أولى

سورية وإمكانية النهوض!

 محمد سيد أحمد

 

ما شهدته سورية خلال العقد الأخير يعدّ بمثابة حرب كونية عليها، وهناك من يصفها من المراقبين بأنها حرب عالمية ثالثة على الأرض السورية، لكن بأساليب وطرق جديدة في إطار الجيل الرابع للحروب. فالأصيل في هذا النوع من الحروب يتراجع خطوات الى الخلف ويعمل في الخفاء في حين يتصدّر المشهد وكلاء يقع على عاتقهم الحرب المباشرة لتدمير الدولة التي تخرج عن طوع الأصيل ولا تخضع لإرادته، وفي الحالة السورية كان الأصيل هو الولايات المتحدة الأميركية القطب الأوحد في العالم حتى بدء هذه الحرب الكونية على سورية في مطلع العام 2011 وحليفتها الصهيونية.

 حيث وقفت سورية بمشروعها التنموي المستقلّ الذي يعتمد على الاستثمار الأمثل لمواردها الطبيعية والبشرية بعيداً عن اللجوء للخارج أو الاعتماد على الغير، ففي الوقت الذي اتجهت فيه غالبية دول العالم الثالث المستهدفة للنمو والنهوض للمشروع الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وتقدّم من خلاله روشتة العلاج عبر المنح والقروض التي يقدّمها صندوق النقد والبنك الدوليّين اللذان يخضعان لسياسات وإملاءات حكومة واشنطن، قرّرت سورية الاتجاه بعيداً، حيث قرأ الرئيس الخالد حافظ الأسد المشهد جيداً وتأكد أنّ أيّ محاولة للتنمية والنهوض وفقاً لهذا المشروع الرأسمالي الغربي سوف يسلب بلاده إرادتها وسوف يجعل قرارها السياسي في يد أصحاب المنح والقروض، لذلك قرّر أن يسير عكس الاتجاه في طريق صعب وشاق، ولكنه كان الأفضل لبلاده، حيث حفظ لها استقلالها الاقتصادي والسياسي.

وجاء من بعده الرئيس بشار الأسد ليستكمل مسيرة النهوض والتنمية المستقلة. وبالفعل خلال العقد الأول من الألفية الثالثة استطاعت سورية أن تحقق قدراً كبيراً من الاكتفاء الذاتي مما جعل المراقبين يطلقون عليها مقولة الدولة التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع في الوقت الذي كانت فيه غير مدينة بدولار واحد للغرب الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية مما مكّنها من استقلالية قرارها السياسي وقدرتها على الوقوف في وجه سياسات الهيمنة الأميركية ورفضها الخضوع لأية إملاءات خاصة في ما يتعلق بالسلام المزعوم مع العدو الصهيوني أو التخلي عن محور المقاومة الذي يقف حجرة عثرة في وجه المشروع الأميركيالصهيوني في المنطقة. ومن هنا كان قرار الحرب على سورية من الأصيل عبر الوكلاء الإرهابيين الذين تمّ تجميعهم من كلّ أصقاع الأرض وجلبهم للأرض السورية لتبدأ هذه الحرب الكونية.

ودخلت سورية الحرب مضطرة ليس فقط للدفاع عن أرضها ومشروعها المقاوم بل للدفاع عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها من الماء إلى الماء، وتعرّضت الدولة السورية خلال سنوات الحرب التي تقترب من عقد من السنوات إلى ما لم تتعرّض له دولة عبر تاريخ البشرية من وحشية وتدمير للأخضر واليابس. وعلى الرغم من الصمود الأسطوري للشعب السوري، وبسالة الجيش وتضحياته الكبيرة في الدفاع عن التراب الوطني، وشجاعة وبطولة وحنكة الرئيس بشار الأسد في إدارة الحرب على المستويين الميداني والسياسي، إلا أنّ الحرب دائماً ما تترك آثارها المدمّرة التى يمكن أن تستمرّ لسنوات مقبلة بعد انتهائها. وهذا ما يحلم به العدو الأميركي والصهيوني حيث يردّد أنصارهما أنّ سورية أمامها مئة عام من أجل العودة والنهوض.

لكن حركة التاريخ تقول عكس ذلك ولن نذهب بعيداً، فخلال الحرب العالمية الثانية خرجت دول المحور مهزومة ومدمّرة تدميراً غير مسبوق خاصة ألمانيا واليابان، لكن هاتين الدولتين لم تدفنا تحت التراب بعد الحرب العالمية الثانية، لكنهما نهضتا من تحت الحطام والأنقاض لتعودا إلى قمة الدول في العالم بأسره في شتى المجالات، حيث بدأت ألمانيا شيئاً فشيئاً بإعادة الإعمار، وببطء قامت باستعادة قوتها معتمدة على مواردها، فقامت برفع مستوى المعيشة بشكل تدريجي للشعب الألماني، وقامت بتصدير البضائع المحلية إلى الخارج، والتقليل من مستويات البطالة، وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، والتقليل من السوق السوداء، ثم اتجهت إلى التصنيع في شتى المجالات خاصة الصناعات الثقيلة حتى أصبحت اليوم رائدة في الصناعات المختلفة على مستوى العالم.

والأمر نفسه، وبشكل أكثر صعوبة نهضت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها بخسائر مادية وبشرية رهيبة، وهي بالأساس دولة لا تمتلك أي موارد طبيعية. وظنّ البعض أنها قد خرجت وبشكل نهائي من قائمة الدول العظمى، وعلى الرغم من خسارة اليابان خُمس أراضيها التي أصبحت غير صالحة للاستغلال البشري بعد ضربها بالقنابل الذرية، إلا أنّ ذلك لم يمنع اليابان من النهوض وإعادة الاعمار واستغلال العنصر البشري لاستصلاح الأراضي المهدمة واستغلالها في الأعمال الزراعية لتوفير الغذاء الكافي للبلاد، كما تمّ تطبيق المبادئ الحديثة في الإدارة وتشجيع المخترعين والمكتشفين وتقديم ما يلزمهم لتطوير اختراعاتهم وتسويقها. هذا إلى جانب الاهتمام البالغ بالتعليم ووضع المعلم في مكانة مرموقة من أجل إعداد الأجيال القادمة، وبذلك عادت اليابان لصدارة الدول العظمى والمتقدّمة.

ومن خلال هذه التجارب التاريخية يمكننا القول إنّ سورية ورغم ما تعرّضت له من تدمير بفعل الحرب الكونية عليها إلا أنها ما زالت قادرة على النهوض وبسرعة كبيرة، فعلى الرغم من أنّ الحرب لم تنته بعد إلا أنّ الدولة السورية قد بدأت فعلاً في إعادة الإعمار، وتحاول تحمّل مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تكليف بعض الباحثين ومنهم كاتب هذه السطور من دراسة أوضاع المهاجرين واللاجئين السوريين للتعرّف على احتمالات عودتهم للمشاركة في عملية إعادة الإعمار. هذا إلى جانب دراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمدن والمناطق المدمّرة بفعل الحرب للتعرّف على احتياجات مواطنيها في مرحلة إعادة الإعمار، وهو ما يؤكد قدرة سورية على النهوض بشكل سريع سوف يدهش ويزعج كلّ من تآمر عليها. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى