الوطن

العتمة مقابل العتمة والبادئ أظلم…

 علي بدر الدين

يُروى أنّ رجلاً اشترى بنطالاً ليرتديه يوم العيد، وكان طويلاً بمقدار أربعة أصابع، فطلب من زوجته ان «تقصه وتكفه» ليرتديه في اليوم التالي، فردّت عليه: من قال لك إنني خياطة، خذه إلى شقيقتك. وهذا ما حصل وكرّر طلبه وقال لها، «قصيه وكفيه» بمقدار أربعة أصابع، فأجابته: لماذا أنا، هل زوجتك عمياء؟ إذهب إلى أمك، ففعل، وطلب من أمه ان «تقص» بنطاله «وتكفه»، وإذا بها تنهره وتقول له: ألا ترى أنّ «نظري» ضعيف، ولا أحسن القيام بهذه المهنة؟ فصُدم الرجل وانهار ورمى بنطاله على كرسي وخلد إلى النوم حزيناً من ردّة فعلهنّ على طلبه البسيط.

«راحت السكرة وإجت الفكرة» ومعها الشعور بالمرارة والقهر على ما فعلته الزوجة بزوجها، فأخذت «البنطال» و«قصته وكفته» وأعادته إلى مكانه، وشعرت الشقيقة بالذنب، فأخذت «البنطال» «وقصته وكفته» وأعادته بدورها إلى مكانه، وهكذا فعلت الأم. في صبيحة العيد، أراد الرجل أن يرتدي بنطاله على «علته» وطوله، فإذا به يفاجأ بأنه أصبح قصيراً جداً، ولم يعد يصلح لارتدائه، بعد ان تمّ «قصه وكفه» بمقدار 12 إصبعاً، والمطلوب أربعة أصابع. فطار عقل الرجل وفقد صوابه، و«راح» يضرب «كفا بكف» لأنّ بنطاله» لم يعد صالحاً نهائياً، لأنّ الزوجة والشقيقة والأم، حاولن «تكحيلها فأعموها».

هذا هو حال الشعب اللبناني المسكين، مع الطبقة السياسية المالية الحاكمة، التي تطلق وعود الإصلاح والتغيير والمحاسبة، واجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين، ووقف الانهيارات الاقتصادية والمالية والنقدية، وتحسين أوضاع الشعب الاجتماعية والمعيشية والصحية، في حين أنّ زعماء هذه الطبقة وقبائلها وشيوخها وعشائرها، يتهرّبون من المسؤولية، وإحالتها على الآخرين الشركاء في السلطة والحكم والنهب والفساد، ويتركون الشعب يضعف ويذلّ ويفقر ويجوع ويمرض ويموت، ومن تبقى منه يقف في الطوابير على محطات الوقود، والأفران و«السوبر ماركات» وأبواب المصارف والصيارفة، ليشحد حقه المسلوب من أمواله أو من السلع والمواد الضرورية جداّ، كالدواء والبنزين والزيت والارز والسكر، والأهمّ حليب الأطفال، وقد لا يجد ولو اليسير من هذه السلع التي هي حق له، لأنه يدفع ثمنها من ماله الخاص ومن خزينة الدولة، لأنّ «مافيات» السلطة وتجار الجشع والطمع والاحتكار، سرقوها وخزنوها ورفعوا أسعارها «على عينك يا دولة ويا سلطة ويا وزارة اقتصاد ويا شعب لبنان العظيم».

أكثر من ذلك فإنّ هذا الشعب العنيد والمحترم، يتعارك

 ويدمى للحصول على السلعة قبل غيره، أو أخذها من طريق من هو بحاجة فعلية لها. هل من حق هؤلاء المقهورين المعذبين أن يتنافسوا على «تنكة» زيت، أو علبة حليب، أو كيلو سكر، بدلاً من ان ينتفضوا ويثوروا، ويستردّوا حقهم الذي ابتلعه بالتضامن والتكافل حيتان السياسة والسلطة والمال والتجار؟ هل من حق، هذا الشعب، ان يقطع الطرق على أهله، وأبناء وطنه، ويجعل منهم رهائن مع عائلاتهم وأطفالهم، بدلاً من أن يقطع الطرق على من ظلم الناس وأفقرها وجوّعها وأذلّها؟ أليس هذا الشعب، هو من يتحمّل مسؤولية كلّ ما حلّ به، واصابه من كوارث ومآس و«الحبل على الجرار»، ولا يزال تابعاً ومرتهناً وصامتاً كصمت أهل القبور؟ وما زال يصدّق وعود حكامه بالفرج الآتي، وبالصبر وبأنّ الخواتيم ستكون محفزة وسعيدة، ولكن بعد خراب لبنان، على طريقة تصليح «البنطال» حيث استفقن عليه فجأة، لتسجيل سبق الاهتمام والحرص أكثر من غيرها و«تبييض» وجوههن وساحاتهن.

الطبقة السياسية التي راكمت أزمات لبنان ومشكلاته، وتجاهلت شعبها ورفضت مراراً وتكراراً الاستماع إلى صوته وأنينه وطلبه النجدة والاستغاثة، لأنها مشغولة بمصالحها وتحصيل حصصها ورمي المسؤوليات على بعضها البعض، حتى بلغ لبنان الانهيار الكامل، والشعب أصبح وقوداً لجهنّم، رغم أنه ما زال حياً وعلى قيد الموت المعجل أو المؤجل، فقراً وجوعاً او مرضاً كورونياً.

أكيد أنّ القوى السياسية السلطوية الحاكمة، نجحت في «تعويد» الشعب على ما يعانيه من شحّ وقلة حيلة، والسكوت على المظالم والذلّ والحرمان والإهمال، وفي تبريد انفعالاته وردود فعله ضدّ من ظلمه وسرقه وحرمه، وإشغاله بالوقوف أمام أماكن البيع للحصول على حاجته وقد لا يدركها، وتوجيه تفكيره إلى ذاته وعائلته، والتسابق مع محتاج مثله لأخذ هذه السلعة أو تلك أو اللجوء إلى العنف كما حصل في غير مكان تجاري.

لا غرابة من حالة الركود والجمود الشعبي من الذي يحصل إنْ لجهة السعر التصاعدي لصرف الدولار، او لجهة تبشير وزير الطاقة اللبنانيين بالعتمة، وتأكيد وزير الداخلية على الفلتان الأمني والاغتيالات، وتهرّب وزير الاقتصاد من مسؤولية تهريب وتخزين ومصادرة المواد المدعومة وقوله «انّ الذي يحصل ليس من صلاحيتنا».

الأسوأ والأخطر والأكثر فاجعة، أنّ الصراع المحتدم، بين الرئيس المكلف وبعبدا ورئيس التيار الوطني الحر، لم تنته فصوله بعد، ولم تحلّ ولا عقدة من أمام تأليف الحكومة، بل على العكس، لم نعد في دائرة «مكانك راوح « بل عاد موضوع التأليف إلى الوراء وتفاقمت العقد، وفشلت المبادرات المحلية والخارجية، ولا يزال صراع الديوك مستمراً، مع أنّ دولاً تخلت عنه، لأنه يظهر مشاهد دماء لم تعد مألوفة ومقبولة، غير انّ صراع ديوك السياسة عندنا، ينزف منه الشعب دماً ودموعاً، والمتصارعون والمراهنون يزدادون مناعة وقوة ونفوذاً وسلطة ومالاً.

أمام الشعب اللبناني، فرصة قد لا تتكرّر ولا تتاح مرة ثانية، هو ان يضرب «تحت الحزام «على ان يقلع عن أسلوب قطع الطرق الذي لم يعط اية نتيجة ايجابية، بل ارتدّ سلباً على الانتفاضة، وعليه أن يعدّل من خطة المواجهة مع هذه السلطة، كيف؟ جوابها من مسؤولية الحراك، إذا كان جدياً وليس متواطئاً، أو مخترقاً. وإلا فإنّ الأمور متجهة الى الأخطر، الذي لا يمكن مواجهته بالترقيع والمزاجية والصراخ وإقفال الطرق على الشعب، وهو قد يكون مبرّراً إذا كان في إطار تحرك عام وبرنامج متكامل من المنتفضين، تتشظى منه قوى السلطة ويلوي أذرعها ويوجعها، ويهز فرائصها ويهدّد مصالحها، لأنّ ما يحصل منذ أكثر من سنة من الحراك، لم يشكل ضغطاً على هذه السلطة إلا في بدايته.

لا بدّ قبل النزول الى الشارع وقطع الطرق واشعال الإطارات وتلويث البيئة، من اتخاذ قرار التغيير المنشود، وتغيير المسار المعتمد، الذي لم ينتج ولم يثمر ولم يغيّر بل على العكس، تتراكم الأزمات و«يفلت ملق» الدولار والأسعار والكهرباء والفساد والتحاصص والسطو على حقوق الناس. وكما يُقال «الرطل بدو رطل ووقية» و«الصاع يواجَه بصاعين». العتمة الموعودة يجب ألا تقتصر على بيوت الفقراء، بل يجب أن تطال القصور والمقار و«الفلل» وبيوت المسؤولين في كلّ مواقع السلطة والمسؤولية، على قاعدة، العتمة مقابل العتمة والبادئ أظلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى