورية. كانوا سوريين بامتياز، والسوريون بامتياز هم عرب بامتياز ومكوّن أساسي من الحضارة الإنسانية بامتياز. رسالة السوريين التي وصفها من رأى حشودهم بالتسونامي البشري أمام سفاراتهم، بما في ذلك في بيروت على نحو أساسي، هي أننا لم نخرج من وطننا لأننا نكرهه، بل لأنّ الهجمة الإرهابية التكفيرية فرضت علينا ذلك. إذا اعتقد البعض ممن دعا السوريين إلى الخروج من أرضهم إلى مخيمات اللجوء أنه قد حوّل هؤلاء إلى أعداء لبلدهم فهو غبي أو أكثر من ذلك، بما في ذلك أحمد داوود أوغلو وقيادات معروفة في لبنان وفي الأردن، فهؤلاء تلقوا الصفعة على وجوههم وفي عقولهم المريضة.

أعتز بانتمائي إلى وطني… وبانتمائي إلى أبناء وطني، والوطن وأبناء الوطن على حق دائماً. هم الحاضر وهم المستقبل.

اعتاد السوريون أن يفاجئوا العالم بإبداعهم ومبدئيتهم، لكنهم بتاريخ 28 أيار 2014 فاجأوا الجميع بالتزامهم المطلق بوطنهم وولائهم له. فقد سقطت خلال لحظات مليارات الدولارات التي سخّرتها أوروبا الغربية وأدواتها في المنطقة لتشويه سمعة سورية، وسقطت معها المؤامرة التي حاكت خيوطها منذ عدة سنوات جميع دوائر الاستخبارات الغربية والخليجية وغيرها لقهر إرادة السوريين وتنصيب من سيحكم سورية، خلافاً لإرادة السوريين.

كان السوريون على يقين بتآمر البعض، عرباً وغير عرب، لذبح سورية، وكنا نقول لأهلنا في أنحاء سورية كافة ولأشقائنا العرب، إنّ «إسرائيل» تقف خلف سفك دماء السوريين لأنها لا تريد لسورية بشكل خاص أو لعربي أن يقول لا لاحتلالها لأرض العرب. ها هم قادة «إسرائيل» الآن يعلنون بصلف تام يومياً، وعلى مسامع من يتخذ من الدين الإسلامي مبرّراً لوجوده في السلطة، أنّ أولئك الذين يطلقون على تنظيماتهم الإرهابية أسماء إسلامية، أنهم أي «الإسرائيليون» لن يسمحوا بإعادة تقسيم القدس لأنهم يريدونها كلّها لهم، ويضيفون إلى ذلك تأكيداتهم المستمرة حول «يهودية الدولة» وهم أي العربان والإرهابيون لا ينبسون ببنت شفة حول ذلك، أما أسيادهم من الصهاينة أو عملاء الصهاينة وأدواتهم، فإنهم يصبّون بدلاً من ذلك جامّ غضبهم على رأس السوريين ومؤسساتهم وتاريخهم وحضارتهم، صواريخ وقذائف صنعت في «إسرائيل» أو استوردتها العائلة السعودية لهم من تجار السلاح وتجار الدماء لقتل السوريين.

وجّه السوريون صفعة إلى كلّ من تذاكى عليهم واعتقد أنه قادر على التلاعب بمواقفهم ومشاعرهم، خاصةً عندما يقتلهم ويسير في جنازات أبنائهم! كيف يمكن لفرنسا، الطرف الذي استعمر سورية بقوة الحديد والنار، أن يدّعي حرصه على شعب سورية، واحترامه لقيم شعبها، وأن يصدّق البعض ذلك؟ كيف لفرنسا التي فقدت حكومتها الحالية الشرعية إذ لم يصوّت لمصلحتها في الانتخابات الأخيرة سوى 18 أن تدّعي أنها المؤتمن على احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ومبادئ الحرية والكرامة والأخوة التي بشرت بها الثورة الفرنسية، وبعد ذلك تمنع السوريين في فرنسا من المشاركة في الانتخابات بذرائع لا تظهر إلاّ الصبيانية والمراهقة في صناعة الموقف السياسي الفرنسي؟ حقيقة الموقف الفرنسي وغيره كانت محقونة بالكراهية والحقد على الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات الشفافة وعلى السوريين، قبل أي أولوية أخرى.

وضع الغرب وأميركا، وكثر يعرفون ذلك، منذ التسعينات من القرن الماضي خططاً تتعلق بضرورة تغيير أنظمة العالم إلى الصورة التي ينظرون فيها إلى العالم بحيث يصبح قادة الدول الأخرى وشعوبها عملاء لهم وأدوات لتنفيذ إرادتهم ويصبح القرن الحادي والعشرين قرناً لهيمنتهم وسيطرتهم، وهؤلاء يمثلهم بصورة سافرة من أطلق عليهم «المحافظون الجدد». جاؤوا إلينا ووضعوا شروطهم المعروفة للسير في ركابهم… إلاَّ أنّ سورية قيادةً وشعباً رفضت الشروط وتمسّكت بسيادتها وبكرامة شعبها لأنّ إرادة الشعب السوري الحرة هي التي تحدّد مستقبل سورية.

عندما أرادوا فرض الاستسلام علينا لأنهم لم ينجحوا في فرض التسليم «طار صوابهم» فدعموا الإرهاب، وسلّحوا القتلة، واشتروا الضمائر، وجنّدوا ألوف التكفيريين للوصول إلى غاياتهم، بما في ذلك حرق سورية كي تكون مثالاً يرعب كلّ من يخالف التعليمات، ببساطة. لذلك دعموا الإرهاب، ولذلك لم يتركوا أسلوباً للخداع والتضليل وانتهاك المبادئ ومخالفة القوانين الإلهية والوضعية إلاّ اتبعوه بعدما أفلسوا في الوصول إلى ما أرادوا من خلال الإعلام الرخيص… المضلّل والغرف المغلقة والمبعوثين الذين لا وجوه لهم!

في ألمانيا وفي فرنسا وبلجيكا وبلغاريا، اتخذت حكومات هذه الدول قرارات لا سابق لها في انتهاك حقوق الإنسان من خلال منع السوريين من ممارسة حقهم الإنساني في حرية التعبير والمشاركة الحرّة في انتخاب رئيسهم، وهذا الحق يضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وانضمّت الإمارات العربية المتحدة إلى حملة غربية ظالمة أدت إلى حرمان ما يزيد على ثلاثين ألفاً من المواطنين السوريين في الإمارات من ممارسة حقهم في انتخاب مرشحهم لمنصب الرئيس. دعنا لا ندخل في دحض الحجج الساقطة التي ساقتها هذه الدول تبريراً لحماقتها، وخاصةً تذرّعها بالأوضاع التي تمر بها سورية، لأننا سنقول إنّ هذه الأوضاع تحديداً هي التي دفعت إلى إجراء الانتخابات تفادياً لتفتيت سورية وعدم إحداث أيّ فراغ قيادي فيها. وإذا كان هؤلاء يتحدثون عن بيان جنيف، وتفسيرهم له، فإننا نقول إنّ تفسير الأصدقاء الروس والصينيين الذين ساهموا في كتابة كلّ حرف من بيان جنيف، لا يقبل بهذا الفهم، وكلا البلدين يدعم هذه الانتخابات. أما إذا كان الغربيون وعملاؤهم يعتقدون أنهم صمّموا بيان جنيف للانقضاض على سورية وقيادتها، فإنّ ما أفقدهم صوابهم يوم أمس هو أنّ شعب سورية خرج بمئات الآلاف ليس في شوارع حمص وحلب ودمشق فحسب، بل في شوارع المدن الأوروبية والأميركية اللاتينية وآسيا وإفريقيا وبيروت والدول العربية الأخرى، كي يقول إنه مع وطنه ومع قيادته التي احترمت إرادته ودافعت عن كرامته. ولم يوجّه شعبنا العظيم بذلك صفعة للدجالين والمشعوذين وتجار الديمقراطية في أوروبا الغربية فحسب، بل إلى أدواتهم في بعض الدول العربية الذين «تمنوا العمى» على أن يروا مئات ألوف السوريين يتدافعون إلى صناديق الانتخاب لقول كلمتهم وائتمان بطاقتهم الانتخابية وصندوق الانتخاب على قرارهم بالحفاظ على مبادئهم واستقلال بلدهم والحفاظ على وحدة أرضه وشعبه.

لا تنسينا فرحة الانتصار من التوجه إلى العرب الأحرار بكلمة تقدير صادقة لهم، خاصةً أنهم وقفوا مع السوريين وهم يمارسون حقهم الدستوري الديمقراطي، وأحاطوهم بالمحبة والحماية، ونثروا عليهم الزهور وهم في طريقهم إلى الانتخابات، بل ودفعوا للكثير من السوريين ثمن تذاكر السفر بالطائرة إلى سورية لممارسة حقهم على أرض الوطن سورية، وذهبوا للتصويت في صناديق رمزية دعماً منهم لسورية. وإذا كان المنافقون في بعض الدول الغربية يحترمون إرادة الشعوب، ونحن نشك في ذلك، فإنّ إرادة السوريين في بلدان الاغتراب تمّ التعبير عنها بكلّ حرية في صناديق الانتخاب… وإذا كان هؤلاء يحترمون صناديق الانتخاب كأسلوب اتبعوه لاستطلاع قرار الشعب في من يثقون به لقيادة البلاد، فقد عبّر السوريون عن ذلك بكفاءة تامة أمام أجهزة استخبارات هذه الدول… وكاميرات تلفزيوناتهم… وسمعوا أصواتهم في الميكروفونات. قد يستمرّ المرتزقة من أدوات الاستعمار التي تعرّت أمام أنظار السوريين، بالتشكيك في ما حدث، لأنّ أسيادهم لقّنوهم ذلك، فليحتفظ الغربيون بهؤلاء في متاحفهم، فقد يحتاج السوريون مستقبلاً إلى التعرّف أكثر إلى من خان وطنهم، وقَبِلَ بيع الوطن وتدميره في سوق النخاسة!

أما في الثالث من حزيران، فإنني أنبّه هؤلاء، حفاظاً على سلامتهم الصحية، ألاّ يفاجأوا بخروج ملايين السوريين، جميع السوريين، في مدن سورية ومناطق سورية ونواحي سورية وقرى سورية، كي يتابعوا صنع التاريخ في دمشق ودرعا والسويداء وحلب واللاذقية وإدلب والقنيطرة وباقي المدن السورية. اكتشفنا أخيراً لماذا لا يريد أعداء سورية الانتخابات في هذا البلد! اكتشفنا أنهم لا يريدون للعالم أن يرى شعب سورية يخرج بالملايين ليفضح كذبتهم التي روّجوا لها طوال سنوات بالتزوير، ودائماً بالإرهاب والقتل. لا يريدون للشعب العربي والمسلمين أن يعرفوا أنّ ما يحصل في سورية هو إرهاب وقتل للعروبة والإسلام لمصلحة «إسرائيل»، لا يريدون أن ترى شعوب أوروبا أنّ أنظمتها التي تدعي الديمقراطية تقتل الديمقراطية وتمنع الانتخابات وتدعم الإرهابيين وتجار السلاح وأنظمة القرون الوسطى في الانقضاض على الشعب السوري وتجربته الديمقراطية لتفتيت وحدة أرضه.

لقد أسقطتم أيها السوريون العظماء هذا العدوان الذي لا سابقة له في تاريخ العالم. أسقطتم يا أحفاد العظماء والحضارات إمبراطوريات الظلام والتخلف والاستبداد والتضليل، وفتحتم نوافذ النور لتدخل منها أشعة الشمس والأمل لتضيء الحاضر والمستقبل لنا وللبشرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى