أولى

كيف نتفادى توظيف اغتيال لقمان سليم في إشعال فتنة أهليّة؟

د. عصام نعمان*

يعيش اللبنانيون منذ منتصف الأسبوع الماضي أزمةً جديدة من مسلسل الأزمات والكوارث التي تعصف بالبلاد بلا هوادة. موضوع الأزمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم، المعارض العنيد المثابر لحزب الله وحلفائه في لبنان وعالم العرب.

أعداءُ حزب الله ومحور المقاومة سارعوا، قبل اكتمال التحقيقات الاستخبارية والقضائية، الى اتهام الحزب بأنه وراء عملية الاغتيال. كلّ ذلك في وقتٍ تعاني البلاد من احتدام الصراع حول تأليف، وربما عدم تأليف، الحكومة الجديدة وتزايد القلق من تصعيدٍ يومي لافت لاستخدام طائرات التجسّس الحربية والمسيّرة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية.

اذ يتضح اتجاه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى تسوية الخلاف مع إيران بإعادة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد أخرجها منه سنة 2018، يزداد في المقابل قلق قادة الكيان الصهيوني من مخاطر رفع مستوى تخصيب اليورانيوم والتحذير الأميركي بأنّ إيران ربما تكون على بُعد أسابيع من امتلاك سلاح نووي». أكثر من ذلك، بحسب قناة «كان» التلفزيونية ناقش بنيامين نتنياهو مع وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي مسألة تحويل الأموال من القواعد الأمنية للطوارئ الى خطط عملياتية متوقعة ضدّ إيران.

الحقيقة انه مذّ تسلّم الرئيس بايدن رسمياً مقاليد السلطة، تفيض وسائل الإعلام الإسرائيلية بمقالات وأبحاث وتصريحات للمسؤولين وأهل الرأي الإسرائيليين حول تداعيات عودة أميركا الى الاتفاق النووي ومخاطر حيازة إيران سلاحاً نووياً، هذا فضلاً عن إعلان رئيس الأركان انه أمر الجيش بإعداد خطةٍ لهجوم محتمل على إيران هذه السنة.

من مجمل ما تبثه وسائل الإعلام «الإسرائيلية» وما يُستخلص من أبحاث نشرها باحثون في معهد الأمن القومي الإسرائيلي انّ ثلاثة أفرقاء يتوزعون أهل النخبة لدى العدو:

فريق يدعو الى الاستعداد لشنّ ضربة استباقية على إيران اذا ما تبيّن انّ إدارة بايدن مصمّمة على إعادة أميركا الى الاتفاق النووي من دون إشراك «إسرائيل» والسعودية في المفاوضات المتعلقة بهذه العودة، أو في حال تساهلها في مسألتي القيود المطلوب فرضها على إيران للحدّ من عمليات تخصيب اليورانيوم، كما الحدّ من قدرتها على تصنيع صواريخ باليستية بعيدة المدى.

فريق آخر يدعو الى عدم التصرف، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، على نحوٍ يُغضب الولايات المتحدة لأنها، بحسب توصيف المحلل السياسي زلمان شوفال (صحيفة «معاريف»، 3/2/2012)، ما زالت «الأمة الضرورية» القادرة على تحديد خطوات «إسرائيل» وحلفائها في المنطقة بشأن الدفاع عن المصالح الحيوية.

الى ذلك، ثمة فريق ثالث يضع في حسبانه حجج كلٍّ من الفريقين آنفي الذكر وتحفظاتهما، إلاّ انه يتميّز عنهما بدعوته الى ضرب وإضعاف حلفاء إيران اذا تعذّر، لسببٍ او لآخر، مهاجمتها بالذات. في هذا السياق، يرى هذا الفريق انّ إيران ما زالت محاصرَة وتعاني اقتصادياً، وسورية والعراق في حال اضطرابات وضعف شديدين، واليمن في حمأة حرب متطاولة، والمقاومة في قطاع غزة منشغلة بمواجهة جائحة كورونا وبتأمين معيشة السكان تحت وطأة الحصار، وحزب الله منشغل هو الآخر بأزمات لبنان المتلاحقة وإن ما زال متيقظاً وفاعلاً في مجابهة «اسرائيل» على جبهتها الشمالية، وان ذلك كله يؤكد ان إيران وحلفاءها العرب في حال ضعفٍ شديد ما يتيح لـِ «إسرائيل» ضرب أطراف محور المقاومة، لا سيما في لبنان وسورية، لقطع أذرع إيران وحماية الأمن القومي للكيان.

لاحظ مراقبون متابعون انّ الجيش الإسرائيلي تبنّى، على ما يبدو، «نصائح» الفريق الثالث بدليل تكثيف ضرباته الجوية والصاروخية لمواقع الجيش السوري في منطقة دير الزور المحاذية للعراق، كما في جنوب سورية حيث تتواجد أيضاً مواقع لقوات مقاومة رديفة عربية وإسلامية، وصعّد تحليق طيرانه التجسّسي والاستكشافي في الأجواء اللبنانية في الأسابيع الخمسة الماضية.

في غمرة هذه التطورات، تمّ اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم ما حمل عدداً من القياديين والمراقبين على الاعتقاد بأنّ للعدو الإسرائيلي يداً في هذه العملية المشبوهة إذ من شأنها صبّ المزيد من الزيت على نار التحريض الطائفي لإشعال فتنة أهلية وتعزيز عمليات التخريب والتدمير التي رافقت أحداث طرابلس الأخيرة وأدّت الى حرق مبنى بلديتها وقسم من السراي الحكومية، فيما أشار بعض قادة المدينة المنكوبة الى أنّ صلة لتركيا بها.

«إسرائيل»، كما أميركا في عهد ترامب، تحترفان ما يسمّى «الحرب الناعمة» ضدّ أعدائهما لأنها أسهل منالاً وأقل تكلفة وإحراجاً من الحرب الساخنة وأفعل توظيفاً للعصبيات الطائفية والقَبَلية والإيديولوجية والطموحات الإثنية لزعزعة الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني ومحاولة تفكيكها الى جمهوريات موز ركيكة وفقيرة.

هذا الخيار الشيطاني اعتمدته «اسرائيل» في الماضي ويبدو انها اختارته في الحاضر، فكيف السبيل الى تفادي مخاطره وتداعياته؟

لعلّ مفتاح المجابهة يتمثل في ثلاثة مطالب رئيسة ومقاربة منهجية على النحو الآتي:

أوّلها جمع القوى الوطنيّة في ائتلافٍ عريض بقيادة فاعلة  لمواجهة التحديات الماثلة في هذه المرحلة الحبلى بالأخطار والأزمات.

ثانيها، التعجيل في تأليف حكومة وطنية جامعة من سياسيين مستقلين واختصاصيين غير حزبيين لتتولى تأمين ضروريات المعيشة (الغذاء والدواء والكهرباء والبنزين والمازوت) والإرتقاء في مواجهة جائحة كورونا، وتفعيل التحقيق الجنائي في جريمة تفجير المرفأ والأموال المنهوبة والمحوّلة الى الخارج، وفرض الأمن وتعزيز التوافق الوطني في البلاد لمواجهة استحقاقات سياسية ودستورية قادمة (الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في سنة 2022).

ثالثها، دعم الجيش اللبناني والمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي المرتقب لإلحاق هزيمة بالعدو كالتي عاناها في حربه الفاشلة سنة 2006.

         صحيح انّ «إسرائيل» قوية ومدعومة من الولايات المتحدة، لكن المقاومة قادرة، باعتراف محلّلين عسكريين إسرائيليين، على صدّ العدوان وتكبيد العدو خسائر بشرية ومادية فادحة، لا سيما بعد ثبوت امتلاكها الآف الصواريخ الدقيقة فضلاً عن وسائل دفاع جوي متطوّرة أحسنت استخدامها في الآونة الأخيرة ضدّ الطائرات الإسرائيلية المسيّرة التي أسقطت بعضها اخيراً، كما ضدّ طائرات حربية متطورة من طراز هرمس 450 القادرة على البقاء في الجو مدة 20 ساعة.

المهمّ هو وجود إرادة حاسمة للتوافق الوطني وقرار حازم بالتصدي والمواجهة  بلا هوادة.

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى