أولى

في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر…

 د. عباس خامه يار*

 

لم يغب الإمام موسى الصدر يوماً عن ذهن محبّيه، بل عن ذهن العالم أجمع! فهذا الذي أحبّه الناسُ جميعاً على اختلاف قومياتهم وانتماءاتهم المذهبية والدينية وحتى السياسية، هو خارج حكم الزمان والمكان، هو من القِلة النادرة التي يليقُ بها أن تكونَ نموذجاً كونيّاً لا يطوي سيرتَه النسيان.

غُيّبَ الإمام منذ اثنين وأربعين عاماً، هو ورفيقاه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، غير أنّ سيرةَ هذا الرجل أخذت تنمو وراح اسمه يتلألأُ يوماً بعد يومٍ أكثر، وراح نهجُه يزدادُ تأثيراً على نفوس الشعب اللبناني وشعوب المنطقة الذين رأى المسيحيون منهم في تسامحِه وخلُقه شمائلَ السيد المسيح، ورآه المسلمون خيرَ حاملٍ لرسالةِ جدّه رسول الله في حرصه على العمل الخيريّ وبناء المدارس والجمعيات الخيرية ودعم حركة الإصلاح في العالم والمنطقة، إضافةً إلى بث روح التقارب بين جميع الأديان، والطوائف، وترسيخ ثقافة مقاومة الاحتلال الصهيوني.

إنّ الغاية هي عنده الإنسان، حماية الإنسان بكرامته وعنفوانه وفكره وحياته التي يعيشها. فكان ملاكَ الرحمةِ للمساكين والمستضعفين حيثما وطأت قدماه. وهو الذي أشرف على تأسيس وازدهار المنابر الحسينية في جبل عامل، وتأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وإطلاق حركة المقاومة ضدّ الاحتلال في الجنوب والمنطقة، فكان بذلك شبيهَ أبي ذر الغفاري وعيسى بن مريم.

اكتسبَ الإمام شعبيةً واسعة بفضلِ أخلاقيّاته العالية وذاك ما تُجمعُ عليه القيادات الروحية المسيحية والإسلامية وعوام الناس ممن عرفوه عن قرب. وهو بذلك قدّم صورةً جليةً جميلة عن الإسلام الأصيل الذي يفتحُ أبوابه للحوار مع الآخر بتسامحٍ ومرونةٍ واعتدال. هذه الصفة جعلته من رواد الدعاة إلى الوحدة الوطنية في لبنان بالفعل وليس القول فقط. فلبنان التعدّدي الجميل وجدَ مع الإمام الصدر قائدَ العيش المشترك والمحبة والألفة بين الأهالي من مختلف المناطق والأديان والنِحَل.

يضافُ إلى القوة الكامنة في شخصيته الموحّدة لأبناء الوطن وضوحُ رؤيتِه وتشخيصه للصديق والعدوّ. فكانت القضية عنده دائماً محاربة الكيان الصهيوني الغاشم من دون أيّ مساومة في ذلك، وهو مُطلقُ شعار «إسرائيل شر مطلق» الذي أسّس لمقاومة الاحتلال وثبت معادلات قوة الردع في مواجهة الاحتلال.

حطّمَ الإمام الصدر أوثانَ التعصّب الديني والطائفي وبلكنتِه الفارسية العذبة واللطيفة حطّم النعرات القومية فكان قريباً من القلوب. سمّاهُ رجال الدين المسيحيون بالعبد الصالح الذي لم يتوقف يوماً عند حدود طائفته ومذهبه.

أيها الإمام المغيّبأعادَكَ اللهُ إلى قلوب محبيكَ الذين يرونَ فيكَ مخلّصاً، وفيصلاً حاسماً في زمن التحوّلات والتحديات.

يا من قال عنه الإمام الخميني (قده): عرفتُه منذ سنين طويلةٍ بل يجبُ أن أقولَ إنني ربّيتُه وهو بمنزلةِ ولدٍ من أولادي الأعزاء، أنا أعلم فضائلَه وخدماتِه عندما ذهب إلى لبنان. فاجعة الإمام الصدر هي القضية واللغز الذي تأثرنا لأجله نحن علماء إيران وسائر الأقطار.

هكذا نظرَ مؤسّس الجمهورية الإسلامية في إيران إلى الإمام الصدر، وكذلك القائد الإمام الخامنئي الذي يعتبر أنّ تكريم الحكيم والمفكر السبّاق العلامة السيد موسى الصدر هو عملٌ محمودٌ وأنّ حرمان الساحة في لبنان من حضور شخصيته القيّمة الفذّة كانت ولا تزال خسارةً كبيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المستشار الثقافيّ للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى