الوطن

عودة المغتربين والطلاب ليست صفقة سياسية أو للمزايدة…

} علي بدر الدين

يخطئ من يعتقد أو يظنّ انّ انتقاد الحكومة او دعوتها لإنجاز ما وعدت اللبنانيين فيه او اتهامها بالتقصير في مكان ما هو استهداف لها والتصويب عليها وتحميلها ما لا قدرة عليه، ونحن ندرك تماماً أنها جاءت في الزمان الصعب المثقل بما ورثته من ديون وأوضاع اقتصادية ومالية يُرثى لها، ومن أزمات اجتماعية ومعيشية مزمنة ومتراكمة خلّفتها جميعها الحكومات السابقة أقله منذ اتفاق الطائف. وندرك أيضاً انّ ولادتها كانت متعثره وتشبه ما سبقها من حكومات شكلاً ومضموناً ومحاصصة مع فارق أنها تمثل فريقاً سياسياً واحداً مع انّ الحكومات المتعاقبة تمثلت فيها معظم القوى السياسية. غير انّ هذه الحكومة تأقلمت مع هذا الواقع وتجاوزت عقدة عدم تمثيل الفريق السياسي الآخر وباتت بأدائها تمثل أكثرية الشعب اللبناني، ولكن هذا لم يمنع هذا الفريق أو معظمه من التشكيك فيها وبتمثيلها ودورها رغم رغبة معظم هذا الشعب بوجودها وشرعية تمثيلها وان لا بديل عنها في ظلّ الضغوط والأزمات التي تعصف بالبلد.

انّ أمل اللبنانيين من حكومة مواجهة التحديات العبور بين الألغام لترجمة بيانها الوزاري ووعود رئيسها بامتلاك القدرة على المواجهة ووضع قطار الدولة ومؤسّساتها على السكة الصحيحة ولم يكن في الحسبان او في أجندة الحكومة او غيرها من القوى السياسية الموالية والمعارضة انّ اعصاراً سيضرب لبنان بشدة اسمه فيروس كورونا، كما أكثر من مئة دولة في العالم، ويقتل البشر ويعطل الحياة ويطيح بالأحلام والطموحات والمشاريع، ويفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والمعيشية ويفرض حجراً على كلّ الناس وعلى لبنان دولة وحكومة ومؤسسات على أنواعها إعادة النظر ومراجعة الحسابات بكلّ صغيرة وكبيرة والتفرّغ كلياً لجبه هذا التسونامي الذي لا يرحم.

وقد استنفرت الحكومة ووظفت ما تملك من إمكانيات طبية متواضعة واستعدّت للمواجهة ويسجل لها نجاحها في إدارة مواجهة هذا الوباء والتقليل من الخسائر لغاية الآن، وزادت من إجراءاتها الوقائية بإعلان التعبئة العامة والتشديد على التزام الجميع بالحجر المنزلي وتحت الضغط السياسي أعلنت نصف حالة طوارئ عامة ليلية فقط في قرار يرضي المؤيدين لإعلان حالة الطوارئ العامة والرافضين لها والمتحفظين عليها، وقد تجاوزت بهذا القرار مطبّاً خلافياً كاد ان يتحوّل الى مادة سجالية ليس وقتها لتضاف الى دائرة الصراع المحتدم داخل الطبقة السياسية على المحاصصة وحصة وحجم كلّ فريق من التعيينات الإدارية والمالية والقضائية وقد نسي البعض انّ اللبنانيين في الحجر وبعضهم يعاني ويموت في المستشفيات وآخرون يعانون القلق والرعب وفي حالات نفسية صعبة، وانّ المغتربين يستغيثون في غربتهم القاسية، والبلد تتفاقم خسائره، ولم تكتف هذه الطبقة السياسية بما كدّسته من أموال وثروات ومن تسلّط ونفوذ واستئثار على مدى ٣٠ سنة وكأنها تريد الانتقام من الشعب الذي تجرّأ في زمان ما أو مكان ما وصرخ في وجهها وطالبها بإعادة ما نهبته من أموال عامة وخاصة لأن لبنان وشعبه بأمسّ الحاجة إليه اليوم قبل الغد.

على الحكومة ورئيسها قول الكلمة الفصل وفرض سلطتها وهيبتها والإسراع بإنجاز التعيينات وفق الكفاءة والنزاهة والأصول من دون مراعاة لأحد، والقفز فوق التهديد والوعيد والترهيب مع إدراك الجميع لصعوبة اللجوء إلى هذا التدبير الاستثنائي وما قد ينتج عنه من تداعيات، والمثل المصري يقول «امشي عدل يحتار عدوك فيك»، ولأنه لا بدّ لإنقاذ لبنان من شجاعة وجرأة في اتخاذ القرارات التي تكون على مستوى الأخطار والتحديات وإلا ما هو الذي سيميّز هذه الحكومة عما سبقها وهي وحدها ستتحمّل مسؤولية السقوط والانهيار لانّ سكاكين هذه الطبقة ستذبحها إذا وقعت.

انّ سياسة التجميد والتأجيل ليست حلاً بل هي تعقيد لأيّ حل ممكن واستمرار لنهج الفساد والمحاصصة والعقلية السياسية التقليدية المصلحية والنفعية، وهذا يعني أنّ الحكومة سقطت في اول اختبار جدي لها وانعدمت ثقة اللبنانيين بها والمجتمع الدولي الذي يشترط للمساعدة إجراء الاصلاحات ووضع حدّ للفساد المستشري في كل مكان في جسد الدولة ومؤسساتها وكل القطاعات الحكومية والإنتاجية والمصرفية.

قد يتهمنا البعض بالمبالغة في مقاربة الأوضاع وتبسيط طريقة الحلول المطلوبة وبدائل الحكومة وقدرتها على الإصلاح وعلى مواجهة طبقة سياسية متمرّسة في سياسة الاحتيال والالتفاف على أيّ قرار او إجراء يقلل من حضورها ونفوذها وينزع منها جزءاً من مكاسبها وهي على استعداد لإسقاط الهيكل على الجميع على قاعدة عليّ وعلى أعدائي. وكيف لحكومة ان تواجه أؤلياء نعمتها من الطبقة السياسية التي أنتجتها وهي قادرة بأقلّ الوسائل على إسقاطها.

ولا يمكن الرهان عليها ما دامت هذه الطبقه تملك من القوة والنفوذ والاستبداد ما يكفي لإفشال كلّ الحكومات التي تشكلها والحلول التي تستهدفها.

انّ السجال المحتدم حول إعادة المغتربين الى وطنهم ليس في محله وتوقيته لأنه قرار بديهي ومطلوب اتخاذه عندما تفشى الوباء في الدول التي يتواجد فيها مغتربون وطلاب يرغبون بالعودة إلى الوطن، وخاصة بعد ان نجحت الحكومة ووزارة الصحة بإجراءاتها وتدابيرها الوقائية واستحوذت على تقدير دول تعاني ومنظمة الصحة العالمية.

من حق المغتربين والطلاب طلب العودة ومن واجب الدولة الاستجابة الفورية واتخاذ ما يلزم لتسهيل هذه العودة مالياً ولوجستياً ووقاية صحية مشدّدة حفاظاً على سلامة الجميع وليس مقبولاً وحال الطلاب الذين ضاقت بهم السبل المالية والمعيشية، وتعرّض البعض منهم لضغوط نفسية من القلة والخوف من المرض وهم بعيدون عن عائلاتهم وقد تعرّضوا لسطوة المصارف وظلمها وقد حجبت عنهم حقهم في المال الذي يرسل إليهم ان تتحوّل عودة من يرغب من هؤلاء الذين غرّبتهم سياسات الحكام الظالمة والفاسدة الى صفقة مزايدة يسوّق لها أو إلى أزمة سياسية مع تقديرنا للحرصاء على المغتربين ولهؤلاء تاريخ حافل للحفاظ على الاغتراب وحماية المغتربين ومصالحهم والأمثلة كثيرة.

الحكومة أعادت النظر بموقفها السابق من عودة المغتربين والطلاب، وهي فعلاً بدأت بإجراء المقتضى لتسهيل هذه العودة، وأعتقد أنّ قرارها الحاسم سيتخذه مجلس الوزراء في جلسة اليوم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى