الوطن

شباط 1984 قاعدة الصمود لتحرير الجنوب عندما تحدّى الرئيس برّي المِدفع وانتصر…

} محمد هاني حميّة

لم يَكُن السادس من شُباط 1984 حدثاً عادياً وعابراً في تاريخ لبنان. بل كان نقطة مفصلية أحدثت تحوّلاً جذرياً في مسار الأحداث مُنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا. لا بل كتب تاريخاً جديداً للبنان ما بين السقوط في العصر الإسرائيلي وحليفه النظام السياسي آنذاك، وبين تحرير لبنان من الظلم والاحتلال.

فلِماذا كانت الإنتفاضة؟

لا يتّسِعُ المقال والمجال للعودة إلى الظروف والأسباب التي رافقت انتفاضة 6 شباط، رغم أنه من المفيد التذكير بتلك المرحلة لمجابهة كيّ الوعي وتشويه التاريخ التي تقَع ضحيته مجموعة من الجيل الجديد. فانتفاضة 6 شباط لم تكُن وليدة ساعتِها ولا مُجرد عمل عسكريّ بطوليّ لتحقيق أهداف سياسية سلطوية، بل استغرقت أشهراً من الإعداد والاستعداد على كافة الصعد السياسية والشعبية والأمنية والعسكرية من 2 أيلول 1983 حتى 6 شباط 1984، سبقته أعوام من الاعتداءات الإسرائيلية والممارسات الميليشياوية المتمثلة آنذاك بحكم بشير الجميل ومن بعده أمين والقوات اللبنانيةمترافقة مع مئات عمليات التفجير والقصف حصدت آلاف الشهداء والجرحى والمخطوفين وتدمير آلاف المنازل في مناطق في الضاحية وبيروت والجنوب.

أما السبب المباشر للانتفاضة فكان الاتفاق الذي أبرمه النظام اللبناني حينها مع العدو الإسرائيلي في 17 أيار 1983 والذي سبقه اجتياحإسرائيليعسكري وصل قلب العاصمة عام 1982 لفرض الاتفاق بقوة المدفع.

وتكفي الاستعارة ببعض ما ورد في أرشيفقيادة حركة أمللوصف المشهد الذي كان قائماً حينها للدلالة على أهمية الإنجاز والانتصار: “جبهة المعارضة كان أمامها البحر وعلى سطحها حاملتا الطائرات الأميركيّة والفرنسيةنيوجرسيوفوشوعلى الأرض عشرات آلاف من الجنود اللبنانيين والإسرائيليين والمتعددي الجنسيات إضافة إلى الحواجز الثابتة والمتنقلة للقوات اللبنانيّة وفصائلها ما شكل نوعاً من حصار مطبق على قوى المعارضة التي تحظى بدعم من سورية فقط”. ويُذّكر أن وزير الحرب الإسرائيلي أرييل شارون أعلن أنّلبنان سيكون الدولة الثانية التي توقع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد مصر”.

ارتبط اسم نبيه بري رئيس حركة أمل بذكرى 6 شباط. فهو كان قائد جبهة المعارضة الوطنية ضدّ نظامآل الجميّلوقواته اللبنانية ولعب الدور الأساس على الصعيدين العسكري والسياسي في إسقاط اتفاق الذلّ، وكان أول تحذير لرئيس الحركة في 22 كانون الثاني 1982 بأنأمل سترى نفسها مضطرة إلى النضال وحمل السلاح مرة أخرى لإيجاد شرعية عادلة إذا ما شعرت باستمرار التمييز الطائفي”.

فحركة أمل حملت عبئين جسيمين على عاتقها هما المقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي على مساحة الجنوب، ومجابهة السلطة الجائرة في آن واحد في الداخل. فرغم قيادته للجبهة في العاصمة وضواحيها، بقيت عينا بري شاخصة على جبهة الجنوب لدعم المقاومين والسؤال لحظة بلحظة عن الخسائر البشرية الناتجة عن العمليات النوعية التي نفذها مقاتلو الحركة، لما لها من تأثير على تحصين جبهة الضاحية وبيروت والجبل. وكان أول نداء لبري في 10 حزيران 1983 إلى مقاتلي الحركة دعاهم إلىحفر قبور الإسرائيليين وتدمير تجمّعاتهم وآلياتهم وإفساد خططهم العدوانية، مستنداً إلى شعار الإمام السيد موسى الصدر الشهير: “إسرائيل شرٌّ مطلق والتعامل معها حرام”.

وعندما تمادى جيش الاحتلال وميليشيا السلطة في عدوانهما على بيروت والضاحية، خرج الرئيس بري مهدّداً في آب الـ 1983 بأنّالحركة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء عمليات القصف وستلجأ إلى الردّ وفي كلّ مكان، إذ ليس ثمة حرمة لأية منطقة عند إمعان البعض في تقتيل شعب لبنان”. وأتبعه بمؤتمرٍ صحافي في 27 آب 1983 دعا فيه إلى الإضراب العام. ومع إعلان الجيش اللبناني آنذاك منع التجوّل في العاصمة، أعلن رئيس الحركة بياناً حاسماً وشديد اللهجة دلّ على أن الانتفاضة لم تعُد بعيدة وقال: “الحكم دخل الوفاق بدبابة ولن ندخله راجلين”.

وشكلت بداية شهر شباط الـ84 طلائع الانتصار عبر سلسلة عمليات نفذتها الحركة استرجعت مواقع ومراكز الجيش في بيروت والضاحية.

فالرئيس بري الذي واجه مدفع الدبابة التي وقفت أمام منزله في بربور بانتفاضة عارمة، وقف على صهوة الانتصار في 7 شباط وحدّد التوجّهات والتعليمات التي يجب أن تعتمد في المرحلة التالية للحفاظ على مكتسبات الانتصار وتسييله لخدمة وحدة لبنان وسيادته واستكمال تحريره من الاحتلال الإسرائيلي.

فما هي النتائج التي حصدتها الانتفاضة؟

{ الحفاظ على سيادة لبنان وإنقاذه من السقوط المحتوم في عصر الاحتلال الإسرائيلي عبر إسقاط معاهدة 17 أيار، معنوياً وعسكرياً قبل إسقاطه قانونياً في مجلس النواب.

{ تثبيت القاعدة الخلفية لصمود المقاومة في الضاحية وبيروت الغربية والجبل حتى طرابلس، ما مكّنها من الاستناد عليها لاستكمال تحرير الجنوب الذي توّج بانتصار الـ2000 .

{ فتح طريق بيروتالجنوب وطريق بيروتالبقاع بعدما تقطعت أوصال لبنان نتيجة الاحتلال الإسرائيلي وخطة التضييق الجغرافي والحصار العسكري على المقاومة. وهذا ما أكده الرئيس بري في خطاب الانتصار: “بقيت أمامنا جولة أخيرة  لاستكمال مشروع الانتصار وهي فتح الطريق بيروت والجبل والبقاع حتى تتواصل المناطق الوطنية مع بعضها وكي نتفرغ لمشروع تحرير الجنوب”.  

{ خروج القوات المتعددة الجنسيات لا سيماالمارينزالأميركية رغم كل محاولاتإسرائيلوالنظام اللبناني لبقائها.

{ تعزيز ثقافة المقاومة كخيارٍ وطني استراتيجي وحيد ومتاح لتحرير لبنان والدفاع عنه، وبالتالي إسقاط كل المعادلات الأخرى كـقوة لبنان في ضعفهوالعين لا تقاوم المخرزوبالتالي تثبيت نجاعة خيار المقاومة والتأسيس لانتصارات متتالية عاشها لبنان في التسعينيات والـ2000 و2006 وصولاً إلى تحرير الجرود اللبنانية من الإرهاب وبناء استراتيجية المقاومة للدفاع عن لبنان.

{ الإنتصار العسكري الذي أرسته الإنتفاضة والاحتضان الشعبي الذي لاقاه أسس آنذاك لقاعدة سياسية وطنية واسعة لرفض السلام مع “إسرائيل” وتُرجِم ذلك بقرار حكومة شفيق الوزان في 7 آذار 1984 بإلغاء اتفاق 17 أيار ولا يزال لبنان حتى الآن يرفض السلام والتطبيع، ليعتلي الرئيس بري في اليوم التالي منصة الانتصار ويمنحه البعد الوطني بقوله: “تحية لأبناء أمل وأبناء الضاحية والإقليم والجبل وبيروت الوطنية، هؤلاء هم وحدهم الذين ألغوا الاتفاق اللبناني – الاسرائيلي”… فالتاريخ يكتبه الشهداء بأقلامنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى