أولى

انتخابات صهيونيّة للكنيست الـ 24 وإعادة إنتاج الفشل…

 د. جمال زهران* 

أجريت انتخابات صهيونيّة جديدة لتشكيل الكنيست الـ 24، وهي الانتخابات الرابعة خلال عامين، وذلك يوم الثلاثاء 23 مارس/ آذار، لتعيد إنتاج الفشل مرة أخرى، ومن المتوقّع في ظلّ عدم الحسم لأغلبية كبيرة مستقرة، فإنّ المؤكد هو الدخول في انتخابات خامسة، قد تنتج إما أغلبية ساحقة تضمن استقراراً حكومياً وبرلمانياً في الكيان الصهيوني، وإما التمهيد لتفكيك هذا الكيان من داخله قبل أن يكون من خارجه.

فقد أفصحت الانتخابات عن نتيجة مؤداها، إلى نجاح المعادين لنتنياهو بأغلبيّة بسيطة (61) صوتاً، ضدّ نتنياهو وحلفائه من القوى اليمينيّة بدرجاتها، الذي حصل على (59) مقعداً. ومن ثم فإنّ الانتخابات أفصحت عن:

1 ـ تأكيد تقدّم اليمين بمختلف درجاته، وبأغلبية كتلة الليكود اليمينيّة (30) مقعداً، مع حلفاء من اليمين المتطرف وقوى أخرى (29) مقعداً.

2 ـ رغم تقدّم الطرف الآخر المنافس بأغلبية بسيطة، إلا أنّ اليسار لا يزال في انحسار، وأنّ تقدّمه لا يزال محدوداً وغير حاسم.

3 ـ استمرار ظاهرة عدم الاستقرار السياسيّ في الكيان الصهيونيّ.

4 ـ تراجع نسبة التصويت بنحو 5%، عن آخر انتخابات صهيونيّة، وهو مؤشر خطير، رغم أنه من المستقرّ، استمرارية نسب التصويت بين زيادة وتراجع محدود، وليس بهذه النسبة. وهو أمر يكشف عن تراجع مصداقيّة الناخبين في العمليّة الانتخابيّة والزعامات الحزبيّة الضعيفة.

5 ـ إنّ احتمالات تشكيل الحكومة أياً كان الطرف الذي سيشكلها، تكرّس فكرة الانتهازية السياسية، بصورة فجة. حيث لم تعُد المصلحة العامة لدولة الكيان الصهيوني هي الأصل، بل تقدّمت المصالح الشخصية والحرص على المناصب الوزارية، هي الأساس، وبالتالي فإنّ هذا من مؤشرات تفكك الكيان الصهيونيّ حاضراً ومستقبلاً.

6 ـ الفشل في تكوين برلمان مستقر هو (الكنيست)، للمرة الرابعة خلال عامين، يؤكد من جانب أن العملية السياسية في الكيان الصهيوني لم تعُد فعّالة ولا مجدية، يتلازم معها تراجع نسبة التصويت بنحو 5%، ومن جانب آخر انهيار المجتمع السياسي في الكيان، وأن نتنياهو الذي يبدو على المسرح وكأنه «الجوكر» الذي يحقق مصالح «إسرائيل» عبر نظم عربية إرثية متهالكة، هو في الأصل رمز ضعيف سياسياً، وغير قادر على تعبئة الجمهور الصهيوني حوله، وحول أهداف كبرى لهذا الكيان ومستوطنيه، والذين يتظاهرون يومياً ضدّه. ومن ثم فإنّ احتمالات محاكمته باتت كبيرة.

وعلى الجانب الآخر، فإنّ البيئة الإقليمية الداعمة لنتنياهو، لم تأتِ بنتائج حاسمة، لكنها حافظت على استمرارية هذا «الزعيم» المزيف لفترة من الوقت، حتى ولو لم يتولَّ منصب رئيس الوزراء. وكان مقدّراً أن يكون للدعم الإماراتي الواضح له، حيث تمّ رصد (10) مليار دولار للاستثمار الإماراتي في الكيان الصهيوني، عنصراً حاسماً في تفوّق الـ (نتن…)، وهو ما لم يحدث، لوجود انفصال بينه وبين مجتمعه الصهيوني. وقد حاول (النتن…)، أن يستثمر الدعم الإماراتي ومن خلفه الدعم الخليجي بقيادة السعودية بطبيعة الحال بشكل مباشر وغير مباشر، إلا أنّ المستشار السياسي لمحمد بن زايد صرّح بـ «أنّ الإمارات لا علاقة لها بالانتخابات في «إسرائيل»، أو بدعم مرشح معيّن، وأنه يرفض استثمار صندوق الاستثمار الإماراتي في «إسرائيل»، في الانتخابات «الإسرائيلية»!

وهنا فإنّ التزامن في الإعلان الإماراتي، بهذه المخصصات الاستثمارية في «إسرائيل» أثناء عملية الانتخابات، لهو تأكيد على دعم ابن زايد (ولي العهد الإماراتي)، لهذا «النتن…»، وأنّ تصريحات المستشار السياسي كاذبة.

ولا شك في أنه قد حدثت صدمة كبرى لدى الدول العربية الداعمة لهذا «النتن…»، بعدم تمكنه من تحقيق أغلبية كاسحة حسبما كانوا يتوقعون. ومن ثم فإن الأطراف العربية قد تعيد النظر في استمرارية التعاون مع «النتن…»

وعلى الجانب الثالث، فإنّ البيئة العالمية المحيطة بالانتخابات، كان لها تأثير كبير على عدم الحسم لتحالف «النتن…» في هذه الانتخابات. ولنتذكر التأخر العمدي للرئيس الأميركي الجديد بايدن في الاتصال بنتنياهو، بعدما حلف اليمين بأسابيع عدة. والمؤكد أنّ هذا التأخير، كان له من الأثر في عدم تمكن «النتن..»، من اكتساح الانتخابات. حيث إنّ التأخير أشار إلى أنّ بايدن، لا يستريح للعمل مع هذا «النتن…»، ولذلك فإنّ المؤشرات تؤكد على أنّ احتمال تشكيل «النتن…» للحكومة ورئاستها قد يكون أمراً مستبعداً، بأخذ علاقة بايدن من هذا الشخص غير المريح (نتنياهو) للرئيس الأميركي.

وعلى أية حال فإنّ الأيام المقبلة ربما تؤكد وجهة نظرنا السابقة، ونشرتها في مقال سابق منذ 3 أشهر في هذا المكان، وتحديداً في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2020، بشأن حتمية رحيل هذا «النتن…».

فقد بدأت سلسلة الرحيل والتغيّرات الحتمية، بسقوط مدوّ لترامب في أميركا، أعقبها سقوط «النتن..» في تشكيل الحكومة وعدم قدرته على الحسم، وربما يكون مصيره السجن بعد المحاكمة المنتظرة له. ومن المحتمل أن يطال التغيير سقوط شخصيات إقليمية في دول عدة، بعد تأكد سقوط نتنياهو! وإنّا لمنتظرونهذا التداعي في التغييرات على المسرح الإقليمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدوليّة، والأمين العام المساعد للتجمع العربيّ الإسلاميّ لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعيّة العربيّة للعلوم السياسيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى