الوطن

ماذا بعد آخر يومين 
من عصر الأحمق؟

 

} د.وفيق إبراهيم

الإجماع العالمي على وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالي بالأحمق، يعود لوضعه العالم بأسره من معارضيه ومؤيديه ضمن مناخ حرب دوليّة كان من الممكن أن تندلع في كل لحظة بشكل حقيقي.

هذا مع ممارسته لسياسات نرجسية قاتلة، تقوم على تأمين مصالحه السياسية الشخصية من دون أي اعتبار لتحالفات أو صداقات لبلاده.

فمن يمكن أن ينسى دفعه لجيوش بلاده الى حافة حروب كان يمكن أن تنقل بلاده الى حرب عالمية ثالثة لولا السياسات الروسية والصينية الاحتوائية التي اعتبرت ان الصراع عن القطبية الأميركية لم تعد مع ترامب، وكأنها كانت بذلك تساعد الرئيس الناجح بايدن على احتواء ترامب الرئيس المجنون الذي يريد تفجير الأوضاع داخل الولايات المتحدة الاميركية وعند المفترقات المتنوّعة للشرق الاوسط، التي كان بإمكانها ايضاً ومنفردة ان تفتح على حروب كبيرة إيرانية ـ اميركية.

حاول الأحمق إذاً تدبُّر حروب متنوعة، يخدم بها «اسرائيل» ومصلحة تدمير النظام السياسي الاميركي لمنع الاعتراف بنجاح منافسه بايدن رئيساً للولايات المتحدة، والسطو على الاقتصادات العالمية المتنوعة، من دون نسيان هاجس ترامب الأساسي وهو تحول الحزب الجمهوري الاميركي الى فرع ترامبي موالٍ له شخصياً، او إنشاء حزب أميركي جديد ينافس الحزبين الديموقراطي والجمهوري وقد يتفوّق عليهما.

يبدو أن الخطأ الذي اقترفه ترامب بدعوة مناصريه الى احتلال الكونغرس وتدميره على رؤوس أعضائه، أسهمت في ولادة تحالفات ديموقراطية وجمهورية أدت الى زعزعة أعنف ظاهرة اميركية منذ قرنين من الزمن.

وقضت على ظاهرة ترامب التي كادت أن تؤسس لمعادلة خطيرة جداً وخاصة به، لم يكن يسمح لأحد ان يشاركه بها باستثناء «اسرائيل» التي ظل يعتبرها حتى الدقيقة الأخيرة من حربه على النظام السياسي الاميركي، الجزء الأهم من الترامبية السياسية.

لكن هذا وقت مضى واندثر دافعاً بترامب نحو وضعية مَن يحاول الفرار بأقل كمية ممكنة من الأضرار، فبعد إصرار على زعامة مطلقة لأميركا، اصبح ساعياً للخروج من البيت الأبيض مع شعبية قد تسمح له الظروف السياسية المتنوعة، بإعادة تعويمها في مراحل لاحقة، وهذا ما يعمل معارضوه على إبادته نهائياً، فهم ما عادوا يقبلون بقبوله بالرحيل فقط، بالاعتراف بالخطأ الذي اقترفه في الكونغرس بما يعني أن الإصرار على تدمير ترامب يشمل ايضاً مستقبله السياسي. وهذا ما يقاتل ترامب من أجله، انما بخجل ايضاً.

يمكن إذاً القول إن الأيام الأخيرة اللاحقة انتهت عملياً، وتترك للدقائق والثواني أن تلتهم بعضها بعضاً، وتفسح في المجال كي يدرس الرئيس الجديد بايدن التداعيات الكارثية التي أحدثها ترامب في الشرق الاوسط اولاً.

وتليها الثنائية القطبية الصينية الروسية المتربصة ومعها الهند وأوروبا التي تأمل بعلاقات جديدة لها مع اوروبا، كذلك تركيا التي أعلنت سياسة هجومية ظهرت في قول رئيسها أردوغان ان بلاده تستعد لشراء SS400 ثانية جديدة، وهذا له مغزاه السياسي أي المزيد نحو العمق في العلاقات مع الروس، خصوصاً أن أردوغان بات يخشى فعلياً من ذهاب الأميركيين نحو تأييد أكثر عمقاً لكل من اليونان وفرنسا ومصر و»إسرائيل» في حروبها ضد تركيا على موارد النفط والغاز على كل شواطىء البحر المتوسط وأعماق مياهه.

كما يبدو أردوغان مستعداً للاندفاعة نحو روسيا خصوصاً في الحرب السورية بعد تأكد انقرة من ثبات التأييد الأميركي لأكراد قسد في الحرب على شرق سورية.

يبدو أيضاً أنه مكتوب على بايدن أن يعالج آثار التضعضع العميق في العلاقات الاقتصادية الاميركية مع الاقتصاد الصيني ومعاهدات المناخ وحروب الفضاء واليونيسكو والقدس وأميركا اللاتينية المرعوبة التي تتمنى للزمن أن ينهي آخر يومين من عصر الأحمق لتنعم بشيء من الراحة فقدتها تماماً في الأربع سنوات الماضية.

إنها ملفات ضخمة، لا شك في أن استراتيجيتها تفرض على بايدن البدء بمقاربة أخطرها في الشرق الاوسط وتتعلق بالعلاقات الأميركية من ثلاث: علاقتها بالخليج البقرة الأميركية الحلوب وارتباطها بفلسطين، ولتشكيلها المدى الحيوي لجيوبولتيك جديد هو قيد التشكل حالياً ويضم إيران الى روسيا والصين.

ضمن هذه الرؤيا الاستقرائية يبدو أن بايدن ذاهب الى إعطاء الملف الإيراني الحركة الأساسية في انطلاقاته التفاوضية، لأنه يعني الشرق الأوسط بكامله ولأن الأميركيين مع ترامب أو كنيدي او ريغان، هم واحد في موضوع الخليج الذي يجب أن يبقى في أي زمن، محوراً لأميركا حتى قيادته عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بموجب معاهدة كوينسي التي عقدها الملك عبد العزيز مع الرئيس الأميركي روزفلت في 1945 على أساس التبادل بين الدفاع والاقتصاد النفطي.

وليس هناك من مؤشرات قد تدفع الأميركيين الى القبول بأي تغيير في هذه المعاهدة لا سيما أن الغاز والنفط سيَّالان حتى إشعار غير معلوم.

ما يهم بايدن اذا هو الاقتصاد في الخليج، وبالتالي السياسة والأمن، وهي عناصر موجودة في الشاطئ المقابل للخليج في إيران، ما يدفع الى أن تكون ايران المقصد الأساسي لهذا التفاوض خصوصاً مع نمو تحالفاتها في أفغانستان واليمن والعراق وسورية ولبنان.

هذا هو المدخل الى كهف المفاوضات التي يدخل اليها بايدن مباشرة بعد انتهاء اليومين العسيرين لترامب وهذه مفاوضات قد تدوم أشهراً أو أكثر، لكنها تؤكد على أن عصراً جديداً هو على وشك الانبلاج بقطبيات جديدة لن تكون إيران بعيدة عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى