أولى

ديمقراطيّة المستبدّين

 شوقي عواضة

سُئل هتلر قبل وفاته مَن أحقر النّاس الذين قابلتهم في حياتك؟ فردّ عليهم: «أحقر النّاس الذين قابلتهم في حياتي هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم». أمّا المناضل الأممي شي غيفارا فيقول: «مثل الذي باع بلاده وخان وطنه كمثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللّصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللّص يكافئه»، تلك الخيانة التي تكاد أن تصبح وجهة نظر تحت عناوين ومسمّيات مختلفة منها حرية الرّأي والتعبير ومنها الديمقراطيّة، تلك الديمقراطية الأميركيّة التي يتخذونها نموذجاً لهم ليبرّروا خيانتهم دون أن يدركوا أنّه عندما تتحوّل الحرية إلى فتنة تشعل الوطن وتسقط تلك الحرّية، وعندما تصبح الدّيمقراطية دعوة لاحتلال الوطن وتدميره لا بدّ من محاكمتها ومحاسبتها بتهمة الخيانة. تلك هي القواعد التي تحكم بها الدول والأمم. فالولايات المتحدة الأميركيّة التي يتغنّون بديمقراطيتها المزيفة لم تتهاون قيد أنملةٍ مع الخائنين لها أو الخارجين عن الدستور مهما كانتِ الأسباب. وقد نصّ الدستور الأميركي في البند الأوّل من الفقرة الثالثة على جريمة الخيانة بحقّ الولايات المتحدة لا تكون إلا بشنّ حرب عليها، أو بالانضمام إلى أعدائها وتقديم العون والمساعدة لهم. ولا يُدان أحد بتهمة الخيانة إلّا استناداً إلى شهادة شاهدين يشهدان على وقوع نفس العمل الواضح النية، أو استناداً إلى اعترافٍ في محكمةٍ علنيّةٍ. وعلى هذا الأساس يُجرّم ويُحاكم كلّ مواطن أميركي سواء كان سياسيّاً أو إعلاميّاً أو ناشطاً أو في أيّ موقع كان يتلاقى خطابه مع خطاب أعداء الولايات المتحدة أو يصبّ في خدمة مصالحهم.

أمّا في لبنان فقد اتخذ البعض من الحرية غطاء للتّحريض على الدولة وعلى المقاومة التي أصبحت تشكّل قوّةً كبيرةً للبنان.

ففي كلّ دول العالم التي شهدت احتلالاً أو غزواً كانت تولد مقاومة من الشّعب تقف لتتصدّى وتواجه وتسقط أهداف الاحتلال وتهزمه لتحقق انتصاراً معمّداً بدماء الشهداء وتضحيات الشعب وتصنع سيادةً حقيقيّة بكلّ ما للكلمة من معنى. ويحدّثنا التاريخ عن المقاومة الفرنسيّة التي واجهت الاحتلال الألماني وأدواته وعملاءه، ففي وثائقَ رسميّةٍ فرنسيّة لا تزال محفوظةً في متحف المقاومة الفرنسية في مدينة شامبيني سُور مارن  (Champigny-sur-Marne)، تبنّت لجان المقاومة الفرنسيّة عمليات تصفية العملاء الفرنسيين ميدانيّاً خارج محاكم الدّولة تضمّنت تنفيذ عمليات إعدام وتصفية بحقّ عشرة آلاف عميل وإعدام عشرين ألفاً آخرين شنقاً. أمّا المحاكمات القانونية فقد بلغت 300 ألف محاكمة وملف قدّم منها 127000 ألف عميل للمحاكمة وأدين منهم سبعة وتسعون ألف عميل تراوحت أحكامهم بين خمس سنوات سجن إلى حكم الإعدام.

أمّا في لبنان فالمقاومة التي حرّرت الوطن من الاحتلال وسحقت مشروع الإرهاب والتي لم تحاكِم عميلاً واحداً، فقد وضعها البعض هدفاً لهم ومرمى لنيران حقدهم، ففي حين لم تبرّر المقاومة الفرنسيّة عملية الإعدامات الميدانيّة، ولم يعتبر القانون الفرنسي أنّ الخيانة حرية رأي، والتواصل مع العدو ديمقراطية يشهد لبنان حملة أميركية «إسرائيلية» يقودها سياسيون وإعلاميون وناشطون سُخّرت لهم الإمكانيات المالية والإعلاميّة وحماية وتوجيه السّفارة الأميركية يعتلون الشّاشات يوجهون الاتهامات للمقاومة بل لبيئةٍ كاملةٍ بالإرهاب والقتل ضمن منهجيّةٍ إعلاميّةٍ وسياسية أدت إلى فرض العقوبات على لبنان بهدف محاصرة مقاومته التي لم ولن تتأثّر بتلك العقوبات أو بأيّ إجراءات تتخذها الولايات المتحدة الأميركية، في ظلّ تصاعد تهديدات العدو الصّهيوني تتسابق أبواق السّفارة الأميركية على تقديم اجتهادات هؤلاء الخيانيّة وتجنيد أنفسهم للعدو وخدمته بعلمهم أو بغير علمهم.

كلّ ذلك يجري في ظلّ غياب المحاسبة القضائيّة وتهميش القانون الذي يطبّق استنسابياً وسياسيّاً على البعض. وما جرى مع الدكتور حبيب فياض دليل على ذلك، فأثناء مشاركته في حلقة «بموضوعيّة» (mtv) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعد إعلان سعد الحريري استقالته من الرياض وأثناء مداخلة هاتفيّة لثامر السبهان حرّض فيها على «حزب الله»، ردّ الدكتور فياض، ليذكّره بالأمير السعودي الموقوف في لبنان وبحوزته آلاف حبوب الكبتاغون. تذكير استدعى محاكمة الدكتور حبيب فياض أمام محكمة المطبوعات والحكم عليه بالسّجن ثلاثة أشهر وتغريمه بثمانية ملايين ليرة لبنانيّة. بتهمة توجيه «ألفاظ نابية إلى دولةٍ عربية علماً أنّ الدكتور فياض وصّف واقعاً حين ذكّر السبهان بأنّ أمير الكبتاغون ما زال موقوفاً في لبنان. وبالرّغم من ذلك تمّت محاكمته، ولو سلّمنا جدلاً بأنّ تهمة توجيه ألفاظ نابية لدولةٍ عربيةّ وهو غير صحيح تستحقّ هذا الحكم، فماذا تستحق ديما صادق التي وجهت اتهاماً لحزب الله بقتل لقمان سليم وغيره؟ لماذا لم تُستدعَ إلى القضاء لتقدّم أدلّتها على ذلك؟ وما هو الحكم الذي يستحقه نديم قطيش بدعوته لتجريم المقاومة والقضاء عليها وعلى مجتمعها والتّحريض على شريحةٍ واسعةّ من اللّبنانيين واعترافه في أحد الفيديوات أنّه مع الكيان الصهيوني؟ وما هو الحكم الذي يليق بالمعمّم علي الأمين الذي اجتمع بالحاخام الأكبر للكيان الصّهيوني شلومو عمار في البحرين بالرّغم من وجود دعوى بحقّه في المحكمة العسكرية منذ سنة ونصف السنة لا تزال في أدراج القاضي فادي عقيقي في المحكمة العسكريّة دون ان يوجّه استدعاء للأمين؟ أسئلة نضعها برسم القضاء اللّبناني المعني الأوّل بهذه القضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى