الوطن

الطبقة السياسية ولاءاتها المدمّرة…

} علي بدر الدين

لا فائدة مرجوّة من التلطي خلف الإصبع، أو الرهان على الوهم، أو التعلق بأمل معلق بخيط مشلع ومهترئ، لأنّ دائرة الخطر تضيق الخناق على البلاد والعباد سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً، وسيادة واستقلالاً، مع تفاقم الضغط الإقليمي والدولي غير المسبوق، وقد تحوّلت الساحة اللبنانية إلى حلبة لتصفية الحسابات، ولانتزاع شروط أفضل، لتدعيم مواقفها وتحسين مكاسبها، عندما يحين موعد تقاسم الحصص والمغانم والنفوذ، ليس في لبنان وعلى حسابه، إنما على مستوى المنطقة التي تنتظرها مرحلة صعبة جداً، قد تغيّر الكثير من المعالم والتحالفات والمحاور، لا سيما أنها ترقد على فوهة بركان يغلي، قد ينفجر بأية لحظة، ويطيح بالتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا وحتى بالبشر والحجر وكلّ أثر، خاصة في الزمن المتبقي من عهد الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب، الذي يهدّد ويرعد ويزمجر، ويتوعّد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبمدّ حبل الإجرام والإرهاب والعدوان للكيان الصهيوني، ليمارس هوايته في القتل والتدمير والتهجير واغتصاب الحقوق.

هذه الأخطار الجاثمة والمتوقعة على لبنان وشعبه، التي بدأت مؤشراتها بالمواقف والفعل الأميركي والصهيوني، وهي إلى تصاعد مقلق ومخيف، وقد تضع مصير لبنان على حدّ السيف والسقوط في المجهول المعلوم، رغم كلّ هذه المخاطر، فإنّ الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، كأنها تعيش على كوكب آخر، لا همّ عندها سوى مصالحها والحفاظ عليها، وتقاسم القليل المتبقي في لبنان، حتى أن رموزها ومكوّناتها، يتقاتلون على كيفية امتلاك هوائه وتقاسمه، بعد أن أنجزوا الاستيلاء على المال العام والخاص، وعلى البر والبحر، لأنهم أدمنوا على الفساد والمحاصصة والنهب، على مدى 30 سنة من القرصنة والاستبداد.

لم تعد تعنيهم حال البلد، لأنه بالنسبة لهم، أصبح خارج زمانهم ومكانهم، وقد نضب خيره، وارتهن قراره، ونفطه وغازه، وربما يرحلون قبل البحث والتنقيب والاستخراج والبيع والشراء والعمولات والسمسرات. أما اهتمامهم بالشعب فهو ملغى من قاموسهم منذ زمن، ولم تعد الحاجة إليه من أولوياتهم، لأنهم صادروا حقوقه ونهبوا أمواله، واشتروا أصواته إلى أبد الآبدين، حتى لورثته من الأولاد والأحفاد، واطمأنّوا إلى ارتهانه وتبعيته العمياء لهم.

هذه الطبقة التي حصّنت وجودها وسلطتها ومصالحها وثرواتها بجهل بيئاتها الحاضنة وتخليها عن حقها بأبخس الأثمان، بعد أن جعلت من نفسها دمى بأصابعها تحركها عن بعد، ولا يعنيها كثيراً او قليلاً ماذا سيحلّ بالبلد، وقد تخلّت عن ناسها وعن دورها ومسؤولياتها وواجباتها الوطنية اتجاههم وتركتهم فريسة سهلة مطواعة للقضاء والقدر ولدول تتلاعب بمصيرهم وحوّلتهم كالأيتام على مآدب اللئام لا معيل لهم، ولا سند «مقطوعين من شجرة».

هذه الطبقة التي لا تخجل وطقّ شلش حيائها تنتظر لشعبها «التفاتة كريمة» من دول خارجية، علها تؤمّن له مساعدات إنسانية، وقروض مشروطة، بأثمان باهظة تصل إلى حدّ وضع «إشارة» على سيادة لبنان واستقلاله وقراره المستقلّ. المهمّ أن تعفيها من المسؤولية ورمي حمولتها عن ظهرها، مع أنّ هذه السلطة أصيبت بخيبة أمل، لأن تدفق المساعدات أياً كان عنوانها ومصدرها، لا تصل إلى أيّ واحد من مكوناتها، لأنها فقدت ثقة المجتمع الدولي، بعد أن فقدت ثقة شعبها، وإنْ كان البعض لا يزال يتجلبب بعباءاتها، ويراهن على قليل جداً من فتاتها، على قاعدة المثل القائل «شعرة من جمل» أو خوفاً وتهيّباً، أو انغماساً غرائزياً على المستويين الطائفي والمذهبي، بعد أن نالت التعبئة العصبية والعنصرية منه.

الطبقة الحاكمة التي لن تتخلى عن سياستها المعتمدة منذ عقود، لا يمكن أن تستسلم أو تنهار وتسلم بهزيمتها، مهما بلغ حجم الضغوط الداخلية والخارجية عليها، حتى لو سقط البلد «بأمه وأبيه وكلّ ما فيه»، كأنه القدر المستعجل والمستعصي الذي، لا يمكن مواجهته أو تليين اعوجاجه المزمن وتطويعه وتوجيهه إلى الطريق القويم، إلا بقوة تفوق قوته، وتهزمه بالضربة القاضية التي تكفي لانهياره وسقوطه، ويصبح لا حول له ولا قوة، ولا سلطة أو نفوذ.

لا قدرة للبنان واللبنانيين بعد على تحمّل الوعود الكاذبة، ولا على الصبر، ولا القدرة على الانتظار، أو الرهان على المسؤولين الذين يتعمّدون، وعن سابق إصرار وتصميم وتخطيط، إفشال أية محاولة توحي بأيّ حلّ مهما كان بسيطاً، ويختلقون الأزمات، بل يخرجونها من جيوبهم وجواريرهم، في الوقت المحدّد، لوأد أيّ حلّ يتناقض مع مصالحهم، على أيّ مستوى كان، إن على صعيد تأليف الحكومة، التي تتفاقم أزمتها وتنعدم حلولها، ويزداد التمسك بشروط الداخل والخارج، تحت ذرائع وعناوين، ما أنزل بها من سلطان» لم تقنع أحداً بصوابيتها، لأنهم يبحثون عن مصالحهم، التي باتت واضحة ومعروفة للقاصي والداني، وهذا بالتأكيد لن يؤدّي إلى تأليف الحكومة لا اليوم، ولا في الغد ولا في المستقبل القريب، وكلّ التسريبات والإيحاءات والزيارات إلى قصر بعبدا لن تثمر، بل تؤزّم التأليف، مع تأزم الأوضاع التي تسبح في فلكها ومن حولها، وتتراكم في محيطها القريب والبعيد، ويبدو انّ لبنان متنفسها الوحيد لركاكة نظامه السياسي وهزالة دوره وارتهان حكامه، وانهيار اقتصاده وإفلاسه، ولديونه التي تفوق قدرته، وكلّ تصوّر ممكن، حتى أنه بات بنظر الدول الصديقة والشقيقة، وما بينهما، لا تجوز على شعبه سوى الحسنة والمساعدات الإنسانية، التي هي عنوان مؤتمر باريس، وليس مؤتمر الدعم الدولي، وفق مفاهيم الدعم التقليدية المتبعة، لأنه وفق التقارير الدولية فإنّ بداية العام المقبل ستصبح نسبة فقراء لبنان أكثر من 60 بالمائة، وإن وعد المباشرة بسياسة رفع الدعم عن السلع الضرورية، ستساهم حتماً، برفع هذه النسبة وتفشي الفقر والجوع علناً، وليس مقنعاً ولا يمكن اعتبارها، حالة طارئة وتعبر من دون تداعيات وآثار سلبية ومميتة.

تعب الكلام، وتعب الشعب ومل، من الانتظار القاتل، ومن إغداق الوعود الكاذبة عليه ممن يدّعون أنهم أصحاب القرار والفعل والشأن والمسؤولية، وهم يعرفون والشعب يعرف، أنهم ليسوا كذلك، وقد سقطت أوراقهم وقراراتهم في أحضان مصالحهم والخارج، وفقدوا الثقة منذ زمن، من الناس ومن الخارج، حتى من أنفسهم، وباتوا يبحثون عن مصدر لأمانهم وسلطتهم وثرواتهم، ولا بديل أمامهم، سوى اصطناع الخلافات وفتح الملفات، والبحث عن المكاسب والأرباح وتأجيل الحلول، أو تجميدها وتراكمها على حساب مصالح الوطن والناس، من دون أن يرفّ لهم جفن، أو يتراجعوا ولو قليلاً على ما اقترفته أياديهم وعقولهم المتحجّرة، ويعيدوا لهذا الوطن مكانته، ولهذا الشعب حقوقه المهدورة والمسلوبة، ويحولوا دون وقوعه في براثن الفقر والجوع والبطالة والمرض الذي يفتك بهم.

إنّ تغيير حال الطبقة السياسية والمالية وسلوكها من المحال، بل من المستحيلات التي تحتاج إلى معجزات ولت من دون رجعة.

ما يحصل اليوم من تقصير وعجز وفشل وانغماس كلي في الفساد والمحاصصة والنهب ستكون حتماً تداعياته خطيرة جداً على حاضر لبنان ومصيره ومستقبل أجياله، لا سيما أنّ المعطيات والمؤشرات السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والسيادية لا توحي أبدا بالإيجابيات، أو الأمل بأن القادم من الزمن قد يكون أفضل حالاً، بل على العكس تماماً، فإنّ البلد يتجه بسرعة قياسية إلى الهاوية المحتومة.

بات من الثابت والمؤكد أنّ الرهان على الطبقة السياسية والمالية الحاكمة مدمّر ويشكل قوة دفع هائلة لمزيد من الانزلاق والتهوّر والتدهور، واللبنانيون المعذبون والمقهورون والمظلومون، وحدهم سيكون الثمن باهظاً عليهم، ولن ينفعهم التصفيق لهذا المسؤول أو ذاك، لأنهم سيقطعون عنهم الماء والهواء والدواء والعيش الكريم حتى بحدّه الأدنى.

لا احد يتوقع تأليف الحكومة قبل أشهر، ولا تنفيذ التدقيق الجنائي، ولا قانون الانتخاب سيتبدّل، ولا مافيات الدولار والدواء والمحروقات والاقتصاد والكهرباء ستحاسب أو تسقط ، ما دامت الطبقة ذاتها تؤمّن لها الحمايات والتغطيات لأنها لا يمكن أن تتهم نفسها على ما ارتكبته طوال حكمها وتحكمها، ولا أموال المودعين سيفكّ أسرها، ولا الأموال المنهوبة والمهرّبة ستعاد، ولا السلطات الرسمية المعنية ستقرّ القوانين والتشريعات والإصلاحات الحقيقية، ولا المبادرات والمؤتمرات وفتات مساعدات الخارج ستنقذ البلد وتحلّ مشاكله وأزماته، لأنها ليست جمعيات خيرية، وسيدفع لبنان وشعبه ثمناً غالياً جداً من سيادته واستقلاله وحرية شعبه.

الطابة الآن في ملعب هذا الشعب النائم والتابع بقوة قاهرة، والرهان سيكون فقط، على تحركه وانتفاضته وانفصاله عن سالبي حقوقه. إنه البديل بل الخيار ومن دونه، لا أمل ولا رجاء ولا حلول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى