ثقافة وفنون

المواجهة الثقافيّة واجبنا… كي لا تلومنا الأجيال في ما بعد!

} ميساء سيوفي 

منذ أن بدء مشروع النظام العالمي الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، انطلقت صافرة بدء الغزو الثقافيّ الغربيّ الذي يستهدف تغريب عقليّة أبناء الأمة.

مشروع الغزو الثقافيّ استعر في مرحلة ما يُعرَف بالربيع العربي أو كما أسميه بالخريف العربي. هذا الخريف الذي كان له تأثير كبير في محاولة تشويه المفاهيم والقيم والمبادئ العربية بالتوازي مع تجميل وتلميع الثقافة الغربية. هذا النوع من عمليات التجميل ساهم في تعبيد الطريق للمرحلة التالية ألا وهي الهروب إلى الغرب ورؤيته من منظور المنقذ. بالطبع من غير المعقول إلقاء كامل اللوم على الربيع العربي، اذ إن عوامل عدة ساهمت في التأثير في نشأة أبناء أمتنا وقد تم التمهيد لذلك منذ أمد عبر الاستعانة بمخططات عدة تستهدف التأثير في تربية وتنشئة الأطفال في عمر الزهور، لكي يتسنى استثمارهم في ما بعد ضمن مشروع العالم الجديد.

لقد تعرّض أبناء أمتنا الى أكبر مؤامرة في التاريخ، استهدفت عقولهم وأفكارهم وأرواحهم، كيف لا؟ وهم أينما ولوا وجوههم، صفعوا بكل أنواع الملذات والمؤثرات العقلية التي تستحوذ وتغتال عقولهم الصغيرة، تجذبهم الى كل ما هو فارغ ويحاكي الغرائز الإنسانية. في المقلب الآخر من المعادلة، بدت مجتمعاتنا ومؤسستنا غير محصنة من تأثيرات هذه المؤامرة، فبدت أغلبها وكأنها ما زالت في المهد أو تعاني من أزمتي المكوّن والجودة. لقد ساهم الإعلام العربي في ترسيخ الثقافة الغربية في نفوس أطفالنا وشبابنا عبر التهاون في/ أو افتقارهم الى تقديم البديل لحماية أبنائنا من مؤامرات كهذه، ناهيك عن إغفال عن غير قصد دور البيت والمجتمع عما يُحاك من وراء الستار.

إذاً علينا أن نستثمر في بناء الهوية الثقافية لدى أبناء أمتنا لأهميتها في بناء وتمييز كل مجتمع عن الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيّة التاريخيّة والحضاريّة لهذا المجتمع. بالطبع هذا لا يعني أن لا نستفيد من الثقافات الأخرى كالثقافة الغربية، لكن من دون أن نتأثر بها تأثيراً كاملاً أو يتم تبنيها بحيث تتأثر أيضاً هويتنا الثقافية. لا بد من الفصل بين الفائدة الإيجابية والتأثر السلبي لأي ثقافة غربية، وفي كلتا الحالتين هو اختيار بإمكان الإنسان تحديده إذا كانت هويته الثقافية قوية.

بعد انتهاء فصل الخريف العربي، تكشّف التأثير الكبير على الشباب العربي عبر الهرولة أكثر خلف النمط والثقافة الغربية والتذرع بأن المفاهيم العربية أصبحت بالية ولا تمثل الجيل الجديد، لذا وجب تجديدها أو استبدالها من دون الأخذ بالحساب إمكانية الجمع بين أخذ ما هو إيجابي في الثقافة والتقاليد الغربية والعادات الاستهلاكية من دون تركها تجتاح قيمنا وتقاليدنا وتفكك روابطنا الأسريّة.

إن أبناء الأمة العربية والإسلامية في خطر إن لم تقدّم لهم البدائل من إعلام ومناهج تعليم وتربية والتوجيه في البيت والمجتمع والمدرسة تحاكي الحاضر والمستقبل. ناهيك عن التوعية الإيجابية عن كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعية والأجهزة الإلكترونيّة لصالح تنمية الثقافية والفكر. إن المؤسسة التعليمية وأجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ هي أهم مكوّنات ثقافة الطفل في عالمنا الحاضر وتؤثر تأثيراً كبيراً في تربيته وصنع مستقبله.

منطقتنا الآن وفي هذه المرحلة بالذات، وهي مرحلة حصاد الزرع الذي تمّ زرعه بكل عناية في مرحلة الغزو الثقافي منذ أمد بعيد، إنه ايضاً زمن وسائل التواصل الاجتماعي والأداة الجديدة ذات فاعلية في إغواء عقول الشباب المتعطش للتغيير واستبدال أو قلب المفاهيم. إنه زمن تثبيت الثقافة الغربية التي تمّ التمهيد لها في الإعلام والتعليم وفصل الربيع العربيّ المرحلة التي سهلت تقبّل هذه الثقافة بل والمناداة الى تبنيها ظناً منهم أنهم يقومون بتغيير التاريخ وبناء مستقبل بنظرهم أفضل. لكنها تصبح ثقافة تخريب الأوطان بأيدي أبنائها إن لم ينتبه هؤلاء الأبناء لما يُحاك لهم خلف الستار وبواسطة استخدام عناوين رنّانة يتمّ ترسيخ الاستعمار الجديد وبالتالي الاندماج بنظام العالم الجديد.

إن تربية الأجيال هي مسؤوليّة جميع مكوّنات المجتمع، ومن هنا تأتي أهمية وضع البرامج البديلة لتربية النشء على أن تكون قادرة على جذبهم باستمرار، وما أشدّ حاجتنا لأن تنهض أجهزة الإعلام والمدارس والأسر لأداء دورها في مجال تثقيف الطفل وزرع القيم الإنسانية الفاضلة في نفوسهم.

  إنّها مسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة والمؤسسة الإعلاميّة والمجتمع ولا يمكن الفصل فيها كافة.

ومما لا شك فيه إن أجهزة الإعلام والمؤسسات التعليمية قادرة على أن تلعب دوراً في صقل ثقافة أطفالنا وأبناء أمتنا وتطورها لكي تصونهم من السلبيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى