فخامة العماد ميشال عون «مبروك»… ولكن!

ناصر قنديل

– مَن يستمع للنائب سليمان فرنجية وهو يقول إنه لا يشكك في صدقية العماد ميشال عون مع المقاومة، وإنه يعتبر وصول العماد عون للرئاسة نصراً للفريق السياسي الذي ينتمي إليه، ومَن يسمع توجّهه الودّي للرئيس سعد الحريري، ما دمت ستسير بالعماد عون يا حبّذا لو فعلتها قبل سنتين ونصف، خدمة للاعتبارات الوطنية ذاتها، وجنّبتنا كلّ النتائج الوطنية والسياسية التي رافقت الفراغ، بما فيها هذا التفتت السياسي وخلط الأوراق، وتساؤله عن متاعب العهد الجديد في ظلّ الانقسامات الراهنة بدلاً من أن تكون الطريق معبّدة بوفاق جامع، إضافة لمخاطبته الوجدانية لكلّ من السيد حسن نصرالله، والرئيس نبيه بري، والحلفاء الذين يسبّب لهم الانقسام الراهن حرجاً كبيراً، ومن يَعرف أنّ المتحدث هو مَن كانت تبدو رياح الرئاسة قد رست عليه، وصارت اليوم للعماد عون، يعرف أنّ القامة قامة رجل دولة والخامة خامة وطن في رجل لا تهزّه العواتي، ولا يخشى عليه وعلى البلد مما هو آت، خصوصاً أنه يكرّر أنّ الثوابت تبقى هي الثوابت.

– اللغة التي يتشفّع فيها فرنجية لموافقة العماد عون في ما يوصف بتفاهماته مع الرئيس الحريري، لا تشبه أبداً لغة الطعن والتشكيك التي قادها رموز ومسؤولون في التيار الوطني الحر باتهامهم فرنجية بصفقة ثنائية من وراء ظهر الحلفاء، ويومها خرج سيد المقاومة السيد حسن نصرالله يقول إنّ كلّ ما تمّ في مفاوضات فرنجية والحريري كانت تُعرض بالتفاصيل لدى قيادة المقاومة، فيما وصف السيد نصرالله ما قال إنها معلومات تثير قلقاً يحتاج لتوضيحات، تتصل بما دار من كلام عن تفاهمات بين السيد نادر الحريري والوزير جبران باسيل، فكلام فرنجية مترفّع عندما قال إنّ التفاهم على قبول تسلّم الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة طبيعي، وقد سبق أن تمّ التفاهم عليه بينه وبين الحريري، بمعرفة وموافقة حزب الله، وعن تحييد لبنان عما يجري في سورية، أوضح فرنجية أنّ مغزاها مختلف عن النأي بالنفس، لجهة تحييد لبنان عن نتائج الانقسامات والتداعيات المترتبة على الحرب في سورية، وعدم جعل لبنان رهينة لهذه الانقسامات والتداعيات. هذه التوضيحات دفاعاً عن تفاهمات عون الحريري التي يقدّمها فرنجية وهو غير مضطر لذلك أبداً، بل وفق منطق السياسة اللبنانية هذه فرصته للصيد والقنص والغمز واللمز، ورغم مرارة الموقع والموقف يترفع.

– باعتبار الموقف الذي يتخذه النائب فرنجية، مفصلاً في مواقف الحلفاء، لأنه صاحب الحق بالموقف الأعلى سقفاً، وباعتبار موقف الرئيس نبيه بري وموقف النائب وليد جنبلاط يأخذان بالاعتبار مواقف فرنجية. وباعتبار الجلسة الانتخابية ونتائجها، صارت خارج النقاش عملياً، وكذلك طبيعة التصويت، ومثلها هوية الرئيس العتيد، بعدما صار محسوماً، أنّ فخامة العماد ميشال عون سيصل إلى قصر بعبدا، بقوة مضمون ما قاله السيد حسن نصرالله، والجهد الذي وظّفه والنصر الذي سيّله، لحساب الوفاء بالوعد الصادق الثاني، لنصر تموز الثاني، تصير مسؤولية العماد ميشال عون تجاه الديون التي وضعها السيد نصرالله وحزب الله في رصيده كبيرة وعالية، لكن محورها كيف سيتعامل العماد عون مع النائب فرنجية؟

– تصرّف العماد عون نحو سليمان فرنجية يشكل جواباً على الهواجس التي يثيرها الحديث عن تفاهم على ثنائية حصرية للقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر للحقائب المسيحية، كما يشكل جواباً على قانون الانتخابات، والمسار الانتخابي النيابي، ومفتاحاً أولياً لطمأنة الرئيس نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط تجاه الثنائيات والثلاثيات، وذلك عبر الجواب على السؤال عن الحقيبة السيادية الرئيسية التي ستنالها طائفة الرئيس والتي يرجّح أنها وزارة الداخلية، ولمن ستكون، للتيار الوطني الحر أم للقوات اللبنانية، أم لسليمان فرنجية؟ هذا الذي سيقرّر الجواب على مستوى الشراكة التي سيتمكّن العهد من توفيرها لضمان الإقلاع والنجاح، ومثل ذلك سيكون الجواب الذي يملك الحريري تقديمه تعويضاً عن العبثية التي تعامل عبرها مع ترشيح فرنجية والانسحاب منه، وبالتالي الإشارة التي يبني عليها الرئيس بري تقييمه لإمكانية البحث والحوار بالتعاون مع العهد والمشاركة في الحكومة. وهو يثق أن لا حكومة من دونه، وأن لا تمثيل وزارياً للطائفة التي يتقاسم تمثيلها هو وحزب الله من دون التوافق معه، حيث الأمر مختلف عن التفهّم والتفاهم في توزع الأصوات في الانتخابات الرئاسية وتحمّل تداعياته لأيام.

– فخامة العماد عون مبروك نجاحك، لكن المبروكة التي يستحقها الجنرال لثباته على مبادئ وخيارات يختصرها تفاهمه وإخلاصه لهذا التفاهم الذي وقعه مع السيد نصرالله قبل أكثر من عشر سنوات، هي أيضاً مبروكة لهذه الخيارات التي جلبت الآخرين إلى خياره الرئاسي بوفائها وإخلاصها وثباتها، ومن ضمن هذا الوفاء والإخلاص، عدم قبول الرئيس بري والنائب فرنجية بتخطي موقف حزب الله انتخابياً، عندما كان ذلك ممكناً، وحزب الله الذي أتمّ المهمة، وخرج بنصره ونصر حليفه، ووضع تحالفاته وخصوماته، جانباً ليضمن النصر لهذا الخيار وهذا الحليف، يستحق أن يردّ له الدين بردّ العافية والوفاء لهذه التحالفات، وترميم ما لحق بها من تصدّع، وكما الأخلاق جزء من السياسة في عُرف المقاومة وسلوكها، وهي من القيم التي يعتزّ بها العماد عون ومَن يحالفه بما يختزنه منها، تصير على المحك بعد النهاية السعيدة للانتخابات الرئاسية.

– المبروكة لفخامة العماد عون تصير كاملة يوم تستردّ صورة حلفاء المقاومة كاملة، ومتكاملة. ولنا الحق أن نأمل بالقيم التي جعلت العماد عون يقف أمام المغريات والتهديدات وقد تحرّر من عبء وضغوط المعركة الرئاسية، أن يكون فخامة العماد عون فرصة لبنان للخلاص، وأن تكون لعهده فرصة نجاح حقيقية، لأنّ وصفة النصر هي وصفة الشراكة ووصفة القيم والوفاء هي ذاتها، الشراكة. وللشراكة مفتاح هو النظر بعين التمسك بفرنجية حليفاً وشريكاً في العهد والحكومة، ولأنّ الرئيس بري هو البوصلة التي يتقرّر على موقعها مستقبل العهد، وما إذا كانت حكومته الأولى ستولد سريعاً، أم ستولد أصلاً، أم ستولد مبتورة، ولأنّ صورة هذه الحكومة ستقرّر مستقبل العهد، لكلّ ذلك من حقنا أن ننتظر مبادرة بحجم الفخامة… فزمن المناكفات انتهى والرئاسة حُسمت، فهل يمكن قيادة الدولة بموروثات معارك ما قبل الفوز بالرئاسة، وقبول تحوّل الدولة صندوق جوائز للذين ساندوا الترشيح ولائحة عقوبات للذين خالفوه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى