أولى

انتخابات «الكنيست»: احتمالات مفتوحة…

 سعادة مصطفى أرشيد*

لم تأتِ النتائج المعلنة لانتخابات الكنيست «الإسرائيلي» بأية مفاجآت، وبالتالي لن يكون هناك أيّ تغيّر يُذكر في خرائطهم السياسية، إذ ربحت قائمة مقعدين وخسرت أخرى بالقدر ذاته، ولكن بنيامين نتنياهو وإنْ اعتبر نفسه الفائز في هذه الجولة الانتخابية لا زال أمامه كثير من الصعاب لتشكيل الحكومة المقبلة، فهو بموجب النتائج المعلنة لا يستطيع تأمين النصف + 1 من أعضاء الكنيست وإنْ كان ذلك قد يحصل، ولكن الاحتمالات الواردة هي:

أولاً، أن يبقى بنيامين نتنياهو رئيساً لحكومة تصريف أعمال ريثما يستطيع أن يؤمّن أغلبية برلمانية.

ثانياً، أن يستطيع خصمه الجنرال المتقاعد بني غانتس أن يحصل على الأغلبية ويشكل الحكومة مدعوماً من القائمة المشتركة (القائمه العربية) التي قد ترى في بني غانتس أهون الشرّين.

ثالثاً، الذهاب إلى انتخابات رابعة في سابقة سياسية فريدة.

رابعاً، يبقى الاحتمال الضئيل وهو أن تتفق القائمتان الأكبر على تشكيل حكومة مشتركة أو حكومة «وحدة وطنية».

في ظني أنّ الاحتمالات كلها واردة وإنْ بنسب متباينة، فحظوظ نتنياهو لتشكيل حكومة يمين متطرف هي الأقوى، وإنْ كانت الفرص لا زالت متاحة أمام خصمه، الأمر الذي يعيدنا إلى محاولة التعرّف على الجنرال المتقاعد بني غانتس، فقد خدم كرئيس أركان الجيش ويعتبر نفسه خبيراً في الشأن اللبناني، إذ إنه شارك في معظم الحروب على لبنان ابتداء من عمليه شمال الليطاني، وكان على معرفة وصداقة مع سعد حداد وأنطوان لحد، كما كان آخر قائد لوحدة الارتباط مع جنوب لبنان (دولة أنطوان لحد)، لهذه الأسباب اختار أن يختتم حملته الانتخابية على الحدود الفلسطينيةاللبنانية حيث أطلق آخر طلقاته الانتخابية من هناك متوعّداً سورية وإيران وحزب الله، وقد خصّ لبنان بحصة وافرة حيث ردّد أكثر من مرة: لا تجرّبونا، سنضرب لبنان بقوة لم يشهد لها لبنان مثيلاً.

بالطبع لم يغفل الجنرال المتقاعد حصة غزة من تهديداته، وهكذا فإنه يحاول السير على خطى منافسه نتنياهو ذاتها ويستعير خطابه لا بل ويزيده غلواً وتطرفاً وعدوانية، ويجعل من المعركة الانتخابية تدور بين يمين شديد التطرف ويمين متطرّف.

أما بنيامين نتنياهو فقد اختار مستوطنة «معاليه ادوميم» المجاورة للقدس مكاناً لآخر خطاباته الانتخابية، ثم ألحقها بمقابلة مع صحيفة (ماكور ريشون) العبرية أطلق خلالها سيلاً من التهديدات طالت سورية وإيران ولبنان وغزة، ولكنها تجاوزت ذلك لتصيب برذاذها السلطة الفلسطينية في رام الله والدولة الأردنية، فقد أكد أنه غير مكترث إنْ بقيت السلطة أم انهارت أو رحلت من تلقاء ذاتها، وكذلك فهو لا يبدي قلقاً في حال قامت الدولة الأردنية بإلغاء اتفاقية السلام (اتفاقية وادي عربة). فكلّ ذلك أمور ثانوية برأيه، أما الأمور التي يراها مهمة وتحدّث عنها باستفاضة وتبجّح سواء في خطابه أو في المقابلة الصحافية المذكورة، فكان تعداده لأرقام الوحدات السكنية الاستيطانية التي أُقرّ بناؤها في أراضي مستوطنات الضفة الغربية ورفدها بالميزانيات السخية، وعن مساحات الأراضي الفلسطينية التي صادرها لصالح المستوطنين. وإذا كانت هذه هي الأمور المهمة فإنّ الأمور الأهمّ برأيه هي الاجتماعات التي بوشرت لبدء أعمال اللجنة الأميركية – «الإسرائيلية» لرسم خطوط (لم يستعمل كلمة حدود) دويلتنا الفلسطينية الموعودة، وأنها تعقد اجتماعاتها بتواصل في مستوطنة ارئيل المحاذية لنابلس، وانّ طول هذه الخطوط سيتجاوز 800 كلم، وأكد على ضرورة الإسراع في توقيع قرارات الضمّ النهائية لأراضي المستوطنات الكبرى والأغوار وشمال البحر الميت وذلك بأسرع وقت ممكن. وقال: اعتقد أنّ سرعة التنفيذ لها أهمية قصوى وذلك خشية من متغيّرات إقليمية ودولية سوف تطرأ خلال الفترة المقبلة. بالطبع كلّ ذلك ممكن شريطة ان يكون هو رئيس الحكومة.

فما هي المتغيّرات التي قد تطرأ ويخشاها نتنياهو ويريد الاستعجال باتخاذ قراراته بالضمّ وفرض الأمر الواقع قبل حدوثها؟ لعلّ منها الانتخابات الرئاسية الأميركية وعدم اليقين إنْ كانت نتائجها ستعيد صديقه وحليفه ترامب إلى سدة الرئاسة، أم أنها ستأتي برئيس ديمقراطي قد يفضل أن يكون صديقاً لغيره من ساسة دولة الاحتلال. لكن ظني يذهب أيضاً باتجاهات أخرى وعلى رأسها أنّ المتغيّرات التي يخشاها نتنياهو أكثر ما يخشى هي الجارية في الإقليم، فالمعركة الدائرة في الشمال السوري بين الدولة السورية وعصابات الإرهاب والجيوش الداعمة لهم، قد تحدّدت خطوط نهايتها باتجاه انتصار الدولة السورية وهزيمة الإرهاب وداعميه، وما المعارك الدائرة اليوم إلا محاولات التركي للخروج ببعض ماء الوجه أو لإطالة زمن الحرب وتأخير إعلان النصر، إلا أنها لن تغيّر من مآلاتها التي أصبحت معروفة، ومعركة إنهاء الاحتلال الأميركي في المشرق قد بدأت تؤتي أُكلها وأولى ثمارها في الاتفاق بين الدولة الأقوى والأكثر غطرسة في العالم مع حركة طالبان التي كانت حتى الأمس القريب مصنّفة أميركياً كمنظمة إرهابية وخاضت أميركا ضدّها حرباً طويلة لقرابة عقد ونصف العقد وتجاوزت أكلافها نصف تريليون دولار، وها هي قد انتهت بخروج الأميركان صفر اليدين. وجدير بالذكر أنّ الاتفاق كان بمعزل عن الحكومة الأفغانيةصنيعة الأميركان، وقد قضى الاتفاق بالانسحاب من أفغانستان خلال 14 شهراً وبعدم التدخل الأميركي في الشأن الداخلي الأفغاني، الأمر الذي يعني إطلاق يد حركة طالبان للفتك بصنائعهم وعملائهم.

ويخشى نتنياهو أكثر ما يخشى من فتح وتواصل الطريق الممتدّ من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والذي قد ينتهي بغزة، الأمر الذي دعاحسب ما أشيعرئيس جهاز الموساد وقائد الجبهة الجنوبية في جيش الاحتلال إلى زيارة الدوحة، بهدف حث القطريين على مواصلة الدعم المالي لقطاع غزة والذي يمرّ عبر تل أبيب، وذلك بسبب مخاوفهم من أن تقوم دولة أو جهة غير مرغوب فيها بملء الفراغ المالي الذي سيحصل في حال توقف تدفق المال القطري، إضافة إلى الخوف من أنّ تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في القطاع سوف يؤدي حكماً إلى تدهور الأحوال الأمنية غير المستقرة أصلاً على الحدود الشمالية لقطاع غزة.

في الوقت ذاته يبدو أنّ حركة حماس قد حرّكت الماء الراكد وذلك بإظهار رغبتها في إعاده صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية بعد الهزّات التي تعرّضت لها اثر سقوط حكم الإخوان في مصر وما أصاب تقديراتها من خلل أثناء الأزمة السورية، فها هي علاقاتها تتطوّر مع إيران وروسيا إثر زيارات رئيس مكتبها السياسي لكلّ من طهران وموسكو، وما صدر من تصريحات على لسان قادتها من إشادة بالدور الإيراني والرثاء المستفيض للجنرال قاسم سليماني ودوره الحاسم في دعم المقاومة وخاصة حركة حماس (وفق تصريحات هنية)، ثم ما قالوه عن لقاء هنية ـ لافروف بأنه كان مثمراً وأنّ وجهات النظر بين الرجلين قد تطابقت تجاه الملفات الثلاثة التي تمّ بحثها وهي: صفقة القرن والمصالحة الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين الاتحاد الروسي وحركة حماس.

ما يهمّ أنّ أوهام بعض منا حول نتائج انتخابات الكنيست وأنها ستأتي بـ «شريك إسرائيلي»، أو أنّ جهود لجنة التواصل بـ «المجتمع الإسرائيلي» كان لها أيّ أثر على نتائج هذه الانتخابات لم تصمد أمام النتائج المعلنة، فقد أسقطتها النتائج كما ستسقطها التطورات التي حذر منها نتنياهو وعلى رأسها تواصل طريق الجبهة الشرقية وخاصة بعد أن يحطّ الطريق رحاله في غزة، الأمر الذي سيسرّ الصديق ويكيد العدى.

 

*سياسي فلسطيني مقيم في الضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى