أخيرة

تعزيز لبننة لغة المقاومة

 د. قصي الحسين*

  حملت ظواهر الساحتين الجديدتين في لبنان اليوم، فضاءات مشتركة، حين غدت لغة الآخر، غير غريبة، بل على العكس، متبنّاة أيضاً. وبلورت شيئاً فشيئاً لغة خاصة، جديدة على اللبنانيين، خصوصاً بعدما تعمّد سماحة السيد، الظهور على الشاشة، والعلم اللبناني، بالأرزة الكبيرة عن يمينه، في إطلالته الأخيرة، التي كان يخاطب بها جمهور اللبنانيين في الساحتين، ومن وراءهم في الفناء الخلفي.

   وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، التي شكلت ميدانياً فضاء مكانياً للمقاومة الإسلامية، قبل بزوغ فجر الانتفاضة الوطنية اللبنانية التشرينية لعام 2019، برزت لغة شبابية مشتركة بين الساحتين، أدّت إلى انبثاق فضاءات إبداعيّةمهجّنةوجديدة، مما هومقاومةللاستكبار والأسرلة، ومما هومقاومةللاستغلال والقرصنة.

  تجلت هذه الظاهرة الخاصة، بـاللغة الحدوديةبين الساحتين، انطلاقاً من ضرورة اللقاء المستمرّ بين قيادات المقاومة الإسلامية، وبين القيادات الرسمية اللبنانية. ووصولاً إلىلغة توفيقيةتحفظ للأولى، إطاراً يصون لها قداسويتها، وتحفظ بالمماثل للثانية، إطاراً آخر، لكرامتها الوطنية اللبنانية.

  وأتاحت الساحتان بروز ازدواجية ثقافية، أثناء المناداة على المطالب والبوح بالهواجس.

 وأعتقد أنّ هذا ينطلق من حقيقة أساسية، هي أنّ لغة المقاومة الإسلامية، ليست إلا من تآليف لغات مقاومة سابقة، منها لغة المقاومة الوطنية اللبنانية.

  وليست هذه اللغات التاريخانية، مستوردة على الإطلاق. وإنما هي منبثقة من رحم أمّ واحدة. بل هي تعود في تاريخانيتها، إلى لغة أهلية قديمة جداً، ذات قرون من الانغراز والانغراس، في نفوس اللبنانيين وفي أرضهم جميعاً. إن في الجبل الشمالي، أو في الجبل الجنوبي، أو في الجبلين معاً. تماماً كما جبل بني عاملة والجنوب اللبناني. بل كما البقاع كله والقلاع كلها، داخلاً وساحلاً: من رأس طرابلس إلى رأس الناقورة. ومن تومات نيحا ومغر جزين، إلى راشيا وعنجر وبعلبك وعروبة وأكروم.

  إنّ استمرارية العلاقة الجدلية الموجودة اليوم بين الساحتين، ولقاء القيادات، وتدفقات المقاومين والمنتفضين اللبنانيين إلى الساحات، في كلا الاتجاهين، وتأثيرات منطقة الحماية الإقليمية والدولية عليها، تجعل تنويعات الخطابات، تتشابك في الحقول الدلالية المشتركة: إنْ على العدو المشترك الواحد، وهو العدو الإسرائيلي وحده لا غير. وإنْ على تأكيد نهائية الهوية الوطنية اللبنانية الواحدة، وعلى وحدة المطالب الشعبية. وعلى وحدة الهواجس، دون افتراء ودون افتئات، ودون تقليل أو تضئيل أو تضليل، أو حتى تخوين.

   في إطار وحدة الهواجس الصادقة في الساحتين، وانبثاق لغة واحدة، لا تُعتبر، بأيّ حال من الأحوال لغة مرفوضة، لمما يزيد في منسوب التقارب الشبابي، نفترض معه مسبقاً تأكيد الهوية الوطنية اللبنانية المعترف بها في التقاليد اللبنانية، خارج القيد الطائفي، والتي تترك علامات انتمائها سواء في الخطابات أو المخاطبات أو المكاتبات أو المشافهات، تماماً كما تترك بصماتها على الساحتين، في إطار وحدة الهاجس في الساحتين.

  تلك الصهارة التي لا حصر لها، من الهواجس والأحاسيس، والتي تتضمّن فضاءات مشتركة بين الساحتين. وقد تشكل مادة تربوية وطنية لبنانية بامتياز.

 إنها مادة أبدعتها الساحات الشبابية في كلّ لبنان، وخصوصاً لدى شباب الضواحي، الذين تأخذهم الساحات اليوم لتوسيع آفاقهم الوطنية اللبنانية، انطلاقاً من وحدة الهواجس والأحاسيس، التي بدأوا يعبّرون عنها بلغة مشتركة، لغة شباب لبنان اليوم الذي يلبنن المقاومة في إطار وطني متناغم للعمل، ولو بعناء أكيد، على منع انقسام الشباب اللبناني.

*أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى