الوطن

لأنّهم ليسوا عملاء
 كعامر فاخوري

} شوقي عواضة

ضاق بهم الوطن فحملوه في قلوبهم وهاجروا كالطّيور نحو كلّ أصقاع الأرض يصنعون مجداً للبنان ويرفعون اسمه عالياً في ليالي اغترابهم ليشعّ نوراً يصدح بأمنياتهم الصّادقة وحلمهم الواعد بالعودة. لم ترهقهم الغربة بقدر ما أرهقهم إهمال قضيّتهم، ولم يقهرهم التّعب بقدر ما قهرتهم غربة الغرباء في سجونهم، لأنّهم ليسوا عملاء كعامر فاخوري لم تحرّك السلطات اللبنانيّة ساكناً تجاه قضيتهم، ولم تتحرّك منظمات حقوق الإنسان لإنقاذهم، ولم تصدر الأمم المتحدة وأمينها العام إدانة أو موقفاً أو استنكاراً لعمليّة اعتقالهم الهمجيّة وغير القانونيّة وغير المبرّرة لأنّهم مواطنون لا يحلمون سوى بالعيش بكرامتهم، لم تتسابق وسائل الإعلام لنقل قضيتهم وفضح ما يتعرّضون له من تنكيل وتعذيب على أيدي جلاوزة نظام عرّابي التّطبيع في الإمارات.

أربعة عشر معتقلاً لبنانيّاً أضيفوا إلى عدد المعتقلين الستة في السّجون الإماراتية، ومنهم ما زال محتجزاً منذ العام 2015 وسط غيابٍ رسميٍّ لبنانيٍّ لم يرتقِ حتى إلى مستوى سؤال الدّولة عن مواطنيها الذين تمّ اعتقالهم تعسّفيّاً بالرّغم من وجودهم على الأراضي الإماراتية منذ سنواتٍ طويلةٍ، اعتقال جاء في ظلّ دعوة منظّمة (هيومن رايتس ووتش) السّلطات الإماراتية للإفراج عن الموقوفين فاقدي المناعة والمعرّضين للإصابة بفايروس كورونا، في ظلّ غيابٍ كاملٍ للرعاية والخدمات الطّبية والصحيّة عن السّجون الإماراتية، إضافةً إلى منع المنظمات الدوليّة من زيارة الموقوفين أو التواصل معهم وإخضاعهم لأبشع عمليات التّعذيب والتّنكيل بحقّ المعتقلين. وبالرّغم من دعوة منظّمات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة السّلطات الإماراتية إلى إصلاح نظام السّجون وتحسين وضع المعتقلينرسائل لم تشكل لـ أبو ظبي رادعاً يلزمها بوضع حدٍّ لعمليات التعذيب بحقّ المعتقلين والموقوفين بل أصرّت وازدادت على تصعيد إرهابها والتفنّن بعمليات التّعذيب بحقّ المعتقلين الذين ما زالوا حتّى اليوم مجهولي المصير، مع الإشارة إلى أنّه من غير المستبعد إخضاع المعتقلين اللبنانيين للتّحقيق على أيدي ضبّاطٍ من جهاز الشاباك والاستخبارات (الاسرائيلية) والمخابرات الأميركية أو احتمال نقلهم إلى أماكن أخرى خارج الإمارات واستغلالهم كورقة ضغطٍ في ظلّ ما يمارسه محور الشرّ من عمليات حصارٍ ومحاولات ابتزازٍ للبنان في ظلّ جائحة كورونا وانهيار الوضع الاقتصادي.

هذا يعني أنّنا أمام منعطفٍ خطيرٍ ومشهدٍ جديدٍ من مشاهد الحصار وما يسمّى بالعقوبات على لبنان من خلال استهداف اللبنانيين المغتربين ليس في الإمارات وحسب، بل في كلّ المهجر، وبالتالي فإنّ استمرار الدّولة بالإهمال وعدم تحمّل مسؤولياتها وتباطئها في متابعة قضية اعتقال مواطنيها في الإمارات سيشكّل مقدّمةً لعمليات اعتقال أخرى في العديد من الدّول. والمطلوب اليوم أن تتحرّك الحكومة بكلّ أجهزتها وعلى رأسها وزارة الخارجيّة بالعمل من أجل الكشف عن مصير المواطنين المعتقلين في الإمارات، إذ حتى السّاعة لم تعرف أسباب توقيفهم ولا مكان تواجدهم بل انّهم مقطوعون عن الاتصال بالعالم الخارجي، والكشف عن مصيرهم هو من مسؤوليّة الدّولة أولاً وآخراً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى