تحقيقات ومناطق

عميد الثقافة والفنون الجميلة في «القومي» د. زهير فياض لـ«البناء»: مجتمعنا يواجه تحديات متنوّعة وبعضها وجوديّ والمواجهة تتطلّب رؤية ثقافية معرفيّة عميقة كما حدّدها سعاده

حاورته ـ عبير حمدان

أكد عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي د. زهير فياض علاقة الثقافة بالوعي، وعلاقة الوعي بالصراع، وعلاقة الصراع بحاضر الأمة ومستقبلها، مشدداً على أنّ الصراع هو من أجل الوجود القومي والإنساني والحضاري، ومن أجل الحرية والوحدة والاستقلال الحقيقي بأبعاده المختلفة.

وفي حوار أجرته معه «البناء» تناول د. فياض إشكاليات الثقافة وعلاقتها بحركة الصراع في مرحلة تعتبر من أدقّ المراحل التاريخيّة التي مرّت بها الأمة.

محاور كثيرة انطوى عليها الحوار مع د. فياض، من منطلق فكريثقافي سياسي اجتماعي اقتصادي، وفي ما يلي نص الحوار وقراءة العميد للواقع ومآلاته المستقبلية:

 

استهلّ فياض الحوار بالحديث عن الواقع القائم في بلادنا حيث إن أمتنا رغم كل الظروف والتحديات الصعبة ذات الطابع الوجودي والمستمرة منذ عقود لا بل منذ قرون ما زالت تختزن كل مقوّمات الصمود والمقاومة في وجه أعتى التحديات التي تعددت أشكالها ومضامينها وأساليبها وسيناريواتها المتبدلة والمتغيرة في الزمان والمكان والآليات، ورغم ما تعانيه الأمة من إنهاك وتعب الا أنها مستمرة في النضال القومي والإنساني من أجل اثبات الهوية والوجود والحيثية التاريخية والحضارية التي تمثل حاجة ليس فقط لسوريةالأمة بل للعالم العربي، وللعالم أجمع، وفي هذا السياق يندرج قول لعالم اركيولوجي (عالم آثار) شارل فيرو كان بالمناسبة أول من فكّك شيفرة الأبجدية الأوغاريتيّة في موقع أوغاريت على الساحل السوري قرب اللاذقية حيث جاء على لسانه: «إن كل إنسان متحضّر في العالم له وطنان: وطنه وسورية»، مشيراً إلى أن الخلفية الثقافية القومية الاجتماعية هي قاعدة الوعي القومي وهي تمثل منطلقاً نهضوياً يؤسس لرؤيا مستقبلية وليست انعكاساً للواقع، اذ إن مفهومنا للثقافة هو مفهوم إيجابي وليس مفهوماً سلبياً، بمعنى أن للثقافة دوراً نهضوياً في تغيير الواقع ومواجهة التحديات، وفي عملية بناء الإنسان الجديد والمجتمع الجديد وليستكما يفهمها البعضانعكاساً لواقع الانحطاط ومجرد مرآة للواقع بمعناه السلبي.

يرى فياض أن حجم التحديات هائل، وهذا يحتّم على القوى الحية وفي مقدمتها حزبنا مواجهتها والعمل على استنهاض كل الطاقات والقدرات، وإعادة صياغة وعي جديد ديناميكيّ فاعل وخاصة لدى الجيل الجديد لإعادة إحياء دوره في صنع مستقبله، أي مستقبل أمته ومجتمعه، وباتجاه إخراجه من دائرة الانفعال والاستهلاك والاستلاب وتعطيل القدرات أو حرفها عن اتجاه فعلها الأصلي في زمن تلقي المعلومة مع تطوّر وسائل التواصل والاتصال التكنولوجي الذي يشكل سيفاً ذا حدين، اذ قد يؤدي إذا لم نُحسن توظيف أدوات هذا التطوّر في تطوير الوعي الذاتي وتوثيق الذاكرة في إطارها التاريخي الفعلي والحقيقي والموضوعي، سيؤدي حتماً الى الضياع والاستلاب وفقدان الوزن المجتمعيّ، وفقدان القابلية على التأثير في مجرى الأحداث سواء القوميّة أو العربيّة أوالإقليميّة أو العالمية.

وفي ما خصّ الكيان اللبناني يلفت فياض إلى أن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها هذا الكيان هي المشكلة على مستوى الدور والوظيفة، وقارب فياض أيضاً الأوضاع اللبنانية من زاوية فكريةثقافية معرفية حيث تطرّق الى الإشكاليات والأزمات التي يمر بها الكيان اللبناني، فرأى أن الأزمة في لبنانفي جوهرهابنيوية ووظيفية، هي أزمة هوية وانتماء بالدرجة الأولى أي أزمة ذات بعد ثقافي يتصل بالعطب في فهم أهمية لبنانالنموذج الحقيقي الذي تطلع اليه سعاده باعتباره «نطاق ضمان للفكر الحر الرائد» الذي شرط النور الموجود فيه أن يمتدّ ليشمل كل سورية الطبيعية أي كل محيطه القومي في الهلال الخصيب، والتحدّي الحقيقي الآن هو في القدرة على تحويل لبنان الى هذا النموذج الذي نصبو إليه بدل إبقائه كياناً سياسياً هشاً مريضاً بالطائفية والفكر الأقلويّ الانعزالي المدمر للبنان ولفكرة لبنان الذي نريده موئلا للحريات الحقيقية النامية ورمزاً للانفتاح على المحيط القومي والحضاري والإنساني. الأزمةحسب فياضهي في العقلية الحاكمة وفي تركيبة النظام السياسي الطائفي الذي يغلّب العصبيات الفئوية من طائفية ومذهبية على رابطة المواطنة الجامعة تحت سقف الهوية والانتماء ووحدة الحياة والمصير في نطاق الدورة الحياتية الاقتصادية الاجتماعية التي تشمل كل لبنان وكل بلادنا في الهلال الخصيب.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية تكمن الأزمة في لبنان في تغليب النظرية الاقتصادية الريعية التي تقوم على المنطق الاستهلاكي والخدمي المجرد في كل مناحي الحياة الاقتصادية كبديل عن فكرة الاقتصاد الإنتاجي التكاملي على مستوى كامل البيئة، الذي لو تم السير به لكان المرتكز والرافعة للدولة والاقتصاد وللقطاعات الخدمية المختلفة من التجارة الى السياحة الى التعليم الى الصحة. ويضيف فياض أنه بدل أن يكون اقتصادنا منتجاً تحول الى مجرد سوق استهلاكية هامشية تتحكم به مافيات اقتصادية ومالية مهيمنة على كل مفاصله الاقتصادية والحياتية فتم تهميش الاغلبية والاستئثار بثرواته وخيراته ورساميله لصالح أقلية تعيث فساداً في كل مناحي الحياة متسلحة بحصانات طائفية ومذهبية، مما فاقم الأوضاع المعيشية والحياتية. وهذا ما أدّى إلى مرحلة الانهيار التي نعيش اليوم أسوأ تداعياتها حيث إن الناس في وادٍ والسلطة في وادٍ آخر.

الثقافة أساس الوعي

ننتقل مع د. زهير فياض الى الثقافة في إطارها العام وإشكالياتها بدءاً بالكلمة وكيفية تشكلها وما يتصل منها بتفاصيل يومياتنا وما يساهم منها في تشكيل الوعي الثقافي كخلفية اساسية للبنية الاجتماعية، فيقول: «كل الإشكاليات التي تُطرح في المجتمع لها خلفية ثقافية سواء شئنا أو أبينا، حتى الوعي المجتمعي ليس بمنأى عن الثقافة بمعناها الواسع والعميق أي بمعنى أنه لا يمكن أن يكون هناك وعي اجتماعي إنساني قومي إلا إذا كان هناك منطلق ثقافي وخلفية فكرية ينطلق منها هذا الوعي في مقاربة كل المسائل التي لها علاقة بالمجتمع سواء كانت في السياسة أو الأمن أو الاقتصاد وكل مناحي الحياة».

أما في ما يتصل بهذه الإشكاليات، فيؤكد فياض أنها كثيرة فيقول: «طبعاً الإشكاليات الثقافية في بلادنا هائلة لأن المجتمع الذي نعيش فيه يواجه تحديات متنوّعة بعضها، وهذا الأخطر، ذو طبيعة وجودية لا يمكن مواجهتها الا برؤية ثقافية معرفية عميقة للذات بالدرجة الأولى، وشاملة في تشخيصها للأسباب والنتائج، أضف الى ذلك الطبيعة غير المستقرة للأحداث التي تتطلب تركيزاً للمفاهيم وتعميقاً لأسسها وقواعدها في استنباط الحلول».

يقول فياض: «هناك منظوران للثقافة. وهنا تكمن القيمة الحقيقية لمقاربة المسألة الثقافية، هناك مقاربة سلبية تنطلق من اعتبار الثقافة انعكاساً للواقع، وهناك الطرح الآخر الذي ننتمي له والذي يقول إن الثقافة تلعب دوراً نهضوياً وهي ليست انعكاساً لما هو موجود إنما هي رؤيا مستقبلية ورؤيا نهضوية باتجاه تغيير هذا الواقع. والثقافة هي اساس الوعي الذي هو في مفهومنا القومي الاجتماعي أساس الصراع لأنه مرتبط أصلاًً بحركة هذا الصراع ومآلاته النهائية».

كل هذا يشير الى أن الثقافة هي أساس ومنطلق وليست نتيجة، وهنا يؤكد فياض هذا الطرح بالقول: «بالطبع نحن نعتقد أن الثقافة هي أساس ولا يمكن أن تكون نتيجة، النتيجة هي عندما تكون انعكاساً ونحن لا ننظر إلى الثقافة على هذا النحو إنما ننظر إليها باعتبارها قوة تغييرية في المجتمع باتجاهات مستقبلية تحددها الأطر الثقافية التي ننتمي إليها، والا نكون أسرى الفكرة القائلة «العلم الذي لا ينفع كالجهل الذي لا يضرّ» والحزب السوري القومي الاجتماعي نشأفي الأصلحركة ثقافية نهضوية صراعية لها أبعاد في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والفن والأدب أي في كل مناحي الحياة، وحين نتحدث عن النهضة فإننا نتحدث عن فكر وعن عقيدة وعن مذهب سياسي اقتصادي، وعن رؤية فلسفية مدرحية للعالم والوجود ونظرة شاملة للكون والفن، ومفهوم نامٍ عميق للحق والخير والجمال، بالتالي إن الخلفية الثقافية صلبة جداً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتشكل أساس كل المنطلقات الأخرى، سواء السياسة، أو الاقتصاد أو الأمن، أو شكل الحكم ومفهوم الدولة والسلطة وغيرها من الإشكاليات المجتمعية التي تعرض في سياق الحياة».

لكن هناك مَن يعتبر أن الانتماء الحزبي يؤطر الثقافة وهذه فرضية موجودة، ورداً على ذلك يقول: «نحن ننتمي إلى مدرسة فكرية ترتكز على العقل وبالتالي حدودها العقل وإطارها معطيات هذا العقل، مدرسة فكرية علّم مؤسسها «أن المبادئ هي قواعد انطلاق للفكر وليست قوالب جامدة»، مدرسة تؤمن أن العقل هو الشرع الأعلى في المجتمع، وعلينا هنا ربط الأمور ببعضها البعض لكون الفكرة التي نؤمن بها عميقة وشاملة، فحتى النظرية العلمية «نشوء الأمم» التي تشكل جزءاً أساسياً من أطروحة الفكر القومي الاجتماعي تقوم على العقل ومعطياته، وعلى قاعدة أساسية هي نظرية التفاعل المدرحي بالمعطى العام، والتفاعل المدرحي بمعنى نشوء الأمة والمجتمع أي تفاعل الإنسان مع الإنسان وتفاعل الإنسان مع البيئة التي تنشئ العمران وتقيم الحياة وتجسّد وحدة الحياة. وهذه الرؤية هي قمة الدينامية والتطور وتقع على طرفي نقيض مع الجمود والإسقاطات الستاتيكية في فهم الحياة والوجود وحقائق التفاعل بدءاً من المتحد الأصغر الى المتحد الأتمالأمة مروراً بكل البنى الفوق قومية، وصولاً الى العالم بشموليّته، حتى انتماءنا للعالم هو قائم على العقل ومعطياته وتشكل البنية القومية المجتمعية المعبر الوحيد إليه، الى جانب كونها من أساساته الكبرى.

المنطلق اذاً ديناميكي بامتياز، وهو كما أشرت آنفاً في ما يخص النظريةالأساس يرتكز على العقل ومعطياته في العلم والابداع».

الفكر والحزب والثقافة

أما في ما خصّ أن الإطار الحزبي يؤطر الفكر والثقافة فهذا يحتاج لنقاش عميق، لأننا نؤمن أن ما يؤطر الفكر ويمنع تجسيده في الواقع هو أن يُطوى بين دفتي كتاب أو على رفّ من رفوف مكتبة، وما يلغي مفاعيله أن ينفلش أفقياً وفوضوياً دون رؤية وأهداف واضحة في الزمان والمكان فيتحوّل الى هيولى تعوم في فضاء الأفكار دون تحقيق أية فائدة منها في حياة الإنسان والمجتمع، فالإطار الحزبي هوبالمبدأالمؤسسات التي تترجم الفكر ومقتضياته في الواقع السياسي والاجتماعي.

يضيف فياض: «عقيدتنا القومية الاجتماعية التي رسخها انطون سعاده في «المحاضرات العشر» و»نشوء الأمم» وفي الكثير من المؤلفات تنطلق من العقل باعتباره الشرع الأعلى في المجتمع. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على دينامية حقيقية قادرة على محاكاة الواقع وفهم كل جوانبه».

بمعنى أوضح، يقول فياض: «التفاعل لا يعني أن يكون باتجاه واحد، بل بالاتجاهات المتعاكسة أيضاً، فنحن أيضاً نتلقى الأفكار الأخرى في هذا العالم، والحضارة الإنسانية اليوم هي حصيلة هذا التفاعل والتلاقح بين الأمم والشعوب والمجتمعات، وأي فكرة قومية وإنسانية موجودة في العالم لا تلغي ما كان قبلها سواء في المكان أو في الزمان، ولا يضير ان تكون أفكارنا قد تأثرت بفلسفات أو برؤى او بأفكار سواء داخل هذا المجتمع أو خارجه، ولكن الأهم أن يقوم «العقل» الفاعل النامي باتخاذ الموقف المستقلّ من كل هذا الضخ الفكري والاعلامي المعاكس على ضوء نظرتنا الأساسية والمستقلة للأمور، وبما يتوافق مع رؤيتنا لمنظومة المصالح القومية والإنسانية أي مصالح شعبنا وأمتنا في الحياة والوجود، وهنا تجدر الاشارة أيضاً الى أن مجتمعنافي خلفيته التاريخيةكان له الدور الفاعل في التأسيس لمسار الثقافة والحضارة العالمية بالمعنى الفلسفي والعلمي، حيث إننا نمثل أول حضارة قامت في هذا العالم أو إذا أردت نحن من أولى الحضارات القديمة التي نشأت في هذا العالم والتي أرست وأضافت قيماً مضافة سواء في الأبجدية واللغة، أو القانون أو العلم او الفلسفة أوالإدارة وحتى الفن والأدب، فالخلفية التاريخية لأمتنا غنية جداً ولو كنا اليوم في زمن يحكمه التقصير في البناء عليها والتطلع نحو بناء الحاضر والمستقبل تأسيساً على هذه الذاكرة وعلى هذا الإرث العظيم».

أسباب التقصير

وهنا يُطرح السؤال البديهيّ عن أسباب هذا التقصير، ليجيب فياض: «برأيي المسألة مرتبطة بطبيعة التحديات التي تتحكم ببلادنا لناحية موقعها الجغرافي والجيو ـ استراتيجي، وكثر تكلّموا عن وجودنا على خط زلازل سياسي استراتيجي واقتصادي وأمني وعلى كل المستويات، وعدم وجود حالة من الاستقرار لفترات طويلة من الزمن تؤثر وتعطل حركة التقدم والتطور في أي مجتمع من المجتمعات ومن الصعب تخيّل أو حصر التحديات التي مررنا بها، حيث إن هذا المجتمع عانى من 400 سنة استعمار تركي عثماني وهو منذ تلك الحقبة الى يومنا هذا لم يشهد فترات استقرار طويلة اذا أخذنا بالاعتبار الاستعمار الفرنسي البريطاني وما بعده قيام الكيان الاستيطاني اليهودي على أرض فلسطين وما أوجده من تحديات وجودية على كامل البيئة القومية التي ننتمي إليها والتي تشكل الإطار الجغرافي للهلال السوري الخصيب. وهذه التحدّيات المتلاحقة تضطرنا دوماً للمجابهة وكل هذه العوامل أوهنت المجتمع وأضعفته إلى حد ما، ولكن فعل التحدّي والاستمرار في المواجهة بقي مستمرا وفاعلاً، وترسخت أكثر جذوة الصراع».

مفارقة عراقة التاريخ والتردي الراهن

أليست مفارقة أن نكون أبناء حضارة قديمة من قِدم التاريخ ونصل إلى هذه المرحلة من التردي الثقافي في ظل كل التحديات والإشكاليات فهل أغفلنا عراقة وجودنا أم ماذا؟، يجيب: «لعلّي أجبت على هذا التساؤل في الشق الأول من السؤال، وهي فعلاً مفارقة، ولكن مفارقة لها أسبابها، فهذه الأمة التي تختزن كل مقومات الحضارة والغنى الفكري والفلسفي والاجتماعي تعرّضت لمحاولات جادة للاغتيال والاختزال والتهميش والإلغاء، فواجهت وخاضت المعارك التي ربما أتعبتها وأنهكتها، وحدّت من فاعليتها المؤقتة وربما هذا ما أدى الى حالات تراجع ثقافي نرصدها اليوم رغم بقع الضوء الثقافية الواعدة هنا وهناك. وها هي اليوم أمتنا تقف على قدميها لأنها تملك كل مقومات الصمود والبقاء والاستمرار رغم حجم التحديات الهائل ً في الزمان والمكان.

صحيح أن أمتنا منهكة ولكن رغم كل هذا التعب والإنهاك ما تزال تختزن كل مقومات الاستمرار.

اذا أخذنا فقط مرحلة ما بعد عام 2000، يوم طفت في العالم نظرية «صراع الحضارات» و»نهاية العالم» و»محاربة الإرهاب» بعد أحداث 11 أيلول، إذا نظرنا فقط الى هذه الحقبة الزمنية المستمرة حتى يومنا هذا، نرى حجم التحديات على مستوى الجغرافيا الصغيرة والمتوسطة والبعيدة، بدءاَ بالتحدّي الصهيوني الدائم الى اجتياح العراق وتدمير بنية الدولة والجيش هناك وتدمير وكل ما يختزن العراق من حضارة وصروح علمية وحضارية وصولاً إلى الحرب الكونية والحملة الإرهابية العالمية على الشام منذ عشر سنوات والمخططات التي تتناسل من هذه المشاريع وصولاً إلى الساحة اللبنانية ومروراً بالمسألة الفلسطينية التي تعتبر الأساس والتحدي الأخطر المتمثل بالكيان المسخ الذي أقيم في قلب وطننا وفي المنطقة والذي شكّل ويشكل التحدي الوجودي الأول حيث إن الصراع معه ليس صراع حدود وليس صراعاً هامشياً إنما هو صراع أساسي يطال كامل البنية القومية، كل هذه المسارات من تآمر ومخططات وسيناريوات من بعد كامب ديفيد 1 الى كامب دايفيد 2 الى وادي عربة الى أوسلو ومندرجاتها انتهاءً بصفقة القرن، نرى ان كل هذه التحديات الهائلة والمواجهات أعاقت بالطبع مشاريع التنمية والتطوير والحداثة لمجتمعنا وأدت الى هذا التقصير الذي نرى انعكاساته في المشهد الثقافي العام، ولكن كما قلت رغم بقع الضوء الواعدة».

تهميش الصراع مع الكيان الصهيوني

ونسأل فياض عن واقع جعل هذا الصراع مع الكيان الصهيوني أمراً هامشياً بعد إشعال كل الميادين باسم الحرية والديمقراطية؟ فيجيب: «هناك جزء من المشروع الذي له علاقة باختزال الذاكرة وضرب الوعي القومي من خلال محاولة تسطيح وتهميش هذا الصراع وخلق صراعات غير موجودة، للتشويش على المسألة المركزية أي مسألة فلسطين والصراع مع الكيان الغاصب، إلا أن القوى الحية في أمتنا واعية لهذا الأمر وأعتقد أن المقاومة ليس بمعناها العسكري وحسب، إنما بمعناها الشامل أي المقاومة الفكرية والثقافية والسياسية والإعلامية والاقتصادية مازالت تملك البوصلة وتعتبر أن صراعها الأساسي هو مع هذا الكيان المحتل وما عداه هو صراعات هامشية تطفو على السطح، ولكن هذا لا يعني أن لا نتصدى لقضايا تطوير أنظمة الحكم في بلادنا وفي كل كياناتنا السياسية باتجاهات مدنية ووطنية تعزّز فكرة المواطنة والانتماء للمجتمع، وتحسين شروط العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق والواجبات للمواطنين، وتعزيز الحريات الملتزمة قضايا مجتمعنا العامة».

حتميّة التحدّي لربح معركة الجيل الجديد

ننتقل بالحوار إلى المشهد الذي يحاكي جيلاً أسقط من يده الكتاب وأمسك بمحرّك البحث الالكتروني والغوغلي ولم يعد يكلف نفسه عناء البحث أو السؤال، جيل يتعرّض فيه لضخ إعلامي وثقافي متعدّد الهويات والألوان، أثرت على مناحي تفكيره بشكل مختلف عن الأجيال التي سبقته، يقول فياض: «لا شك في أن الجيل الراهن يعيش تحولات هائلة مجتمعية وثقافية واقتصادية، وأشكالاً جديدة من الصراعات داخل المجتمعات وحول العالم، فرضت عليه بالمقابل تبدلات في الإنتاج والاستهلاك وانماط المعيشة وتبدلات في السلوكيات والأخلاقيات الجديدة التي تختلف عن سلوكيات واخلاقيات الاجيال التي سبقته، وهذا يطرح تحدياً كبيراً حول فهم هذه التبدلات وانعكاساتها على وعي هذا الجيل باتجاه المواءمة بين هذه المتغيرات وبين الثوابت الحياتية والتاريخية والاجتماعية والوطنية والقومية، اي بكلام آخر محاولة وصل ما انقطع، او الحفاظ على قنوات التواصل بين الأجيال باتجاه ربح معركة الجيل الجديد، حيث إن التحديات الموجودة آنية ومستقبلية وبالتالي هي ملقاة على عاتق هذا الجيل الراهن.

نريد هنا أن نُسقط من الواقع أهمية العوامل التي أضيفت إلى واقع عالمنا المعاصر وخاصة طفرة التكنولوجيا والعولمة وانفتاح الحدود، فمع نهاية القرن العشرين طفت على السطح نظرية العولمة ومقولة إن العالم أصبح قرية صغيرة، وبالتالي لم تعد هناك خصوصية ثقافية وقومية، حيث ذهب البعض بعيداً وخارج اي منطق موضوعي ليبشر بنهاية الدول القومية بحجة أنه لم يعد هناك أي مبرر لوجودها، بيد أن تطورات الواقع العالمي الراهن أعاد اسقاط هذه المفاهيم التي اتسمت بالمغالاة بالتبشير بالعولمة، حيث نشهد الآن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في أوروبا والعالم ردة عكسية نحو الدولة القومية أو على الأقل اعادة اعتبار للمسألة القومية والمجتمع القومي والدولة القومية باعتبارها حقائق سياسية واجتماعية وتاريخية مؤثرة وفاعلة وتشكل منطلقات لأي ظاهرة فوق قومية اي اقليمية او عالمية او ما شاكل، حيث ما زال هذا العالم رغم كل المتغيرات، ما زال واقع مجتمعات وأمم متمايزة في ثقافاتها وقيمها ونظراتها ورؤاها ومصالحها، وهناك الكثير من الكتب والمؤلفات لمفكرين غربيين في أوروبا واميركا تتحدث عن عودة الدولة القومية، لذا نحن نرى أن القاعدة القومية هي الأساس الراهن لإعادة تشكل محاور إقليمية أو عالمية أو تحالفات حول العالم ترتكز بالدرجة الأولى على المصالح القومية لمجتمعاتها، حيث إنه ورغم نظرية العولمة التي عززها التواصل والتفاعل المضطرد بين الأمم والمجتمعات والشعوب بفعل تطور وسائل الاتصال والتواصل والتكنولوجيا الحديثة إلا أن العولمة ارتكزت على مفهوم المركز والأطراف، حيث إن الأطراف القوية تفرض قيمها ومفاهيمها ومصالحها بحكم امتلاكها أدوات العصر وتوظفها في خدمة مصالحها القومية على حساب الأطراف. فالعولمة نفسها أوجدت نظرية المركز والأطراف بمعنى أن هناك قوة فاعلة وقادرة على ضخّ المعلومة والأفكار بإتجاه واحد وهناك أطراف أي الشعوب التي تتلقى وهنا تغيب فكرة التوازن وتتحوّل شعوبنا الى أطراف تتلقى وتستهلك كل ما يصلها حتى ولو ضمن إطار الأخبار والمعلومة، لكونها غارقة في أزماتها البنيوية على مستوى الهوية والانتماء والبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رغم أنها تاريخياً كانت أساس الحضارة العالمية وأحد أهم مداميكها الحقيقية.

هذا الموضوع يتطلب طبعاً نقاشاً طويلاً حيث إن العولمة ليست شيئاً جديداً لم يحصل في التاريخ الإنساني ولكن، مع فارق أن الجديد هو إطارها واشكالها وادواتها ووتيرتها في الهيمنة والسيطرة. بكلام آخر، العولمة كظاهرة ليست جديدة، ففي كل التاريخ الإنساني نجد هيمنة امبراطوريات وتفوق وغلبة لأمم قوية على أمم أخرى ضعيفة بداعي الفارق في التقدم الصناعي او العلمي او السياسي او العسكري او الاقتصادي وامتلاك أدوات السيطرة والهيمنة، هكذا كانت روما وهكذا كانت العديد من الإمبراطوريات حول العالم».

ويضيف فياض في إطار متصل: «إن العولمة كما تمّ الترويج لها بإنها الوحدة العالمية الإنسانية أثبتت التجارب عدم واقعيتها، وأثبتت الوقائع أن الحقائق القومية هي الثوابت وسط هذا العالم المتغيّر، أي العالم باعتباره واقع مجتمعات وأمم، ليس بالضرورة أن تكون في حالة تصادم، حيث لا يمكن لأحد إلغاء الاخر وثقافته وقيمه».

 ويتابع: «إن نظرية العولمة كما تم طرحها لم تعُد موجودة وعلى سبيل المثال لا الحصر نشهد اليوم خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ومسألة التجارة الحرة وفتح الحدود ليست مطلقة بل تخضع للاستنسابية عند التطبيق، اذ نرى أن الولايات المتحدة الاميركية عندما شعرت أن مصالحها الاقتصادية والتجارية مهدّدة، وضعت قيوداً جمركية خاصة على حركة الاستيراد خاصة من الصين مما يعني أن المصالح القومية لهذه الشعوب لا تزال قائمة، وهذا يدل إلى أن الأمم والشعوب لا تزال المداميك التي تقوم عليها العمارة الإنسانية ولا توجد إمكانية لاختزال هذه الأمم والقوميات وهذه الشعوب، واذا ما عدنا الى سعاده فهو حين سُئل في اربعينيات القرن الماضي «هل يمكن للعالم أن يصبح أمة واحدة؟» أجاب «مَن يدري؟». ولم يجب بـ «نعم» أو «لا» لأن منطلق سعاده حول مسار تشكّل الأمم عالجه في كتابه «نشوء الأمم» حيث إن الأمة تنشأ نتيجة تفاعل الإنسان مع الإنسان أي تفاعل الجماعات مع بعضها البعض في البيئة ومعها، حيث إن المسار الطويل لهذا التفاعل المرتكز على الدورة الاقتصادية الاجتماعية الواحدة يؤدي الى تشكل وحدة الأمة وهويتها وكيانها المستقل. وهذا المسار التفاعلي مع البنى الفوق قومية يمكن أن يوصل الى تشكل الإقليم ومصالح الإقليم المتوافقة مع مصالح اطرافه القومية، بيد أن الحقيقة الصارخة تؤكد أن واقع التفاعل الموجود بين المجتمعات، والتطور الموجود في زمننا لم يتمكن حتى الآن من إلغاء الحدود الطبيعية رغم كل الانفتاح والتفاعل والعلاقاتً سواء في التجارة أو الاقتصاد، حيث شكلت البيئة القومية الحاضنة أو الوعاء القوميّ الذي لا يمكن لأحد أن يلغيه».

ويؤكد فياض في ختام المحور الأول من الحديث أنه متفائل جداً بالمستقبل لقناعته الراسخة بأن بلادنا تملك مقوّمات الانتصار المستقبلي بالمعنى الحياتي، ولو أننا نمرّ في مرحلة من أخطر وأصعب المراحل، إلا أن بقع الضوء كثيرة والتحدّي يستمر.

المقاومة ونظرية الحياد

في المحور المتعلق بالمقاومة ونظرية الحياد، يقول فياض: «هذه المسألة مركبة ومعقدة ولها جوانب عديدة. في الماضي في العام طُرح مشروع سايكس بيكو التقسيمي الذي اعتمد المعيار الجغرافي للتقسيم حيث كانت الجغرافيا هي المعيار الأساس لناحية تقسيم هذه المنطقة، ولكن هذا التقسيم لم يلغِ الوحدة الحقيقية، أي وحدة الحياة والتواصل الحياتي بين هذه الكيانات السياسية الهشة، ولا ألغى هذا التقسيم المخاطر الواحدة، ورغم كل هذا التقسيم السياسي، ما فتئت الأمة تعيش الدورة الاقتصادية الحياتية الواحدة، رغم كل الحدود الموجودة بين لبنان والشام وبين الشام والعراق وبين كل كيانات الأمة، حيث بقيت هذه المنطقة مرتبطة بعضها ببعض على الأقل اقتصادياً لدرجة أن حركة تبادل البضائع كانت ومازالت قوية جدا، حيث أنه اذا تم إقفال الحدود لساعتين فقط سنعاني من مشكلة حقيقية إن على صعيد تصريف الإنتاج أو تبادله، من هنا يمكن التأكيد أن تقسيم سورية الطبيعية جغرافيا لم يؤدِ الغرض المطلوب منه بوأد حركة الحياة في هذا المجتمع، لذلك نحن اليوم أصبحنا نواجه مشروعاً أكثر دهاء وخطورة وهو عبارة عن سايكس بيكو من نوع آخر، أي سايكس بيكو اجتماعي يدخل إلى قلب المجتمع في محاولة لتفكيكه من الداخل إن كان على مستوى النزعات الفئوية سواء كانت طائفية او مذهبية أو حتى طبقية وهذا جانب اقتصادي طبعاً، وإن كان على مستوى تغيير الوعي لدى الناس من خلال الادوات المتاحة اليوم من ضخ اعلامي وثقافي وما شاكل.

اذاً نظرية الحياد لم تأت في سياق متصل برؤية مستقلة للمسائل والأمور، أو نتيجة واقع جيوسياسي ثقافي حضاري كما المثل السويسري، انما جاءت في سياق متصل بالمشروع الصهيونيالتوراتي التاريخي وارتباط هذا المشروع بالمصالح الاستعمارية الكبرى في بلادنا، والهدف منها أي نظرية الحياد إخراج انتقائي لكياناتنا السياسية ودولنا الضعيفة من دائرة ومعادلة الصراع، وبالتالي اضعاف الموقف القومي العام، أضف الى ذلك أن نظرية الحياد السخيفة لا تُخرِج فعلياً أي كيان من دائرة الاستهداف، فيصبح الموقف كمثل «من يريد أن يتزوج فتاة من عائلة أخرى، هو وأهله وأفراد أسرته موافقون على هذه الزيجة، يبقى أن توافق الفتاة نفسها وأهلها وأفراد أسرتها».

ويضيف في الإطار نفسه: «موقفنا من هذا الموضوع هو استمرار للفكرة الأساس التي طرحها سعاده حين قال إن قيمة لبنان أن يكون نطاق ضمان للفكر الحر الرائد وقيمة هذا الفكر أن ينتشر ويشعّ في كل سورية الطبيعية والعالم العربي أيضاً، إلا أن التركيبة الهشة في لبنان تعكس نفسها على الواقع الثقافي حيث إنه عندما تكون هناك سطحية في السياسة وفي الاقتصاد بمعنى أن لا يكون هناك وعي لتقبل فكرة وحدة الاقتصاد الذي نتحدّث فيه دوماً ونشير إلى ضرورة إنشاء مجلس التعاون المشرقي، وحين لا يكون هناك فهم لحقيقة الخطر الاستيطاني الصهيوني الذي يشمل لبنان، وحين يخرج البعض بأفكار هجينة وغريبة مثل فكرة الحياد والنأي بالنفس، وهي إن دلت على شيء فإنها تدل على مستوى العقم الفكري والثقافي والسياسي الموجود عند بعض من يسمّون انفسهم نُخباً سياسية. وإذا سرنا بنظرية الحياد، كما قلنا آنفاً فهل هذا يعني أن لبنان لن يبقى في دائرة الاستهداف؟ طبعاً لا. ما هو مفهوم الحياد؟ نحن أساساً في قلب الاستهداف وما يتم طرحه هو عبارة عن افكار سطحية نتيجة هذا العقم، والردّ الحقيقي الذي من واجب القوى الحية النهضوية أن تشدّ على بناء الوعي. وهذا لا يتم بين ليلة وضحاها والمشكلة هي أننا في سباق مع الزمن بين بناء الإنسان وبين التحديات الراهنة، يعني حين يكون هناك خطر وجودي مثل داعش والإرهاب والتطرف الديني إلى جانب الخطر الصهيوني المستمر هنا، فإن الاولوية تكون للصراع على الوجود بكل أشكاله».

ويستطرد في إطار متصل: «انطلاقاً من هذا الطرح أريد الدخول إلى فكرة المقاومة التي هي ابنة الواقع وطبعاً هناك تاريخ من المقاومة في بلادنا طويل، وفي كل حقبات التاريخ الموغلة في القدم، ولكن، في مقاربة لمقاومة الاحتلال الاستيطاني اليهودي على أرض فلسطين، فنحن أول من نبّه الى الخطر الصهيوني على لسان سعاده حتى قبل قيام «الكيان الغاصب» في العام 1948، وكنا أول من أنشأ المقاومة القومية الشاملة في الميدان وفي الفكر وفي الثقافة وفي كل الميادين. وهذه المقاومة هي الخيار الوحيد في مواجهة الخطر الصهيوني وإفرازاته، من مقاومة شعبنا في فلسطين، الى المقاومة في لبنان منذ ما قبل جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ومعها وبعدها، أما مساهمتنا فكانت تأسيسية في كل الساحات والميادين، وفي لبنان تحديداً ان المقاومة الوطنية التي بدأت في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي عام 1982 كان لحزبنا شرف إطلاقها وشرف المشاركة فيها بقوة وفعالية ولدينا كوكبة طويلة من الشهداء إضافة إلى الأحزاب الوطنية الأخرى من الشيوعي إلى البعث والناصريين وصولاً إلى المقاومة الاسلامية الموجودة اليوم والتي هي استمرار لهذا الخط التاريخي المقاوم.

كما أن الفعل المقاوم يشمل الآن الشام التي تتعرض لحرب كونية وهي تحمل الآن مشروع المقاومة ليس دفاعاً فقط عن الدولة في الشام، بل عن كل الأمة لأن مشاريع التقسيم والتفتيت الجديدة ركزت في العقد الزمني الأخير على ضرب الشام باعتبارها العمق الاستراتيجي لكل المقاومات من العراق وصولا الى فلسطين، وما يجري في العراق لا يخرج أيضاً عن هذه السياقات.

الغزو الثقافي وكيفية الردّ

يستطرد فياض في شرح الغزو الثقافي الذي يستخدم كل إنجازات العلم وتطور ادوات التواصل لإغراقنا في مجموعة من المفاهيم التسطيحية الاختزالية التهميشية للهوية والانتماء والتاريخ والحضارة بهدف إخراج إنساننا من معادلة الالتزام والانخراط في قضايا مجتمعه وأمته وبلاده. ويضيف أنه بالرغم من كل هذا الضخّ ما زالت القوى الحية تحافظ على تماسكها وعلى بنيتها، وهي مدعوة اليوم للانتقال من الموقع المدافع الى موقع الهجوم بالمفاهيم النهضوية الحقيقية المنقذة بتعزيز الهوية والانتماء وتعزيز المواطنة والبعد المدني للبنى السياسية في بلادنا، ومدعوة أيضا لامتلاك أدوات المواجهة.

وقد تمكنت النخب النهضوية في مجتمعنا من الحفاظ على الحد الأدنى المطلوب فنياً رغم ما عانته وتعانيه»، ويقول: «لعل دمشق وما تمثله لكونها قلب الأمة النابض ورغم الحرب التي شُنت على الدولة السورية إلا أن الانتاجات الدرامية والسينمائية لم تتوقف وكذلك الامر بالنسبة للانتاج الادبي والفكري والشعري والاكاديمي في كامل دولنا خاصة في لبنان والاردن والعراق وفلسطين، طبعاً هناك تقصير في الرعاية والاحتضان الرسمي لهذه المبادرات. ورغم التجارب المهمة الا أنها لم تلقَ الدعم المطلوب من الجهات المعنية في هذه الدول على امتداد الساحة القومية، وهذا ينطبق على المبادرات في المجال الفني والمسرحي والدرامي خاصة في لبنان والشام ومن الأمثلة على سبيل التعداد لا الحصر تجربة مسرح المدينة في بيروت ورائدتها الأمينة الفنانة نضال الأشقر.

وهذا ينطبق على مواجهة الغزو الثقافي والفني الأجنبي عبر الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية ونحن كقوميين الى جانب كل القوى الحية في مجتمعنا نحاول التصدي لهذا الضخ الهجين لكونه يشكل تطبيعاً ثقافياً هجيناً يضرب بنية المفاهيم ومنظومة القيم في بلادنا، وخاصة ما يتصل بالتطبيع الثقافي مع الكيان اليهودي الاستيطاني في فلسطين، إذاً المسألة تتطلب المزيد من التحصين الذي هو مسؤولية جميع القوى النهضوية التي تعتبر نفسها حاملة قضايا هذا المجتمع على كل المستويات. وهذه مسألة يجب أخذها بعين الاعتبار لأنه حين نتكلم عن المقاومة لا نحصرها بالجانب العسكري لأن المقاومة هي نسيج مجتمعي متكامل ومحصّن ومتراص اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وفنياً».

وفي ما يتصل بالطرح الدرامي الذي يتناول إنجازات المقاومة ولكن في إطار جزئي تُغيَّب باقي الاطراف الوطنية يقول فياض: «ما تشيرين إليه قد يثير بعض الحساسيات، ولكن بطرحك فتحت المجال للكلام المسؤول، لعل الأزمة الحقيقية تكمن في النظام السياسي وفكرة الانتماء والمواطنة وهذه الفكرة لم يتم تدعيمها منذ إعلان دولة لبنان الكبير وما يُسمى الاستقلال وحتى يومنا هذا، حيث إن أي انجاز مجتمعي كالمقاومة بدل أن يعتبر انجازاً للمجتمع بكليته يقوم البعض بتنسيبه طائفيا، ولكن، بالطبع التيار الوطني والقومي في لبنان موجود واساسي ومتجذر رغم أن طبيعة التركيبة السياسية الطائفية عمقت الهوة بدل ردمها، وهذه ايضاً وايضاً مسؤولية قوى النهضة في تصحيح الخلل في النظرة للأمور».

المقاومة هي الخيار الأوحد في مواجهة صفقة القرن وغيرها من النسخ التآمريّة

أما في ما يتصل بالمواجهة السياسية والميدانية والفكرية والثقافية لما يُسمى صفقة القرن يقول فياض: «الكفاح المسلح هو الأساس في هذه المواجهة، ولكن حين يتم الحديث عن المقاومة فإننا نتحدث عن واقع موجود وهناك قوى موجودة تحمل مشروع المقاومة بكل ما لهذه الكلمة من معنى وقد تكون بحاجة لإنضاج برنامج سياسيعسكري اقتصادي قومي شامل، إنما جذوة المقاومة والصراع موجودة في شعبنا وهو يحقق إنجازات. والدليل فشل مشروع تقسيم الدولة السورية التي هي المظلة لكل قوى المقاومة وشكلت على الدوام عمقها الاستراتيجي، وما أنجزناه يدعم انتصارنا في وجه صفقة القرن وأي صفقة غيرها، والشعار على باب الكنيست الإسرائيلي الذي يقول «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل» ما هو إلا تأكيد على أن صراعنا مع هذا الكيان هو صراع وجود وهذا ما قاله سعاده منذ البداية. باعتقادي رغم كل ما يحيط بنا من سوداوية إلا أن الكيان الصهيوني مأزوم بالمعنى النفسي والمادي، وصفقة القرن نسخة مكرّرة وهدفها تسخيف الصراع ومواجهتها قائمة وفكرة السلام مع هذا العدو ساقطة، والأنظمة المرتهنة لا تملك قرارها ولا يمكنها ان تلغي الوعي لدى الشعوب. في المحصلة حين نبني وعي قومي وطني سنصل إلى مرحلة الهجوم ونخرج من دائرة الردع».

في الختام يستعرض فياض سلسلة الفعاليات والأنشطة والندوات الفكرية التي اقامتها عمدة الثقافة فيقول: «أقمنا العديد من الندوات الفكرية والثقافية التي واكبتها البناء وكانت حاضرة في كل واحدة منها، ولكن من المفترض أن نضع خطة لمحاكاة جيل الشباب وهمومه وقضاياه حتى نعيد وصل ما انقطع بينه وبين قضايا مجتمعه والمنطلق يكون من التربية والوعي وامتلاك الادوات. ويجب أن نستخدم كل الادوات الممكنة بما يخدم قضايانا مع التأكيد على ضرورة تطوير مناهجنا التربوية وصياغة كتاب تاريخ واحد موحد، لأن الذاكرة تلعب دوراً كبيراً في تحصين البنية الاجتماعية.

في النهاية لا بد من توثيق هذه الذاكرة بمختلف الطرق سواء بالكتاب أو القرص المغناطيسي أو الشريحة الالكترونية، الأدوات هي تفاصيل، الأهم هي الرؤية العميقة للمسائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى