الوطن

المقاطع المُصوَّرة والصُّور التي تحكي
همجية الاستعمار أمانةٌ للأجيال

} السيد سامي خضرا

كثيرةٌ هي الحقائق التاريخية والسياسية التي يتمُّ إخفاؤها بِنياتٍ سيئة غالباً أو لتهاون أو لجهل بأهميتها أو لِقلة الخبرة في التعامل معها أحيانا وعلى كلّ حال لها أهميتها وخطورتها ودورها في فهم تاريخنا وحياتنا والتخطيط لمستقبلنا.

لكن ونتيجةً لظروفٍ أو أحداث معينة تعود بعض هذه الحقائق وتطفو بقوة على السطح وتصبح ذا أهمية لنا.

وعندها تلعب دوراً في إظهار هويتنا وتكوين صورة حقيقية عن تاريخنا وثقافتنا واختيار قرارنا وربما تصبح واجهةً أساسيةً لحياتنا نتعامل معها كأنها أمرٌ جديد حَدَث قد ألمَّ بنا قبل ساعات!

ومثال ذلك القريب الموقف الحادّ للرئيس الفرنسي ومُجمل حكومته من بعض الأحداث الخطرة التي وقعت في فرنسا مؤخراً، فرأينا هذه الهجمة على الإسلام واتهامه بالإرهاب إفتراءً وعدواناً مما أوجبَ ردة فعلٍ طبيعية من قِبل المسلمين بكلّ مواقعهم وأماكن انتشارهم لأنهم شعروا أنهم يُعتدى عليهم في أسمى ما ينتسبون إليه.

ومباشرةً حضرت على ساحة وسائل التواصل حقائق عن فرنسا الاستعمارية وجرائمها والتي فَتَكت بنا ونَهبَت ثرواتنا واستعمرت بلادنا وقَسَّمت أوطاننا، وشُفِعَ ذلك بالعديد من المقاطع المُصورة والصُّور التي تحكي همجية ووحشية الفرنسيين في البلدان الإسلامية وهي حقائق غابت عنا رَدْحاً من الزمن وعن إعلامنا وأفلامنا ووسائل التواصل والكتب التاريخية والأدبية والمنابر والمسارح والفضائيات!

هذه الحقائق يجب أن تكون حاضرة لتعرف الأجيال كيف تتعامل مع الوقائع والأحداث ولتدرك حقيقة الحُكام والمسؤولين السياسيين والعسكريين الفرنسيين الذين عملوا فتكاً واستعماراً لبلاد العرب والمسلمين في أفريقيا وبلاد الشام والعديد من مناطق آسيا.

فتاريخنا بمُجمله أو بأكثريته مُحرَّف ومُشوَّه ومُخبأ:

فتارةً نبالغ في الاستعداء حتى مع مَنْ نشاطرهم المبادئ والهوية والتاريخ وتارةً نَغُض النظر عن أعداء حقيقيين!

ولكن في السياقات التاريخية لا ينفع وليس صحيحاً ولا من الأمانة التضخيم والمبالغة كما الإخفاء والتضليل.

فلا بدّ من قول الأمور كما هي:

فجريمة «سايكس بيكو» والتفريط بفلسطين والاعتداءات والحروب على الدول العربية وداخلها في 1956 و 1967 وغيرها تتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤوليته فرنسا الإستعمارية.

وما زلنا حتى اليوم نُعاني من ذلك.

بل ما زالت فرنسا الاستعلائية المُتكبرة تَتَدخل في كلّ صغيرة وكبيرة إنْ استطاعتْ كما هي حالنا في لبنان حيثُ رأينا ماكرون يَقفزُ مُتَأَبِّطاً إرثه الهمجي إلى الساحة اللبنانية ليواصل استعماره أو «انتدابه» كما يحب البعضُ أن يُسَمّيه!

وما زال في لبنان بعض مَن نقول عنهم إننا يشكلون معنا صيغةً وعيشاً من الرسميين والأقطاب ما زالوا يطربون ويحلمون بدورٍ فرنسي ما في لبنان بل ويُجاهرون بذلك وقاحةً وهم لا يجرؤون أن يُطالُبوا بفَكِ أَسْر مُعتقل لبناني أرادَ أن يدافع عن أمَّته ما زال مسجوناً في سجون فرنسا منذ 36 عاما!

ولم يزل بيننا مَن هم متخصصون بتحريك النعرات والعصبيات من أجل أن يُدافعُوا عن العدو متناسين المواقف الاستراتيجية والتاريخية.

لذا يجب أن يُعْلم أن الأزمات والحروب والتَوتُّرات التي نعيشها ما هي إلا نتيجة سياسة الإستعمار التي كانت مِثالاً للوحشية والتي يجتهد أصحابها اليوم ليعلموننا المواقف الإنسانية !

ويبقى ويا للأسف كثيرون من شعبنا لا يعرفون كيف يعيشون أو يُحافظون على هويةٍ ينتمون إليها، لذلك من الصعب جداً الحديث عن عيشٍ مشترك أو نهضة أو انتصار ونحن نعلم أن بين أظهرنا مَن يستورد ويُشَرِّع ويستمتع بقهرنا!

إنّ الوعي لتاريخ أعدائنا بالأمس القريب هو وعيٌ لحقيقة أعدائنا اليوم ليكون لنا ذاكرةً جماعيةً تَنطَلق من هَويةٍ مُوحَّدة هي هوية الأمة التي من دونها لن يحترمنا أحد ولن يُقيمَ لنا وزناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى