الوطن

سياسات النيوليبرالية
 ونتائج الخصخصة… 
وضرورة استعادة دور الدولة

 

} حسن حردان

اذا كان المرء، قبل حرب جائحة كورونا، يحتاج إلى البراهين والأدلة للتأكيد على فشل الأنظمة الرأسمالية النيوليبرالية، فإنه بعد «كورونا» لم يعد يحتاج إلى بذل الجهد لإثبات ذلك، فقد اتضح للعالم اجمع فشل هذا النموذج كنظام اقتصادي اجتماعي للدول، وثبت انّ الدول التي اعتمدته، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية، أضحت دولاً فاشلة، يكشف عن ذلك عجزها عن التصدي لجائحة كورونا.. وتبيان انّ مؤسّساتها الصحية تعاني من نقص كبير في القدرة على تأمين الخدمة الطبية، فيما المؤسسات الصحية الخاصة، التي تمّ التنظير لها، لم تقدم الخدمة إلا لمن يملك المال، لأنها قائمة على تحقيق الربح المادي، وليس الخدمة الإنسانية..

لو انّ لبنان أصابه ما اصاب دول مثل، أميركا وإيطاليا وإسبانيا، نتيجة انتشار فايروس كورونا، لكان تكشف حجم وخطورة السياسات النيوليبرالية السائدة فيه، والتي همّشت دور الدولة لمصلحة القطاع الخاص، وقضت على دورها في الرعاية الصحية والاجتماعية والخدمات العامة، وجعلت منها دولة فاشلة لا تحظى بثقة المواطن، وخلقت مناخاً زائفاً يزعم بأن لا أمل في إصلاحها، لا سيما بعد إشاعة الفساد في مؤسساتها، على نحو غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، وكل ذلك كان يتمّ في سياق خطة مدروسة من قبل أصحاب السياسات النيوليبرالية لأجل تبرير تخصيص القطاعات الخدماتية الرابحة التي تديرها الدولة، والاستيلاء عليها وعلى عائداتها من قبل الشركات الخاصة.. أما القطاعات التي شهدت تجاذباً بين دعاة التخصيص، والرافضين له، فقد تمّ العمل على تخريبها ومنع إصلاحها وجعلها غير قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين، واستطراداً عبئاً على الدولة من خلال ايقاعها تحت العجز المالي وتحوّلها إلى مؤسسات خاسرة.. هذا ما حصل مع مؤسسة كهرباء لبنان، كمثال، وما كشفته اخيراً فضائح الفساد في استيراد مادة القبول من قبل الشركتين المعنيتين بذلك، إنما هو خير دليل.. أما المؤسسات الرابحة التي جرى تخصيصها، مثل قطاع الخليوي، فقد تبيّن ان الشركات الخاصة، التي حصلت على رخصة استثماره منذ البداية، قد حصدت الأرباح الطائلة على مدى سنوات، لم تكن حصة الدولة منها تتجاوز ٣٤٠ مليون دولار، وعندما تمّت استعادة هذا القطاع إلى الدولة بفعل إصرار الرئيس السابق اميل لحود على رفض التجديد لعقد شركتي الخليوي، زادت عائدات الدولة لتصل إلى أكثر من مليار دولار، واليوم تقدّر العائدات بنحو ملياري دولار، بعد إنهاء العقد مع الشركتين اللتين تتوليان إدارة القطاع.. وهذا دليل واضح لا يقبل الشك على أنّ الهدف من التخصيص لم يكن فيه ايّ مصلحة للدولة، التي فقدت الكثير من مواردها مما ساهم في ايقاعها في العجز.. عدا عن انّ المواطن لم يحصل على خدمة افضل ولا كلفة اقلّ، بل ان لبنان يعتبر من البلدان الاعلى سعراً في فاتورة الاتصالات والخدمات الخليوية.. أما على صعيد فاتورة الاستشفاء فحدث ولا حرج.. فعلى الرغم من انّ وزارة الصحة تغطي غير المضمونين بنسبة ٨٥ بالمئة من الفاتورة الاستشفائية الا ان المواطن يقع ضحية الاستغلال البشع من قبل المستشفيات الخاصة التي تعمد إلى زيادة الفرق من خلال التلاعب بالفاتورة بزيادة الخدمات والفحوصات غير ضرورية على المريض، او بزيادة الفرق.. ما نذكره هو بعض من الجوانب السلبية للتخصيص الذي روجت ونظرت له الطبقة السياسية والمالية التي سيطرت على البلاد بعد اتفاق الطائف، وهمشت بذلك دور الدولة الخدماتي والصحي، وطبعا الاجتماعي.. ولهذا فإنّ حكومة الرئيس حسان دياب مدعوة إلى الاتعاظ من ذلك وردّ الاعتبار لدور الدولة باسترداد ما أخذ منها من قطاعات خدماتية رابحة على غرار ما حصل في قطاع الخليوي، وأن ترفض ايّ قروض دولية من صندوق النقد الدولي او سيدر تشترط تخصيص القطاعات الخدماتية.. عدا طبعا عن ضرورة ان تسارع الحكومة الى استعادة قطاع النفط والغاز، وابرام عقود استيراد المشتقات النفطية، من دولة إلى دولة، بلا وسطاء يستحوذون على أرباح  كبيرة على حساب مالية الدولة..

من هنا وعلى ضوء الكوارث المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تسبّبت بها سياسات النيوليبرالية، بات من الملحّ والضروري استعادة دور الدولة في الخدمات العامة، والرعاية الصحية والاجتماعية، وكذلك استعادة القطاعات الحيوية الأخرى، مثل قطاع النفط، الى جانب دعم الإنتاج الوطني لتحقيق النمو وتأمين احتياجات اللبنانيين من غذاء وكساء، وإيجاد فرص العمل للعاطلين، وتقليص فاتورة الاستيراد.. إنّ اعتماد هذه السياسات هو السبيل للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية، وخفض العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى