أخيرة

حلب بأسواقها القديمة وحرفية أبنائها قادرة على القيامة وتجديد العراقة السوريّة

حلب عاصمة الاقتصاد السوري دُمّرت مرات عدة في التاريخ القديم، وتعرّضت لزلزال أزال معالمها كاملة، كما غزاها المغول وخرّبوها ودمّروها، وبنى تيمورلنك من جماجم أهلها جبالاً في غزو ثانٍ للتتار.

واجتاحت سنوات الحرب سورية، ومنها عاصمتها الاقتصادية حلب فدمّرت أسواقها التاريخية وتم نهب مصانعها إلى خارج الحدود وتقطيع أوصال طرقها التجارية مع بقية البلاد. وكان لتحرير أحيائها الشرقية أن يقلص الكوابيس الاقتصادية التي تضغط على صدر هذه المحافظة التي تكنى بعاصمة الاقتصاد السوري، إلا أن الحصار الغربي ما لبث أن عاجلها بجرعة مشددة من العقوبات فخبت الآمال مؤقتاً بانتعاش قريب لحركتها التجارية، رغم الجهود التي تبذل لاستعادتها إلى ما كانت عليه.

سوق السقطية

أُعيد افتتاح سوق السقطية، أحد أهم أسواق حلب القديمة في تشرين الأول 2019 بعد الانتهاء من أعمال إعادة الترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت بمحاله، جراء المعارك الضارية التي شهدها خلال سنوات الحرب، إلى حين ترحيل مسلحي «جبهة النصرة» وحلفائهم عن المدينة عام 2016، بدعم من روسيّا الاتحادية.

«ورثت هذه المهنة عن والدي الذي بدوره ورثها عن جدّي، ويبلغ عمر متجرنا في سوق السقطية حوالي 120 عاماً»، يقول الحاج ياسين أبو دان أحد أهم قصابي سوق السقطية لـ «سبوتنيك».

مسترجعا الأيام الجميلة التي عاشها في السوق، يضيف أبو دان: «كنا نعمل في بيع لحم الجمل قبل عام 2000، لنتحول بعدها لبيع لحوم الأبقار، كنا في كل يوم خميس نشهد إقبالاً كبيراً جداً من أهالي مدينة حلب وزوراها وكأنه يوم الوقفة (هو اليوم الذي يسبق العيد، حيث تشهد أسواق ازدحاماً استثنائيا)، كانت أعمالنا جيدة جداً، حتى تدهور الوضع مع اندلاع الحرب عام 2011».

ويضيف «في كل السوق، لا تجد الآن سوى محلين أو ثلاثة مفتوحة أمام الزبائن، من أصل 54 محلاً ودكاناُ» يصف الحج ياسين حال السوق، يشير بيده إلى متجره ويقول «هذا المحل هو بمثابة الأم بالنسبة لنا، فبفضل باب الرزق هذا اشترينا بيوتاً، وتزوّجنا وأصبح لدينا أولاد ربيناهم من خيرات هذا المحل والسوق».

ويختم الحج أبو ياسين بمناشدة كل التجار والجهات المعنية لتتظافر الجهود من أجل إعادة الحياة إلى سوق السقطية، الذي كان في ماضي الأيام محجّاً لكل الحلبيّة يتزوّدون منه بكل حاجياتهم، حيث لا يجد المرء موطأ قدم داخل السوق نظراً للإقبال الشديد.

سوق الجمرك

يجلسُ التاجر أحمد كزيبرة أمام متجره وسط السوق المسقوف الذي يدعى «خان الجمرك»، وإلى يمينه ويساره تتوزع فوق واجهة المتجر العديد من أُثواب القماش الحلبي.

يستعيد كزبيرة حال سوق (خان الجمرك) في الماضي: «كان السوق مزدهراً وعامراً في الماضي، وهو يعتبر سوقاً عالمياً من خلال تجارة الأقمشة، حيث كان يتعامل مع السوق كبار التجار حول العالم من روسيا وأميركا وصولاً إلى أوروبا وآسيا وحتى أميركا اللاتينية إضافة إلى الدول العربية».

لا يختلف حال سوق خان الجمرك الذي يتضمن 116 محلا تجارياً في المدينة القديمة عن حال سوق السقطية، حيث تم افتتاحه في نهاية العام 2017 بعد انتهاء أعمال الترميم التي نفذتها غرفة تجارة حلب بالتعاون مع أصحاب المحال والفعاليات التجارية، إلا أن السوق لا يزال يشهد إلى يومنا هذا إقبالاً ضعيفاً، مقارنة بمرحلة ما قبل الحرب في سورية.

سوق المحمّص.. يابان الشرق

و يسمى هذا السوق سوق المحمّص وهو متخصص ببيع الأحذية بمختلف أنواعها جملة ومفرق، وهذا المحل الذي أعمل به كان لوالدي ونحن موجودون في السوق منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى اندلعت الحرب على سورية عام 2011 ودمرت معها كل شيء»/ يقول علي ميشو أحد تجار سوق المحمّص في المدينة القديمة.

ويتابع عن حال السوق اليوم: «الحركة التي يشهدها السوق لا تتعدى 1% مما كانت عليه قبل الحرب.. التجار وأصحاب الأعمال الذين كانوا في السوق أصبح معظمهم نازحاً أو لاجئاً شأنهم شأن معظم السوريين».

ويضم سوق المحمّص الأثري 72 محلاً تجارياً ويعدّ أطول سوق مغلق في العالم، وأُعيد افتتاحه منتصف العالم الماضي، بعد إعادة تأهيله من قبل محافظة حلب بالتعاون مع مطرانية السريان الارثوذكس وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، إلا أنه لا يزال يعاني السوق من ضعف الحركة التجارية، حيث يوضح علي قائلاً «يوجد بعض التجار الذين عادوا إلى السوق ولا يتعدوا خمسة عشر تاجراً، والسبب أن معظم تجار السوق السابقين افتتحوا محال خارجه ليتكسّبوا منها خلال فترة إغلاق السوق بسبب الأعمال الحربية، وغدا من الصعوبة بمكان عودتهم خاصة أن حركة الشراء والبيع في السوق لا تزال ضعيفة جداً».

يتنهد علي بينما يقلّب نظره على زوايا السوق الخالية والتي كانت تعج في الماضي بالزوار، واصفاً الحال الذي كان عليه السوق قبل اندلاع الحرب في سورية، فيقول «قبل الأزمة، كنا نشهد يومياً حركة كبيرة جداً للزبائن القادمين من مختلف الدول حيث شكل السوق مركز تبادل تجاري لكل العالم»، ويضيف «كانوا يطلقون على هذا السوق وأسواق المدينة القديمة بـ «يابان الشرق».

لكن حلب في كل مرة كانت تقوم، فحرفيّة أبنائها وذكائهم التجاري المتوارث قادران على إعادة بث الحياة من بين الركام والرماد.

ودخلت أسواق مدينة حلب القديمة موسوعة «غنيس» كأطول الأسواق المغطاة في العالم، ويبلغ طولها أكثر من 15 كم، وتضم 37 سوقاً. ولا أحد يعرف إلى أي عامٍ تماماً يعود تاريخ بناء أسواق حلب المسقوفة الأولى، لكنّ المتفق عليه أن أقدم تأريخ لأسواق حلب القديمة يعود للقرن الرابع قبل الميلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى