الوطن

اقتصاد منظمّات الإرهاب تركيُّ الرعاية بإشرافٍ أميركيّ

} د. وفيق ابراهيم

أكثر من مئة الف إرهابي وخمسين الف مسلح كردي يمولون كافة احتياجاتهم المتنوعة من سرقة آبار النفط في شمال العراق وشرق سورية، والانتفاع من حركة توريد البضائع عبر الحدود التركية الى المناطق المحتلة في هذين البلدين.

المستفيدون هم بالطبع آل البرازاني في كردستان ومنظمة قسد الكردية في شرق سورية وعشرات المنظمات الإرهابية في داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام ومنظمات الاخوان المسلمين والتشكيلات التركمانية والايغورية.

هناك أيضاً مستفيدون أكبر من فئة الاحتلال الأميركي في تلك المناطق والجيش التركي الذي يحتل مساحات واسعة في مناطق تواجد هذه التنظيمات في سورية والعراق وصولاً الى حدوديهما مع تركيا.

 وهناك أيضاً مُسوّقون أتراك الى جانب ممثلين عن شركات أميركية يشرفون على نقل المسروقات من تركيا الى اسواق البيع، ويدخلون في اطار المستفيدين الاساسيين وهم ينتمون الى زبائنية الرئيس التركي اردوغان فيما تحظى الشركات الأميركية ببركات الرئيس ترامب الأميركي ايضاً.

كيف يجري التهريب؟ تجتاز شاحنات النفط المسروق الآبار في كركوك وكردستان نحو الحدود التركية بغطاء من «البشمركة» البرازانيين فيتسلمها عند الحدود مع تركيا رجال مخابرات مع ممثلين لشركات التسويق التركية الأميركية، فيما يقبع في خلفية المشهد أمنيون من المخابرات الأميركية.

لجهة شرق الفرات السورية فيبدو ان القوات الأميركية التي تحتل المنطقة تعمّدت نشر مراكز حربية شديدة التسليح على طول خط آبار النفط من دير الزور حتى الشمال الغربي السوري القريب من الحدود مع أعالي العراق والمحاذي للحدود الشمالية مع تركيا.

يجري نقل نفط هذه المناطق مباشرة نحو الحدود التركية بحماية قوات «قسد» الكردية ومنظمات الإرهاب والجيش الأميركي.

اما مشتركات هذه العملية فهم الأميركيون والأتراك والبرازانيون العراقيون و»قسد» السورية وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام.

للأمانة فإن قسماً ضئيلاً من هذا النفط يتولى تهريبه الى الاردن والداخل السوري المحرر عناصر من البدو عبر البادية السورية وقاعدة التنف ومخيم الركبان.

بالمقابل يسيطر الإرهاب وقسد على مساحات واسعة من خط الحدود السورية العراقية من البوكمال حتى التقائه في أعالي الشرق والشمال، لذلك هم يشرفون بالتالي على حركة نقل البضائع الاستهلاكية الى المناطق السورية المحتلة مقابل رسوم باهظة.

وتتولى بالمقابل التنظيمات الإرهابية الاشراف على نقل السلع من تركيا الى ادلب وعفرين وضواحي حلب والخط الحدودي الذي يسيطر عليه الأتراك في شمالي سورية.

قد يتساءل البعض عن اسباب موافقة الأميركيين والاتراك على اقتطاع المنظمات الإرهابية للقسم الاكبر من عائدات النفط وعبور السلع، فينكشف على الفور ان منظمة قسد بمفردها تحتاج الى موازنات ضخمة لتأمين نفقات اكثر من 25 الف مسلح يعملون في صفوفها بحاجة للتسليح والتذخير والرواتب واللوجستيات المتنوعة، كما ان منظمات الإرهاب تحتاج بدورها لنفقات كبيرة للاستمرار، خصوصاً بعد اضمحلال مشروعها الذي كان يريد دولة خلافة سورية والعراق واقتصاره على مشروع لعرقلة نهوض الدولة السورية وانتشارها على كامل أراضيها، لذلك يلعب الإرهاب في سورية دوراً في خدمة تغطية الاستعمار التركي من جهة والتصدي للدولة السورية في ادلب وعفرين من ناحية ثانية.

كما ان بوسع هذا الإرهاب، انتحال صفة منظمات معتدلة وتقديم ممثلين عنها لمؤتمر «استانا» في اللجنة الدستورية المرتقبة او في لقاءات سوتشي.

ضمن هذه الأهداف حولت تركيا هذه المنظمات الى بيادق تستعملها في كل مرة تشعر باقتراب مواعيد التسويات فتندلع اشتباكات مع قصف شديد وتتذرع تركيا بعجزها عن ضبط الموقف، لأسباب تقول إن الأميركيين يقفون خلفها ويشجعون هذا الإرهاب على القتال فيرسلون اليه إرهابيين اسرى لدى «داعش» وكميات كبيرة من السلاح والمال النفطي المسروق، بالاضافة الى دعم إعلامي من اوروبا واوستراليا وكندا والخليج و»اسرائيل»، يطالبون روسيا والدولة السورية بوقف مهاجمة من تتذرّع بأنهم مدنيون، فيما يحذر اردوغان اوروبا من نازحين قد يصلون اليها وبمئات الآلاف اذا واصلت الدولة السورية هجومها على ادلب.

هنا يتضح ان الإرهاب لم يعد مشروعاً سياسياً بل اداة لعرقلة اعادة بناء الدولة في سورية وبناء استقرارها. بالمقابل ينال هؤلاء الإرهابيون قسماً من اثمان النفط المسروق والعائدات الحدودية الاخرى.

بالنسبة للاكراد فإن الأميركيين يعتمدونهم آلية اساسية في مشروعهم لعرقلة الاستقرار في الشرق الأوسط بكامله، على اساس انهم موجودون في إيران والعراق وسورية وتركيا في جغرافيا متصلة، ويكتنفهم حنين الى دولة قومية وطنية لهم كحال معظم القوميات في المنطقة.

فيلعب الأميركيون على هذا الوتر التاريخي، مؤمنين حماية للمشاريع الانفصالية في كردستان العراق وموفرين لها دعماً مالياً من خلال تصدير النفط العراقي في كركوك وكردستان الى تركيا، علماً ان الاتراك لا يقبلون بوجود اي دولة كردية لكنهم يحاولون الاستفادة من العلاقات السيئة بين كردستان والدولة في بغداد لإضعاف العراق انما من دون السماح لكردستان بالتحول الى دولة مستقلة، والاتراك يراهنون ايضاً على رفض ايران لاي دولة في كردستان المجاورة لهم ايضاً.

اما الأميركيون فيسعون من خلال تمويل قسد الكردية في سورية دعم مشروع كانتون خاص لها في الشرق يؤدي الى تفتيت سورية الى اكثر من ولاية، كما انهم يسعون الى فصل كردستان عن العراق، والسعي لإنشاء كانتون للأكراد في ايران، لذلك فهم يساهمون في تمويل قسد بكميات كبيرة تمكنها من الاستمرار في مشروعها الانفصالي.

فهل هذا ممكن؟

هناك إصرار من الدولة السورية على تحرير آخر شبر من أراضيها، وهذا يحتاج الى وقت، يدرس فيه السوريون والروس مشروع شكوى الى مجلس الامن الدولي يتهم الأميركيون والأتراك بسرقة النفطين السوري والعراقي وتمويل الإرهاب فيهما، لكن المعركة السورية الكبرى تزحف نحو تحرير بلادها من دون أي تردد او تلكؤ مهما تحايل الأميركيون والأتراك معهم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى