أولى

متى ينتفض الشعب على دستور الجزار والقطيع؟

علي بدر الدين

ينطبق على جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس الأول المثل القائل: (الناس بألناس والقطة بألانفاس ) خاصة لجهة تعيين أعضاء مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وتأجيل تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وفي الحالتين لن تكون لهما اية صلاحيات أو فعل أو قرار نافذ إلا بعد سنوات أي بعد اكتمال العملية الاصلاحية إذا ما حصلت، وكل ما في الأمر والاستعجال على هذا التعيين أنه يأتي استجابة وتلبية لأحد شروط صندوق النقد الدولي بالمباشرة بالإصلاحات، والبداية تكون في الكهرباء وليس من اجل الإصلاح الحقيقي المطلوب لأنه لا معنى ولا جدوى من هذا التعيين والبلد ينهار ويغرق بالعتمة من أقصاه إلى أقصاه والدولة والجهات المعنية عاجزة عن تأمين الفيول والمازوت بسبب الخلاف على المحاصصة وتوزيع المغانم! وتكون النتيجة حرمان المواطن من حقوقه في الخدمات والتقديمات والعيش بكرامة.

وقد تجاوزت السلطة السياسية كلّ معاناة الناس ومآسيهم وهمومهم والفقر الذي حط رحاله في بيوتهم والمجاعة التي تطرق الأبواب والانهيار غير المسبوق للعملة الوطنية والغلاء الذي لا يمكن تصوّر حصوله حتى ابان الحروب والكارثة الجهنمية التي تحلّ بقطاعات الإنتاج على اختلافها، والتي أفرغت من مئات الآلاف من الموظفين والعاملين الذين أصبحوا من دون عمل ومدخول، وفي عجز كلي عن تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات العيش في المأكل والطبابة والتعليم، وقد بدأت مؤشرات الانعكاس على المجتمع والناس من خلال الإقدام على الانتحار أو إعلان البعض عن بيع أجزاء من أجسادهم أو التفكير بالهجرة الجماعية إلى المجهول الذي بالنسبة لهم أخفّ وطأة وأهون من البقاء في جهنّم الطبقة السياسية التي تختلف حينا وتتفق أحياناً على التعيينات والتحاصص وتملأ الدنيا ضجيجاً وتشغل الناس وتلهيهم بخلافاتها الوهمية حول حصة كلّ فريق أو مسؤول وهي متفقة دائمآ من تحت الطاولة.

هذه السياسة المعتمدة منذ عقود هي من اختصاص الطبقة الحاكمة لا تعرف سواها وقد جرّبتها وأثبتت نجاحها بالنسبة إليها، ولكنها كانت ولا زالت كرة نار ودمار وانهيار وافلاس وإفقار وتجويع بالنسبة للبنانيين، ورغم ذلك فإنّ السلطات الحاكمة المتعاقبة من أجل تعيين موظف تتصارع وتختلف وتجوّع شعبها وتكاد تأخذه الى فتن ومعارك، وتبتدع له ما يحرك غرائزه ويثير النعرات وإغراقه في وحول الطائفية والمذهبية والزعائمية بطيبة خاطر وينسى ما هو فيه من فقر وجوع وذلّ وقهر ومن أوصله إلى حال البؤس واليأس ألتي هو فيها اليوم وغدا وبعد بعد غد

وتشبه حال الشعب اليوم حال الجزار وقطيع الخراف ودستوره الذي فيه وصية واحدة وهي: حينما يقع عليك اختيار الجزار فلا تقاوم لأنّ هذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار ويعرّض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر، وفق حكاية لأفلاطون عن الجزار والخراف وفيها: أنّ جزاراً دخل زريبة فأدركت الخراف أنّ الموت آتٍ إليها لا محالة، وقد أمسك الجزار واحداً منها وسحبه بقرنيه الى الخارج، وكان الخروف الذي وقع عليه الاختيار فتياً وقوياً وقرّر رفض الوصية واعتبرها باطلة وقال في نفسه إذا كانت مقاومتي للجزار لا تنفعني فلا أعتقد أنها ستضرّني وانتفض وهرب من بين يدي الجزار ودخل وسط القطيع ولم يكترث لهروبه والزريبة مكتظة بالخراف وأمسك بآخر وخرج به وكان مسالماً ومستسلماً لقدره وقد ودع بقية القطيع بصوت خافت وانتهى أمره، في حين انّ الخراف الأخرى شغلت نفسها بالنظر الى الخروف المتمرد وهو ينطح سياج الزريبة مندهشة من جرأته وتهوّره وقد نجح في كسر الحاجز لأنه لم يكن قوياً لأنّ الجزار كان يعلم أنّ خرافه أجبن من أن تحاول الهرب ولكن الكبش الشاب نزع عنه ثوب الجبن وفتح ممراً لهروب الخراف ولكنها لم تفعل رغم دعوته إليهم مراراً وتكراراً للهرب قبل وصول الجزار ولكن عبثاً يحاول وقد شتموه ولعنوه وهم يرتعدون خوفاً من أن يكشف الجزار ما حدث وقرّروا قتل الكبش الشجاع بدلاً من شكره على حرصه على سلامتهم علّ الجزار يشفع لهم ويعفو عنهم، وقد تفاجأ عند دخوله الزريبة أنّ السياج مكسور والقطيع لم يهرب منه أحد والمفاجأة الأكبر عندما رأى وسط الزريبة خروفاً ميتاً وجسده مثخن بالجراح وكأنه تعرّض للنطح والخراف القاتلة تقف بفخر واعتزاز على ما فعلته بالخروف الإرهابي الذي حاول أن يفسد علاقة الخراف بالجزار ويعرّض حياتهم للخطر، على العكس كان الجزار سعيدا جداً وأثنى على خرافه وأعجب بهم وقال لهم كم أفتخر بكم ويزيد احترامي لكم ولديّ خبر سعيد سيسرّكم تقديرا مني لتعاونكم وتفانيكم، وابتداءاً من اليوم لن أقدم على سحب أيّ واحد منكم الى المسلخ بالقوة كما كنت أفعل، واكتشفت أنني كنت قاسياً عليكم وجرحت كرامتكم ومنذ الآن كلّ ما عليكم يا أعزائي أن تنظروا الى السكين المعلق على باب المسلخ فإذا لم تروه في مكانه هذا يعني أنني انتظركم داخل المسلخ وليأت كلّ واحد منكم بعد الآخر وتجنّبوا الزحام، ولا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم لا للرفض والتمرد.

هذا للأسف حال الشعوب ومنها معظم الشعب اللبناني الذين يرفضون الحرية ويستسلمون لأقدارهم وجزاريهم ولا يحاولون مع أنّ الكثير من الفرص التي تتاح أمامهم للمواجهة ولمقاومة الظالمين المستبدّين والمتسلطين والخلاص منهم ولكنهم لا يفعلون لأنهم خائفون دائماً  ممن يعتقدون أنهم أولياء نعمتهم ومن سطوتهم وسوطه ومن دونهم لا قيمة لهم ولا معنى لوجودهم.

وصدق أفلاطون عندما قال: لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى