أولى

التعليق السياسي

سؤال حول الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة..

بالرغم من لا أخلاقيّة وقوع الدول في ازدواجيّة المعايير في التعامل مع ظواهر متشابهة، إلا أنه يمكن فهم ذلك طالما أن الدول تدفع ثمناً أخلاقياً ومعنوياً من سمعتها ورصيدها السياسي عندما تصاب في مصداقيتها، سواء أمام رأيها العام الداخلي، أو الرأي العام الدولي، وكل منهما يؤثر على ثبات سلطات هذه الدول وفاعليتها، لكن المنظمات الأمميّة ليست هيئات تأتي بها الانتخابات لتمارس السياسة على هواها، وتتحمل نتائجه في الانتخابات داخل بلدها، أو بردود الأفعال على سياساتها خارج بلدها، بل هي منظمات مسؤولة عن السهر على مواثيق توافقت عليها دول العالم تحت شعار تطبيق بند أو أكثر من بنود ميثاق الأمم المتحدة.

التوازنات التي تخضع لها المنظمات الأممية والطريقة التي تتحكم باختيار القيّمين عليها تعبر عن موازين القوى داخل المجتمع الدولي، وهو ميزان قوى كان حتى الأمس محكوماً بالأحادية الغربية المسيطرة على الأمم المتحدة وقراراتها وطريق اختيار مسؤوليها.

عندما نتحدّث عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية فالأمر يتصل بتطبيق مبدأ السعي لعالم خالٍ من السلاح النووي، وضمان سلمية البرامج النووية لدول العالم، عبر ميثاق للوكالة وبرامج يتمّ التوجه الى الدول لتوقيعها والانضمام إلى معاييرها، وبنظرة بسيطة يظهر أن في منطقتنا تقف إيران على ضفة وتقفإسرائيلعلى ضفة مقابلة. فمقابل إيران التي تجاهر بكونها دولة تسعى لبرنامج نووي سلمي وتخضع لمواثيق وخطط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ترفضإسرائيلكل برامج الوكالة وشروطها وترفض كل خضوع لمعاييرها ولأيّ تفتيش يتصل بضمان احترامها، وتعرف الوكالة والعالم كله أنها تملك برنامجاً عسكرياً، ثمرته مئات الرؤوس النووية، وهذا يعني أن الوكالة يجب ان تكون على حالة تعاون مع إيران مهما كانت الملفات الخلافية تحت سقف برنامج نوويّ سلميّ، وأن تقف على حالة قطيعة معإسرائيل، ترجمة للقطيعة الإسرائيلية مع مهمة الوكالة ودورها، وعندما تحظىإسرائيلبمكانة الصديق المميّز للوكالة وتعامل إيران معاملة التلميذ المشاغب، فهذا يشبه أن تقوم منظمة اليونسكو بالمتاجرة بالأطفال والرقيق الأبيض والآثار المسروقة.

جوهر الخلل في وضع الملفات النووية في العالم هو هذا الشذوذ الذي يحكم علاقة الوكالة الدولية بـإسرائيل، فلا توجد أي صدقية لسعي الوكالة إلى عالم خالٍ من السلاح النووي، في ظل علاقة مميزة للوكالة ومديرها بـإسرائيل، وصولاً إلى اعتماد التقارير الإسرائيلية ككيان نووي عسكري مخالف للقانون، حول البرنامج النووي الإيراني كأساس للحكم على هذا البرنامج السلمي، ودون تصحيح هذا الخلل بوضع الوكالة في حالة مواجهة مع البرنامج النوويّ الإسرائيليّ العسكريّ، وجعله في مرتبة تتقدم كل تعاملات الوكالة مع الدول ذات البرامج السلمية، سيبقى مسار الأزمات النووية في العالم مفتوحاً، فلن تجد الوكالة دولة أخرى غير إيران لا تريد طوعاً واختياراً عدم امتلاك برنامج عسكري، ولعل المثال الكوريّ الشماليّ خير رد مناسب على وكالة تدار بهذه الطريقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى