الوطن

برّي يضع النظام السياسيّ 
أمام خيارين لإنقاذ لبنان الكبير

} د. وفيق إبراهيم

رئيس المجلس النيابي نبيه بري أحد أعمدة النظام السياسي اللبناني، ما يجعله على دراية كبيرة بعمق الأزمة الوطنية التي تدكُ مفاصل البلاد.

ويعرف أيضاً ان هذا النظام السياسي الحالي مصاب بشكل بنيويّ في كامل أجهزته وسياساته بشكل أعلن فيه استسلامه مترقباً بذعر ركلة من الشعب تنهي أدواره. لكنها غير ممكنة حالياً لأن ادوات التعبير عن الجماعات مضروبة، فلا الداخل اللبناني جاهز ولا الإقليم المراقب يشجع على مثل هذه الضربات، والعامل الدولي يستثمر في ضياع النظام من جهة، والانهيار الاقتصادي لتحقيق مسائل تتعلق بأمن الكيان الاسرائيلي وسيطرته على آبار الغاز اللبنانية القريبة من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة من جهة ثانية.

هذه هي العناصر التي تدفع رئيس المجلس النيابي على إجراء قراءة دقيقة لأزمة النظام وذلك لمنع انفجار الدولة وتصديع الكيان على الطريقة التي عبّر عنها وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر الذي أكد أن لبنان خطأ تاريخي بالإمكان إعادة توزيعه لحل القضية الفلسطينية بما يُرضي الفلسطينيين في جزء من لبنان والسوريين بإلحاق البقاع والشمال بدولتهم.

هناك إذاً ثلاثة عناصر قرأها الرئيس بري بدراية وهي انهيار النظام السياسي وتخلخل الدولة واحتمال تصدع الكيان السياسي مدركاً أن الأزمة الاقتصادية اللبنانية هي خطيرة جداً ولا إمكان لمعالجتها إلا بتأمين الاستقرار السياسي ذي الطبيعة الوطنية، فالسياسة في لبنان هي التي تجذب الرساميل والمساعدات والقروض الدولية. المطلوب اذاً نظام سياسي جديد بديلاً من الحالي الذي ينتظر إعلان وفاته بشكل غير مأسوف عليه.

للتنبيه فقط، فإن رئيس المجلس النيابي الملمّ بعمق الأزمة الاقتصادية يدرك أنه جزء منها سياسياً واقتصادياً، لكنه يشكل المصدر الوحيد القادر على العثور على آلية متطورة لدرء تداعياتها على الدولة والكيان، لأنه الأقوى شعبياً بين رؤساء الدولة الثلاثة وليس له دور في السلطة التنفيذية التي تمسك بالاقتصاد والسياسة في لبنان بشكل كامل مقابل حق بالتشريع يتوزّع على نواب الطوائف اللبنانيّة بكاملها.

لذلك، فالذي يتحمل مسؤولية الانهيار السياسي والاقتصادي الذي اعتبر الغرب أنه وليد مرحلة 1990 -2018 هو الحكومات اللبنانية المتعاقبة برؤسائها ووزرائها ورؤساء الجمهورية المتعاقبون الذين يمتلكون سلطة التوقيع على تكليف رئيس الحكومة ومرسوم تشكيل الحكومات.

المطلوب اذاً وبرأي بري إعادة انتاج نظام سياسي جديد يلغي الأخطاء التكوينية التي لا تزال موجودة في النظام الحالي.

وهذا يتطلب إعادة بناء مجلس نيابي يقوم على موالاة ومعارضات هي اساس العمل الديموقراطي الذي تتحوّل فيه المعارضات مع وسائل الإعلام الخاصة بها وأحزابها والنقابات أدوات مراقبة على أداء الموالاة.

أي بعكس المعمول به عرفياً في الوقت الحالي والذي يدمج بين المعارضة والموالاة في تفاهمات عرفية تنتج التحاصص وهذا القدر الكبير من الفساد.

ضمن هذه القراءة يطرح الرئيس بري خيارين اثنين: الاول هو الحل الجذري الذي يستولد الدولة الوطنية، وهذا لا يكون الا بقانون انتخاب يستطيع الجمع بين الطوائف اللبنانية دافعاً بها نحو اندماج تدريجيّ قد لا تطول مدته عن دورتين انتخابيتين.

أما أهمية هذا المشروع الذي يطرح لبنان كدائرة انتخابية واحدة فتعود إلى إرغام الفئات اللبنانية على الاستعانة ببعضها بعضاً على مستوى المناطق والطوائف والمذاهب، وذلك على قاعدة المحافظة على المساواة بين عديد النواب المسيحيين والمسلمين ضمن توزيعاتهم في المحافظات والأقضية، بذلك تتجسد وحدة اللبنانيين وميلهم للاندماج مع المحافظة على الخصائص الجغرافية للانتشارات الطوائفية.

لجهة الخيار الثاني فيذهب الى انتاج نظام سياسي يعتمد المداورة الطائفية لكل المواقع الأساسية من رئاسات جمهورية ونيابية وحكومية ومواقع القيادة في الجيش والقضاء والجامعة والإدارة.

هذا يؤدي الى الشعور بالانتصاف الطائفي وذلك بتطوير إعلان الجنرال غورو 1920 لدولة لبنان الكبير مع البطريرك حويك والمفتي مصطفى نجا الى دولة لبنان الكبير من إنتاج الرئيس بري، وذلك بحقنه بإضافات من طوائف جديدة، اصبح لها تموضعها الداخلي والإقليمي في لبنان بما يعني تطويلاً لعمر لبنان الكبير بمدد طائفي يحسّن عيارات من الاداء الداخلي نحو عدالة مذهبية بوسعها إلغاء الكثير من التباينات في الداخل، اليس هذا واضحاً في رفض قائد القوات جعجع وقيادات التيار الوطني الحر والبطريرك الراعي لاقتراح بري بتحويل لبنان دائرة انتخابية واحدة؟

هذان هما اقتراحا الرئيس بري في زمن عاصف وقاحل، وباستطاعة أي خيار منهما ان يمنع الانهيار القاتل في لبنان.

لكن المشكلة موجودة في بعض قوى النظام السياسي التي لا تزال تراهن على الأدوار الفرنسية والاميركية والخليجية للإمساك بالسلطة، وهي بذلك تواصل رفضها العبثي للتغيرات التي تتواصل في الشرق الاوسط والمنطقة ولبنان ايضاً، فلعلهم يهتدون قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى