لبنان ما زال على منظار التصويب

بلال شرارة

أسبوع شرق أوسطيّ حاسم شهدته نيويورك هذا الأسبوع عبر الاجتماعات والكلمات التي أُلقيت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأبرز تلك اللقاءات لقاء الرئيسين أوباما وبوتين، ومن أبرز الكلمات كانت كلمة الشيخ روحاني رئيس جمهورية إيران، والتي تأتي ككلمة موجهة إلى الرأي العام الدولي في أعقاب توقيع اتفاقية 5+1 بتاريخ 14/8/2015 في ذلك اليوم الذي اعتبر تاريخياً في تتويج الجهد الدبلوماسي الذي استغرق اجتماعات واتصالات لا تعدّ ولا تحصى، و24 من اللقاءات في جنيف وفيينا ومسقط واسطنبول ولا ندري أين؟

المهم أنّ مطلع هذا الأسبوع نهار الاثنين الثامن والعشرين من أيلول هو اليوم التاريخي الذي شهد ضمناً ترسيم صورة مشهد الشرق الأوسط الجديد، خلال اللقاءات الثنائية التي سبقها والتي ستليها من دون شك اجتماعات للأحلاف والدول الصناعية ودول بريكس ومعاهدة شنغهاي و… ما هو مطروح على الطاولة وبشكل أساسي:

مستقبل سورية والحرب ضدّ الإرهاب في سورية والعراق داعش بشكل أساسي ، والمحادثات بين الأطراف اليمنية، وتسهيل خطة الأمم المتحدة المتصلة بليبيا، والوقائع في مالي ونيجيريا و….

أين لبنان من كلّ ما يجري؟

هل يتقدّم العنوان اللبناني أم أنه مركون جانباً؟

هل هو في أساس المباحثات أم أنه على هامشها؟

برأيي المتواضع أنّ الإنجاز الأميركي في عهد أوباما هو: الاتفاق بين إيران ودول 5+1، ومن ثم المصالحة التاريخية بين واشنطن وكوبا وتطبيع العلاقات الأميركية الفيتنامية، ويبقى هدف أخير لإدارة أوباما: حلّ الدولتين المتعلق بالصراع العربي ـــــ «الإسرائيلي».

أما الإنجازات الروسية فكثيرة وآخرها هزّة البدن المتصلة بسورية والحرب ضدّ «داعش».

الآن يتقدّم أميركياً عنوان حلّ الدولتين، أما روسياً وعراقياً وسورياً وإيرانياً فتتقدّم الحرب على الإرهاب، وبالنسبة إلى العنوان الأميركي فإنّ هذا العنوان ينتظر الرشوة الأميركية التي ستقدّم لـ»إسرائيل» والاستجابة إلى مطالب حركة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو يرافقه رئيس أركانه ومدير استخباراته وهي الحركة التي وقعت وستقع بين موسكو وواشنطن لتحديد المجالات الجوية والبرية والبحرية للحركة «الإسرائيلية» المقبلة على مسار الجبهة الشمالية وغزة وحدود «الأمن الإسرائيلي» تجاه الحلّ الأميركي لمشروع الدولتين . وهذا الأمر ربما يستدعي أن نتذكر مشروع ميتشل المبعوث الأميركي في الشرق الأوسط، أو أن ننتبه إلى أنّ حلّ الدولتين المقصود به هو دولة غزة والسلطة في الضفة.

لبنان في ما تقدّم يقع على منظار التصويب «الإسرائيلي» عبر الجبهة الجنوبية للبنان وطريق الشام وصولاً إلى السلسلة الشرقية التي يقيم عليها حزب الله، وهو الأمر الذي لا تريد «إسرائيل» معه أن يقيم حزب الله مواقع أرضية صاروخية بعيدة المدى.

هذا في البعد «الإسرائيلي»، أما في البعد اللبناني والعربي والإقليمي فإنّ الرهان يستمرّ على الحوار الوطني الجاري في مجلس النواب برعاية رئيسه دولة الأستاذ نبيه بري وأركان القوى البرلمانية. وهو الحوار الذي يؤمل منه ضمان استمرار الدولة وأدوارها بانتظار تفاهمات أميركية – روسية وسعودية إيرانية وأدوار مصرية مقبلة، وإشارات أميركية للأدوار الأوروبية على صيغة الحلول اللبنانية.

ولكن لا يبدو أنّ شيئاً يجري بسرعة خلال الأسابيع، وربما الأشهر المقبلة أو حتى السنة المقبلة، تحمل بشرى سعيدة بإنجاز تفاهمات أو اتفاقيات، والحلّ سيبقى استنهاض الغرائز وتحوّل لبنان من حالة التوتر إلى حالة القلق.

ربما ستُعلَّق حلول على مسمار حكومة وحدة وطنية في سورية سرعان ما تنفجّر وتتشظّى لأنّ الحمل بنيّة والجمل بنيّة والجمال بنيّة ولا يمكن ردم هوة الدم والسلاح والمسلحين والمال الذي يعبر الحدود، إضافة إلى التربّص الإقليمي بمصير سورية، فلا تركيا أردوغان ستقبل بالأمر الواقع، وإذا قبلت فعلى مضض، وهي ستبقى تقوم بأدوار أمنية تركية غير ملموسة، ولا «إسرائيل» نتنياهو كذلك ستقبل. ولا الآخرون سيقبلون تهميشهم في أيّ حلّ سوري. وإيران ستبقى موجودة في أيّ حلّ سوري لأنها أساساً موجودة على الأرض بقوة، وهذا يعني أنّ لقاء أوباما – بوتين يفتح الباب لمشاركة عربية سعودية مصرية وإقليمية إيرانية – تركية .

في الحقيقة سورية تتشظّى اليوم دولياً عبر أبنائها الذين ينتشرون على مساحة الغرب الأوروبي، وهذا الأمر لا يعني ولا يمكن أن يعني أنّ سورية تتلاشى، بل إنها الأكثر حضوراً في الحياة الدولية في الألفية الثالثة، وإن من سورية يبدأ إنهاء خطر الإرهاب الدولي.

لبنان في واقع الأمر متأخّر في الصف، ولن يلتفت إليه لا مديرُ مدرسة المشاغبين الدولية ولا الناظرُ ولا الهيئةُ الدولية التي تعتقد أنها سلطة القرار، وهو في واقعه الراهن شهد ويشهد حوارات وتوترات وأحداثاً تتعلق بأزمة نفايات اليوم… وغداً؟ وهو لن يدخل انتخابات برلمانية فمَن تُراه يوافق على مبدأ انتخابات وعلى أساس أيّ قانون ومَن يقبل بالنسبية أو الأكثرية أو المناصفة بين الأمرين؟ وهل سيبقى الشغور الرئاسي معلّقاً على هذا النحو؟ ثم أيّ لبنان نريد؟

مَن تُراه يقدّم الإجابات؟

وهل يقدّم الحوار الوطني إجابة؟ تفاهماً؟ تسوية؟ وهل يُشرّع الحوار: ائتلافاً أو اختلافاً وطنياً؟ فيدرالية طوائف؟ عاصمة مفتوحة؟

وماذا سيفعل الشارع؟ مَن يخبّئ أرنباً في طاقيته أو حمامة في شاله؟ لننتظر الإجابات:

ربما: الصبر مفتاح الفرج. وما لنا واللهِ غير الصبر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى