أولى

هل ينجح الجنرال إعلام الأميركي في اغتيال روسيا؟!

 د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الجنرال إعلام في العصر الحديث، وكيف أصبح أحد أهمّ أسلحة الجيل الرابع والخامس للحروب، وكيف استطاعت الولايات المتحدة الأميركية تحقيق انتصارات مدوية من خلاله، حيث تمكنت من اغتيال خصومها وهزيمتهم عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي تمتلكها وتسيطر عليها، والتي تقوم بعملية ترويج الشائعات والكذب والفبركة وتزييف وعي العقل الجمعي على مدار الساعة، ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ظهر جلياً للرأي العام العالمي أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي ورّطت أوكرانيا في الحرب قد تخلت عنها، ولن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، لكن على الرغم من ذلك لن تقف مكتوفة الأيدي فالحرب في حقيقتها مواجهة بين الروسي والأميركي على الأرض الأوكرانية، وما الأوكراني إلا وكيل يخوض الحرب نيابة عن الأميركي الأصيل فيها، لذلك قام الأميركي بحشد غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإدانة روسيا، هذا إلى جانب فرض العقوبات الاقتصادية، وجلب الإرهابيين من كلّ أصقاع الأرض لإطالة أمد الحرب واستنزاف الجيش الروسي، لكن السلاح الأهمّ هو الجنرال إعلام الذي تسعى من خلاله لاغتيال روسيا وتشويه سمعتها الدولية، فهل تنجح في ذلك؟!

 يُعدّ الإعلام في العصر الحديث أحد أهمّ أدوات تشكيل الوعي لدى الرأي العام، وعملية تشكيل الوعي بواسطة وسائل الإعلام ليست بريئة على الإطلاق، فدائماً ما تتحكم فيها مصالح القوى المسيطرة على هذه الوسائل سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية، وغالباً ما تنحرف هذه القوى بوظيفة الإعلام الرئيسية فبدلاً من أن تسعى إلى تشكيل وعي حقيقي للرأي العام من خلال تصوير الواقع كما هو عليه ونقل الحقائق والمعلومات بموضوعية وشفافية، نجدها تفعل العكس حيث تسعى هذه القوى إلى تزييف وعي الرأي العام بحقيقة ما يحدث حوله سواء في مجتمعه أو إقليمه أو العالم.

وخلال السنوات الأخيرة ظهر الدور الخطير للإعلام، حيث أصبح أحد أهمّ الأسلحة التي استخدمها العدو الأميركي لتنفيذ مخطط تقسيم وتفتيت المنطقة العربية والذي عُرف إعلامياً بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير في إطار ما يسمّى بالربيع العربي المزعوم، وتمّ استخدام الجنرال إعلام للتلاعب بأمن واستقرار المنطقة العربية، وخلال هذه الحرب سقطت سريعاً العديد من الأقطار العربية بفضل الجنرال إعلام الذي قام بتزييف وعي الجماهير وإيهامها بأنّ ما يحدث هو ثورات ستحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالطبع لم تجنِ هذه الجماهير أيّ مكاسب من تصديقها للجنرال إعلام الأميركي غير مزيد من المعاناة إلى جانب تخريب وتدمير مجتمعاتها والرابح الوحيد مما حدث هو وكيان الصهيوني فقط عبر السنوات العشر الماضية.

ومنذ قرّر العدو الأميركي خوض حربه الجديدة الخبيثة في إطار ما يُطلق عليه الجيل الرابع والخامس للحروب، وهو يستخدم الجنرال إعلام حيث سعى لتزييف وعي الرأي العام العالمي وغسل الأدمغة من خلال الشاشات بأنّ ما يحدث داخل المجتمعات المستهدفة هو ثورات ملوّنة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأنّ الهدف هو إحداث تغيير جذري في بنية هذه المجتمعات لكي تلحق بركب النهضة والتقدّم، وزاد الإعلام في تضليله حين حاول تغييب الواقع الفعلى ورسم صورة وهمية لما يحدث على أرض الواقع، ولم يستطع الإعلام الوطني في هذه المجتمعات بإمكانياته المحدودة مواجهة الآلة الإعلامية الغربية الجبارة وكشف زيفها وتضليلها، بل قامت العديد من وسائل الإعلام الوطنية بالدوران في فلك الإعلام الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية وتضخ فيه مليارات الدولارات، ورغم مرور سنوات طويلة على هذه المواجهة إلا أنّ الجنرال إعلام ما زال يلعب دوره دون كلل أو ملل، وعلى الرغم من فشل المشروع في تحقيق أهدافه في بعض المجتمعات المستهدفة إلا أنه حتى اللحظة يسعى لتزييف وعي الجماهير بحقيقة ما يحدث على أرض الواقع ـ وللأسف ما زالت الجماهير حول العالم تسمع له وتشاهده وتصدّقه ـ خاصة على الساحات التي لا تزال مستهدفة لزعزعة أمنها واستقرارها بهدف سرقة ونهب ثرواتها بواسطة العدو الأميركي.

ولم يكتفِ الجنرال إعلام بوسائله التقليدية المتمثلة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بل قام بتطوير آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة، فاستحدث أسلحة جديدة تمثلت في ما يُطلق عليه وسائل الإعلام الجديدة المرتبطة بالسلاح السحري الجديد المعروف بالشبكة العنكبوتية ـ الإنترنت ـ حيث المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم اليوم وتويتر ويوتيوب وانستغرام وتليغرام وغيرها، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ليست عامة بل خاصة حيث أصبح لكلّ مواطن وسيلته الإعلامية الخاصة، وعبر هذا الإعلام الجديد بدأت عمليات تزييف الوعي للمواطن الشغوف بهذه الوسائل التكنولوجية الجديدة والتي يقضي عليها معظم وقته ولا يتركها طوال الوقت، ففي كلّ مكان وزمان تجده متمسكاً بجهازه السحري الذي يستقي منه كلّ معلوماته، حيث تتشكل رؤيته للعالم عبر هذا الجهاز السحري الصغير، وأدرك العدو الأميركي أهمية الجنرال إعلام الجديد وتأكد أنه قد نجح في ربط المواطن بهذا الساحر الجديد فبدأ في إطلاق جيوشه الإلكترونية لتنشر بذور الفتنة وتشعل نيرانها داخل المجتمعات المستهدفة، وبما أنّ طبيعة الأنظمة التعليمية داخل كثير من المجتمعات المستهدفة قائمة على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل والنقد فإنّ أيّ معلومات تبث عبر وسائل الإعلام الجديد يتمّ التعامل والتفاعل معها على أنها حقائق مطلقة، ومن هنا ينتصر الجنرال إعلام وجيوشه الإلكترونية على المواطن داخل هذه المجتمعات.

فالجنرال إعلام صنيعة أميركية تسعى من خلاله إلى تحقيق انتصارات على خصومها بطريقة غير مباشرة، وفي معركتها الدائرة الآن مع روسيا على الأرض الأوكرانية تحاول الولايات المتحدة استخدام هذا الجنرال الفتاك، فقامت خلال الأيام الماضية بمحاولات مستميتة لتشويه صورة روسيا أمام الرأي العام العالمي فحشدت أنصارها والداعمين لها عبر الشاشات وأطلقت جيوشها الإلكترونية لتبث معلومات خاطئة وكاذبة وروايات مفبركة حول دوافع الحرب وتصويرها على أنها غزو روسي لدولة مستقلة ذات سيادة، وللأسف الشديد اقتنع البعض بما يبث ونسى أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي التي غزت أفغانستان والعراق ثم أشعلت النيران في منطقتنا العربية تحت دعاوى الثورة ومن قبلها الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وقد تمّ ذلك كله في غياب الثنائية القطبية حين كانت تستفرد بإدارة العالم، أما اليوم فلن يجدي الجنرال إعلام مع روسيا التي عادت بقوة للساحة الدولية وتقوم برسم خريطة دولية جديدة متعددة الأقطاب، لذلك على الرأي العام العالمي أن يفيق من غيبوبته ويستردّ وعيه الزائف ويدرك أنّ من مصلحته أن يعيش في عالم متعدّد الأقطاب وليس عالماً يديره قطب أوحد، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى