أولى

«كارثة القرن»…
للخيانة والعار… والإنقاذ المتبادل!

د. جمال زهران _

مساء الثلاثاء 28 كانون الثاني/ يناير 2020، تمّ إعلان ما يسمّى بصفقة القرن، والتي تتضمّن مشروعاً أميركياً صهيونياً تحت مسمّى المشروع الأميركي للسلام من أجل الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية! وقد وصل الإعلان عن هذا المشروع التدميري للقضية الفلسطينية إلى أدقّ التفاصيل، بحيث تنتهي للأبد هذه القضية، ويتمّ التمكين النهائي لدولة الكيان الصهيوني المسماة بـ «إسرائيل». وقد أعلن ترامب أنّ هذه خطة للسلام في «الشرق الأوسط»، وأعلن أيضاً أنه فخور بهذه الخطة وانتسابها له. وقد أحضرالمترنّح مثله الـ «نتنياهو» – رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الفاشل في الانتخابات «الإسرائيلية» مرتين، ومؤكد الفشل للمرة الثالثة في أقلّ من عام، عند إجرائها في آذار/ مارس المقبل، لكي يتمّ الإعلان عن هذه الخطة العرجاء بعد اجتماع قصير، في مؤتمر صحافي، والتقاط الصور التذكارية وشرب الأنخاب، في صحة زوال العرب من الخريطة نهائياً. ويمكن تحليل ما حدث في ما يلي:

1 ـ بيئة الإعلان عن كارثة القرن: الواضح أنّ التوقيت مهمّ للإعلان عن الخطة المشبوهة، حيث إنّ عام 2020 هو عام الانتخابات في «إسرائيل» (آذار/ مارس)، وفي أميركا (تشرين الثاني/ نوفمبر)، والمؤكد فشل الـ «نتنياهو»، وترامب معاً وسقوطهما في الانتخابات. وبات الاثنان في حاجة لبعضهما البعض في التساند على حساب جثة القضية العربية الفلسطينية، بل في ظلّ وجود بعضهم رسمياً، بحضور سفراء ثلاث دول عربية (الإماراتعُمانالبحرين)، وبطبيعة الحال في الخلف السعودية ودول أخرى عربية.

واستند كلٌّ منهما على تحقيق إنجاز ظاهري، يؤكد ترامب من خلاله على قدرته على تحمّل مخاطرات تحقيق السلام في المنطقة، ويؤكد أيضاً على دعمه المطلق لـ «إسرائيل» بما يحقق له ضمان الإفلات من عقوبة العزل المنظورة أمام مجلس الشيوخ الآن، ومن ثم ضمان النجاح في الانتخابات الرئاسية، محاولاً إثبات أنه الرئيس الأقوى والأكثر دعماً بشكل واضح وفاجر، لربيبتة «إسرائيل» وهي الدولة اليهودية كما جاء وصفها في خطة السلام المزعومة.. وفي المقابل سعي ترامب الى الاستناد على نتنياهو بحضوره، لدعمه في الانتخابات باعتباره الشريك الأقوى في «إسرائيل» دون تغافل خصمه المعارض في الانتخابات الجارية في «إسرائيل». ومن ثم فقد تكون خطة السلام المشبوهة، هي محاولة إنقاذ متبادلة بين رئيسين أوشكا على الخروج من التاريخ في هذا العام 2020.

2 ـ الملاءمة الموضوعيّة والزمنيّة لإعلان «كارثة القرن»، من جانب واحد ظاهرياً:

حيث إنه من الواضح والظاهر أنّ ما يسمّى بـ «صفقة القرن»، هي إعلان من جانب واحد هو (أميركا/ إسرائيل)، مع التجاهل التامّ للطرف الفلسطيني والطرف العربي والأطراف الشرق أوسطية الفاعلة (إيرانتركيا) والأطراف الدولية (روسيا/ الصين/ أوروبا). ومن ثم فإنّ مثل هذا التجاهل قد يقود إلى الفشل الكامل من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى الموت عند الميلاد، ومن ثم لن تستخرج للمولود شهادة ميلاد حقيقية. ومن ثم فإنّ الذي سيعلن تأييده أو دعمه بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنه سينكشف أمام التاريخ وأمام الشعوب، وربما أدّى ذلك إلى الإطاحة بأنظمة وأشخاص يظهرون كأنهم أقوياء. بل إنّ الذين يمسكون العصا من المنتصف سيكونون في مربع الخاسرين أيضاً.

فقد استغلّ الطرفان (أميركا – “إسرائيل”)، الفرصة في ظلّ ضعف وتردّي للحالة العربية (ضعف الجامعة العربيةانشغالات القوى العربية الفاعلةتفجّر أزمات بلا توقف واستمرارها في ليبيااليمنسوريةلبنان)، فضلاً عن انشغال (سوداني/ جزائري)، بتطورات وتحديات التغيير فيها.

ومن ثم فإنّ أميركا وإسرائيلمعاً، سعيا إلى ما يمكن تسميته بـملء الفراغ”.

فأميركا في انحسار إقليمي في المنطقة وعالمي أيضاً، وأرادت من خلال طرح هذه الخطة بمشاركةإسرائيل، إلى التشبّت بالوجود، وتصدير التناقضات إلى المنطقة، لتزداد اشتعالاً وانشغالاً. وهو ما تريده أميركا أصلاً في إطار استراتيجيتها للتعامل مع المنطقة الرخوة، وهي: الشرق الأوسط.

3 ـ احتمالات النجاح والفشل: كما أشرت، فإنّ هذه الخطة المشبوهة، تتعرّض للترنح والفشل المؤكد منذ إعلانها، فقد ماتت بمجرد الإعلان عنها. فقد تمّت التضحية عربياً بثلاثة نظم (الإماراتعمانالبحرين)، على خلفية أنهم المقدّمة للغطاء العربي، ولم تجرؤ دولة عربية أخرى على الإعلان الرسمي عن الموافقة والقبول، والاكتفاء بما تمّت التضحية به. وتقف الدول العربية الكبرى الحليفة للولايات المتحدة في مقدّمتها (السعودية/ مصر)، في الخلف تراقب الموقف، بين الرفض والقبول تحت الضغط والحصار الأميركي، إلا أنّ جميع الأطراف الفلسطينية، وقوى الممانعة أعلنت الرفض الرسمي والمطلق لهذه الخطة، كما رفضتها القوى الحية في المجتمع العربي، وصدرت بيانات رسمية بذلك. كما أنّ القوى الإقليمية الفاعلة (إيرانتركيا) أعلنتا الرفض الكامل.

ومن ثم فإنّ احتمالات الفشل أصبحت مؤكدة، وسيدخل هذا المشروع المشبوه، مزبلة التاريخ. فكارثة القرن هي خارج مقرّرات الشرعية الدولية وخارج الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مهما استحضروا من خرائط وهميّة!

وختاماً: فإنّ المقاومة وفي مقدّمتها «المسلحة»، هي الحلّ لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة على كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وعاصمتها «القدس» الكاملة، ولا سبيل غير ذلك في مواجهة المشروعات المشبوهة مثل «كارثة القرن»، وليست صفقة القرن، كما يسوّقونها بيد العملاء والخونة.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى