أولى

خياران مستبعَدان: انفراد «إسرائيل» بمهاجمة إيران أو اشتراك أميركا معها

 د. عصام نعمان*

 

تتوالى تهديدات قادة «إسرائيليين» بضرب إيران. رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» أفيف كوخافي قال إنّ الجيش يُعدّ خططاً ويستعدّ لضربها. وزير الأمن بني غانتس قال في مقابلةٍ مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إنّ جيشه يعمل على تحسين استعداداته لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وإنه «مستعدّ للعمل بصورة مستقلة». رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال في مقابلةٍ مع صحيفة «يسرائيل اليوم» (25/2/2021) إنه «يطّور خياراً لمنع سلاح نووي إيراني بأيّ ثمن»، وأكّد التهديد نفسه في اتصال هاتفي مع كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن.

 ما وراء تهديدات القادة «الإسرائيليين»؟ وما تداعياتها على إيران وحلفائها من قوى المقاومة؟

غالبيةُ المعلّقين السياسيين والعسكريين «الإسرائيليين» تُجمع أو تكاد على أنّ نتنياهو وغانتس وكوخافي يتوجهون بتهديداتهم إلى أميركا وإيران في آن. يريدون من إدارة بايدن عدم العودة الى الاتفاق النووي مع إيران أو، في الأقلّ، استدراجها إلى مفاوضات تنتهي الى تقييد قدرتها على تصنيع أسلحة نووية وصواريخ باليستية بعيدة المدى قادرة على حملها وإصابة الأهداف المتوخاة. يريدون من إيران أن تتهيّب قدرات «إسرائيل» العسكرية، التقليدية والنووية، وجدّيتها في تنفيذ تهديداتها لحملها على الرضوخ لمطلب الولايات المتحدة بإجراء مفاوضات معها.

الرئيس بايدن ومعظم أركان إدارته ميّالون للعودة الى الاتفاق النووي، لكنهم يتحفظون بشأن بعض المتغيّرات. ويندي شيرمان، مرشحته لمنصب نائبة وزير الخارجية، عبّرت عن هذه التحفظات أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بقولها إنّ سنة 2021 مختلفة عن سنة 2015 عندما تمّ التوصل الى اتفاق مع إيران. الوقائع على الأرض تغيّرت والمعالم الجيوسياسية في المنطقة تغيّرت. هذا يعني أنّ الطريق تغيّرت أيضاً. شيرمان توخْت طمأنة معارضي العودة الى الاتفاق النووي بأنّ إدارة بايدن تعي المتغيّرات، وانها حريصة على وضعها في الحسبان أثناء المفاوضات المقبلة.

إيران ما زالت متمسكة بموقفها الذي يدعو الولايات المتحدة الى العودة إلى الاتفاق النووي دونما شروط، وانّ عليها البدء أولاً برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران كدليل على جدّيتها. غير انّ طهران لم توصد باب المفاوضات بصورة نهائية بدليل انّ أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي قال في تصريح لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية: «إنّ إيران مستعدة للعودة الى المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى في حال أرسل الطرف المقابل إشارات واضحة وضامنة لرفع العقوبات في غضون عام واحد».

ماذا لو أخفقت أميركا في إقناع إيران بالجلوس الى طاولة المفاوضات؟ هل ينفذ قادة «إسرائيل» تهديداتهم بضرب منشآت إيران النووية؟

صحيح أنه يقتضي عدم الاستخفاف بتهديدات القادة «الإسرائيليين»، وخصوصاً نتنياهو الذي لن يتورّع عن اعتماد أيّ طريقة لإبعاد خطر حكم القضاء عليه بجرائم الفساد والارتشاء والنصب. غير أنه يقتضي أيضاً ألاّ ننسى أنّ نتنياهو وأركان الأحزاب المشاركة في حكومته حريصون على الفوز في الانتخابات التي ستجري بعد أيام معدودة ما يدفعهم الى طمأنة الرأي العام بإطلاق تصريحات يظنّون أنها تؤكد قدرات «إسرائيل» العسكرية واستعداد جيشها لتقويض قدرات إيران ولا سيما النووية منها.

حتى لو افترضنا أنّ قادة «إسرائيل» جادون في تهديداتهم، فهل يُعقل أن يكون الجيش «الإسرائيلي»، بحسب ما قاله وزير الأمن غانتس، «مستعداً فعلاً لضرب المنشآت النووية الإيرانية بصورة مستقلة»، أيّ بالانفراد ومن دون مشاركة أميركا أو بدعمٍ منها؟

من المستبعَد جداً، إن لم يكن من المستحيل، أن تقوم «إسرائيل» بمهاجمة إيران من دون مشاركة أميركا أو، في الأقلّ، من دون علمها ودعمها مباشرةً أو مداورةً. والحال أنّ أميركا اليوم ليست في صدد تدبير من هذا القبيل لأسباب عدّة أبرزها:

ـ انّ الشعب الأميركي بات، بعد حروبٍ متعدّدة ومكلفة بشرياً ومادياً لا سيما الحرب على العراق، معارضاً بشدة لأيّ حرب خشنة جديدة.

ـ إنّ أميركا تعاني في الوقت الحاضر وبتكلفةٍ بشرية واقتصادية باهظة، تداعياتِ جائحةِ كورونا واضطرار إدارة بايدن لتخصيص تريليونات الدولارات لإنهاضها من محنتها ما يحول دون الانجرار الى حربٍ باهظة التكاليف السياسية والاقتصادية والمالية.

ـ إنّ أمن «إسرائيل» ليس في الوقت الحاضر عرضةً لخطرٍ داهم يتطلّب انغماس أميركا في حربٍ باهظة التكلفة عليها وعلى جميع حلفائها الإقليميين، وفي مقدّمهم «إسرائيل».

ـ إنّ ثمة تطورات وسيناريوات متعددة لحماية مصالح أميركا وأمن «إسرائيل» أفضل وأوفر من اللجوء إلى الحرب.

ـ إنّ ثمة مؤشرات الى إمكان التوصل لمفاوضات غير مباشرة مع إيران في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحت عنوان التباحث للتوافق على حلّ الإشكالات الفنية المتصلة بموضوع الرقابة على مختلف مجهودات التصنيع النووي التي ستقبلها إيران بحكم كونها طرفاً في اتفاقية إقامة الوكالة المذكورة.

 الى ذلك كله، ثمة عامل آخر بالغ الدلالة هو أنّ إيران قطعت شوطاً طويلاً في التقدّم التكنولوجيّ وتصنيع الأسلحة المتطوّرة، وأنه سيكون في مقدورها الدفاع عن نفسها وإحباط مخططات أعدائها وإلحاق بالغ الأذى بهم، فلماذا تقامر أميركا، ناهيك عن «إسرائيل»، في حربٍ مكلفة وفاشلة؟

 الخلاصة: لا مصلحة ولا فائدة لأصدقاء الولايات المتحدة ولخصوم قوى المقاومة في المنطقة لا سيما اللبنانيين منهم، في المراهنة على تدخلها في صراعاتهم مع خصومهم في الداخل، أو أن يكون لتدخلها تأثير مجزٍ يستحق المراهنة.

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى