أخيرة

كيف تؤثر الضغوط النفسيّة والنظام الايكولوجيّ على الجهاز المناعيّ؟

} داني شربل*

تتجه الأنظار اليوم إلى انتشار فيروس كورونا ويتركز الاهتمام على العوارض الصحية الناتجة عن انتشار الفيروس واللقاح الذي ينتظره الجميع الذي هو عبارة عن فيروس مخفّف يمكّن الجسم وتحديداً الجهاز المناعي بالتعرّف إليه ومحاربته، لكن بغض النظر عن قبول البعض بتلقي اللقاح والبعض الآخر برفضه، حيث يفضلون بحسب نظريتهم وهي نظرية علمية قائمة بان على الجسم أن يحارب الفيروس بشكل طبيعيّ، طالما انه ليس بالفيروس الخطر نسبة لباقي الفيروسات التي عرفتها البشرية سابقا. تبقى الوقاية خيراً من العلاج وتنمية وتقوية الجهاز المناعيّ مرتبطتان بعوامل.

في هذا السياق سأتطرق الى عاملين مهمين.

يعمل الجهاز المناعي على محاربة الفيروسات، ترتبط قوة هذا الجهاز بعاملين أساسيين أهمهما العامل النفسي والعامل الايكولوجي.

العامل النفسي: يعتبر فرويد أن الضغوط النفسية والصراعات الداخلية المكبوتة إذا لم يتم التعبير عنها تصبح كجسد غريب داخلي في النظام النفسي. فتلك المحتويات الشعورية والانفعالية تتحول الى الجسد ومنها الى الأعضاء عبر الجهاز العصبي المركزي وتحديداً الجهاز العصبي النباتي الذي بدوره يؤثر على الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والدورة الدموية مما يؤدي الى اضطرابات عضويّة كارتفاع ضغط الدم وسرعة دقات القلب والسكري، وعبر نظام الغدد أيضاً. فالصدمة العاطفيّة على سبيل المثال لا الحصر تؤدي الى إفرازات معينة في مناطق معينة من الدماغ كالغدة النخامية التي تؤثر على الغدة الكظرية وتجعلها تفرز مادة الكورتيزول التي تضعف جهاز المناعة، إن عالمَيْ النفس مارتي والكسندر شددا على اهمية التعبير عن المشاعر والضغوط الذي من شأنه أن يحمي الصحة الجسدية عبر تحويل تلك الدوافع الملحة من الداخل الى الخارج بدلاً من أن تبقى في الداخل وتسبّب بما يُسمّى بالأمراض النفسجسدية. في هذا السياق إن الامراض العضوية ذات المنشأ النفسي تستنفد قوة الجهاز المناعي. وهذا التأثير غير المباشر للضغوط النفسية على الجهاز المناعي، من هنا يجب الاهتمام بالصحة النفسية لتجنب الوقوع بالأمراض النفسجسدية.

العامل الأيكولوجي:

النظام الايكولوجي هو مجموعة العناصر الفيزيولوجيّة والبيولوجيّة الموجودة في البيئة التي تساعد الأجسام الحيّة على المحافظة على حرارة طبيعيّة والتأقلم في ظروف مناخيّة وبيولوجيّة وحياتيّة معيّنة عبارة عن ساعة جسدية للصحة، في هذا السياق مثلا Circadian rhythms in humans

مادة الميلاتونين الذي يفرزها الدماغ فقط في حالة النوم يبدأ إفرازها في الساعة التاسعة ليلاً وتبلغ ذروتها عند الساعة الواحدة بعد نصف الليل وهي تجدّد الخلايا وتقوّي الجهاز المناعي وتحارب السرطان والأكسدة والشيخوخة وتعزّز الطاقة الجنسية وتحافظ على نظام طبيعي ومعتدل للنوم والاستيقاظ، من هنا تبرز أهمية النوم.

في فلسفة اليونان القديمة كما في بعض العقائد الدينية وفي فلسفة راغون والانتروبوسوفيا، تعتبر العناصر الأربعة للطبيعة التراب الهواء الماء والنار هي ذاتها موجودة في جسد الأنسان، فلكي يصل الإنسان في وجهة نظر الأقدمين الى حالة مكتملة من الكمال الجسدي والنفسي عليه التطهر بالعناصر الأربعة للطبيعة فالتعرض لحرارة الشمس المرتبطة بعنصر النار، حسب الاقدمين، على سبيل المثال لا الحصر، يساعد الجسم على إفراز الفيتامين د المفيدة جداً للصحة الجسدية وتساعد في نمو العظام، كما أن التأمل في مكان هادئ في الطبيعة مع تمارين التنفس المرتبطة بعنصر الهواء يساعد في دوره في تحسين الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء.

للأسف بعد الثورة الصناعية أصبح هناك شبه طلاق بين الإنسان والطبيعة حيث انشغل الإنسان بالبحث عن الكسب المادي وأغفل أشياء مهمة جداً في الحياة وما أهمها إلا صحته، على الإنسان بعد القضاء على الفيروس أن يعيد النظر جيداً في علاقته مع ذاته مع الطبيعة ومع الكون.

إن الصحة النفسيّة مرتبطة ارتباطاً قوياً بالصحة الجسديّة وبالنظام الأيكولوجي فنحن جزء لا يتجزأ من عناصر الطبيعة والكون.

 

*باحث نفسي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى