الوطن

قال كلامه ومشى… هل لبنان بعد زيارة ماكرون غيره قبلها أم لا حياة لمن تنادي؟

} علي بدر الدين

أنعشت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحياة السياسية في لبنان بعد أن صادرتها الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة بمفاصل الدولة والقرار. وباتت هي محورها ومحركها متى شاءت، وعلى طريقتها وبما يخدم مصالحها، وبما أنّ دوام الحال من المحال،  قلبت زيارتا ماكرون الأولى والثانية الأوضاع رأسا على عقب، وجعلت الطبقة السياسية المتسلطة والآمرة الناهية ومصدر القوة والنفوذ والقرار إلى مستمعة ومتلقية لأوامر الرئيس الفرنسي، وإنْ كانت لفترة وجيزة وعابرة، وربما تكون غير مؤثرة وغير قادرة على اختراق جلد هذه الطبقة، إلا أنها لقنتها درساً في الوطنية، وكيف تكون المسؤولية، وحماية الوطن والشعب والدولة. وأنه لا بدّ لسياسة التسلط والاستبداد والفساد من نهاية وعلى يد أي جهة أتت، حتى لو من فرنسا المستعمرة والمنتدبة في حقب تاريخية سابقة، وقد نال لبنان نصيبه منها.

الرئيس الفرنسي صال وجال وزار مرفأ بيروت المدمّر ومستشفى رفيق الحريري الحكومي والسيدة فيروز وأماكن أخرى في لبنان لها دلالاتها ورمزيتها، واستمع الى الناس وشكواهم ومعاناتهم وابتلائهم بالطبقة الحاكمة، من دون خوف أو رعب، في حين انّ حكام هذا البلد المنكوب وسياسيّيه يخشون حتى الجلوس في مطعم أو مقهى أو السير في الشارع لأنهم يخافون الشعب الذي نهبوه وأفقروه وجوّعوه ودمّروا مدينته بيروت التي كانت عصية على الانتدابات والاحتلالات.

هل حسدوا ماكرون وشعروا بالحرج والقصور والمهانة، لأنه ممنوع عليهم الخروج من قصورهم وأبراجهم وجحورهم، لأنهم عاثوا في البلاد فساداً ونهباً وتحاصصاً وفتناً وصراعات طائفية ومذهبية، على مدى 30 سنة أو منذ كذبة لبنان الكبير مروراً بالاستقلال الذي وهب للبنانيين، وأنتج ثنائيات وطوائف ومذاهب متنافرة كأنها قنابل موقوتة انفجرت تباعاً حروباً ومعارك وصراعات واغتيالات، آخرها الإنفجار الكارثي والفاجعي في مرفأ بيروت. ولم يحم لبنان لا اتفاق الطائف وبعده اتفاق الدوحة ثم التسوية الرئاسية الحكومية ولا كلّ اللقاءات الحوارية والحكومات المتعاقبة من الطبقة السياسية التي أمعنت في سياسة الفساد والمحاصصة والإهمال والنهب حتى وقع شعبه أرضاً، لا حول له ولا قوة ولا نصير أو معين أو مغيث، لأنّ للدول حساباتها ومصالحها، ولأن لا عواطف او رحمة وشفقة تحكم العلاقات الدولية، بل المصالح والإفادة.

غير أنّ دولة فرنسا التي لطالما وصفت بأنها «الأمّ الحنون» للبنان سارعت إلى نجدته بعد التفاهم وأخذ الإشارة الخضراء من دول التفاهمات والتسويات الدولية والإقليمية، فأرسلت أولاً وزير خارجيتها للاستكشاف، وفتح الطريق أمام الرئيس ماكرون المتسلح بقوّة بلاده ونفوذها والموافقة الإقليمية والدولية على وقف انهيار لبنان أو زواله وفق تعبير وزير خارجية فرنسا لودريان.

زيارتا ماكرون في خلال شهر كانتا كافيتين مرحلياً لإيصال رسائل شديدة اللهجة من المجتمع الدولي وفرنسا تحديداً إلى السلطة الحاكمة في لبنان بضرورة الالتزام بما طلبه منها، وخاصة البدء بالإصلاحات ووقف الهدر والنهب والفساد المستشري، قبل الحديث عن أيّ دعم أو مساعدة. وكان الرئيس الفرنسي واضحاً وصريحاً وحازماً مع الذين التقاهم من قوى السلطة وغيرها، وهو يدرك أنّ هؤلاء لا يفهمون سوى باللغة الحازمة والتهديد بفضح ثرواتهم المالية الموزعة على مصارف خارجية أو باللجوء إلى فرض عقوبات عليهم. وقد حمّلهم مسؤولية ايّ إخفاق جديد أو نقض الاتفاقات والوعود التي يجب ان تنفذ في مهلة زمنية محدّدة ومعلومة، تبدأ أولاً بتشكيل الحكومة وفق الأطر التي وضعت لها، ثم المباشرة بولوج الإصلاحات في قطاعات إنتاجية وخدمية وفي مقدّمتها قطاع الكهرباء.

كان الرئيس الفرنسي حازماً في مواقفه وواضحاً في أوامره إلى حدّ الصراحة التي لا تحتمل التأويل والتأجيل والمماطلة والتهرّب من المسؤولية، وهو يعرف تماماً أن لا رباط أو صدق عند الطبقة السياسية التي لم ترحم وطنها وشعبها وأن لا همّ عندها سوى مصالحها وتراكم ثرواتها. ولأنه يحفظ سلوكها عن ظهر قلب، أبلغ الجميع أنه عائد إلى لبنان في كانون الأول المقبل، وعلى ضوء ما تحقق يبنى المقتضى من الحساب والعقاب والثواب.

إنّ ماكرون العائد إلى لبنان بعد شهرين  تاركاً رسائله المتعدّدة وديعة لدى السلطة الحاكمة، ويأمل كما الشعب اللبناني أن تؤتي ثمارها وتنتج أفعالاً، مع أنّ الرهان على الطبقة السياسية غير مشجع ولا يستحق الانتظار ولا الأمل. ولكن لا بديل ولا وجود لخيار آخر وأفضل.

وقد تكون زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان محاولة أخيرة سياسياً قبل الزوال والشطب عن الخريطة الدولية و «فخار يكسر بعضه» مع التزامه باستمرار المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية لتخفيف تداعيات إنفجار المرفأ وكورونا.

 ماكرون قال كلامه ومشى. وقدّم للطبقة السياسية خارطة طريق الإصلاح والحلول والإنقاذ، التي ستكون الحكومة إذا ولدت في خلال أسبوعين المؤشر إيجاباً وسلباً لما هو آت.

فهل لبنان بعد زيارة ماكرون، غيره قبلها؟ أم الأمل مفقود، ولا حياة ولا حياة لمن تنادي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى