أخيرة

الوحش 2

الطّامّة الكبرى وثالثة الأثافي في ما ارتكبه ذلكم “الوحش الجميل”، ليست جريمته ضدّ الإنسانية، وهي مروّعة، الطامة الكبرى هي في ما ارتكبه الوحش ضدّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه… المصيبة انّ هذا المخلوق يتمتع بذكاء تفصيلي بالغ الحدة، ولعلّ أهمّ ما يترتب على هذا الذكاء التفصيلي هو القدرة على الانغماس الكلي في التفاصيل، وفقدان المقدرة على التوقف هنيهة، والارتفاع عالياً لإلقاء نظرة اشتمالية جشتالتية على المشهد العام، فيبدع في مجال الاختراع والتصنيع… ويفشل في توخّي مآل هذه المسيرة… إنْ كان إلى خير أم كان إلى دمار كلّي…

تنضح قصة العبد الصالح “الخضر” الذي رافق سيدنا موسى في رحلة بالغة الرمزية في القرآن… تنضح بفلسفة انّ الأشياء لا يُحكم عليها بالظاهر وبالمشهد الانطباعي الأول، فليس كلّ ما يلمع ذهباً… وليس كلّ ما ينفع في الوهلة الأولى ينفع في الـ في ما بعد.

وإذا رأيت نيوب “الوحش” بارزة
فلا تظنّن أنّ “الوحش” يبتسم

لقد تغيّر كلّ شيء… ذلك التوازن الربّانيّ الكوني الذي فطرت عليه الأرض اختلّ تماماً، ولم يعد كما كان، 50 بليون كتلة الإمبيرستيت تمّ شفطها من باطن الأرض على هيئة مواد خام وطاقة أحرق معظمها على سطح الأرض… كتل جليدية بحجم بلاد أخذت تذوب في المحيطات نتيجة لارتفاع درجات الحرارة… ستفضي الى تغيير جوهري في طبيعة مياه المحيطات والبحار، وبالتأكيد ستهدّد الحياة المائية تماماً، وسيرتفع منسوب المياه مما سيترتب عليه زوال ولايات كفلوريدا وكاليفورنيا ومدن كمدينة الإسكندرية في مصر، وغرق مناطق ساحلية هائلة في جنوب وشرق آسيا، وهذا كلّه أول الغيث، قطرات ما قبل الطوفان، سيسجل في سجلات الكون بعد ألف عام أو ألفين، أنّ وحشاً تجلّى على ظهر هذا الكوكب… الذي يُدعى الأرض… وفي غفلة من كلّ قوى الخير التي قطنت هذا الكوكب عبر الزمان… أطاح بكلّ فطرته وبنيته الخيّرة، وأخلّ بكلّ التوازن المثالي الذي أتاح للحياة ان تتواجد على ظهره. ولم يمض طويل وقتٍ حتى أضحى هذا الكوكب الجميل، صعيداً زلِقاً بعد ان فارقته الحياة… وانضمّ الى قافلة الكواكب التي تدعى في هذا الكون… كواكب غير مأهولة.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى