الوطن

السعودية وحصار لبنان اقتصادياً… التوقيت والأهداف؟

} د. حسن مرهج

تحديات جديدة تطلّ برأسها تجاه لبنان، فبعد الظروف الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون، ومع وصول سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، وعطفاً على حالة الكباش السياسي التي يشهدها لبنان، ومنع تشكيل حكومة تساعد على ترميم الحال الذي وصل اليه لبنان واللبنانيون، ومع الضغوط الخارجية التي يتعرّض لها لبنان عموماً، جاء القرار السعودي المتعلق بإقفال الحدود أمام المنتجات الزراعية اللبنانية، ومنع استيراد أيّ منتج زراعي من لبنان، في توقيت يعمّق جراح اللبنانيين الاقتصادية، وتحديداً المزارعين.

لكن في عمق القرار السعودي، جزئية تتعلق بعدم الرضا السعودي عن لبنان سياسياً، ولذلك تقوم السعودية بتضييق الخناق على لبنان، مع استغلال وقائع تراها السعودية ضرورية «لتأديب» لبنان، فالرواية التي تحدثت عنها السعودية وقالت إنّ هناك شحنات من الخضار والفواكه جاءت من لبنان محمّلة بحبوب الكبتاغون، ما هي إلا مسرحية سياسية، تحاول السعودية عبرها الضغط على لبنان، بغية تطويعه وإجباره على السير في الركب السعودي، بل والتماهي مع السياسات السعودية في المنطقة.

من الواضح أنّ القرار السعودي لا يمكن فهمه إلا في الإطار السياسي الضاغط على لبنان وشعبه، فالأمر لا علاقة له فقط بموضوع شحنة المخدرات، لأنه وبكلّ بساطة كانت السعودية قد ضبطت في العام 2019 وتحديداً في كانون الأول 10 ملايين و10 آلاف حبة كبتاغون على منفذ حدودي مع الإمارات، ومع ذلك استمرّ التعاون بين البلدين، ولم يُتخذ أيّ إجراء لتجميد العلاقة التجارية الثنائية.

حقيقة الأمر، السعودية لا يروق لها سلوك الساسة اللبنانيين، وتحديداً من التيار المقاوم، وهي ترى أنّ غالبية السياسيين في لبنان، يقومون بمهاجمة السعودية وسياساتها في لبنان خاصة، ودول المنطقة عموماً، فضلاً عن أنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة، لم تكن كما تشتهي السعودية، الأمر الذي كان يعرقل استمرار أيّ حكومة، مع محاولات تعطيل ولادة أي حكومة جديدة، أو حتى تعطيل اتخاذ أيّ قرار حكومي يتعلق بلبنان واللبنانيين.

الواضح أنّ السعودية اتخذت من شحنات الفواكه والخضار الصادرة من لبنان، ذريعة لتطبق حصاراً سياسياً على لبنان، لكن وفق مشهد اقتصادي خانق، خاصة أنّ السعودية لم تعد لديها أوراق قوة تجيز لها الاستثمار السياسي في لبنان، وتيقّنت من أن ميزان القوى لا يميل لمصلحتها، وعليه وجدت أمامها الورقة التجارية لتلوي بها ذراع خصمها حزب الله، وهكذا قرّرت السعودية ضَرب لبنان بواحد من امتيازاته القليلة، وهي صادراته الزراعية المحدودة.

لم تقتصر مفاعيل القرار السعودي على منع إدخال الشحنات من لبنان، بل حتى منع أن تكون أراضيها ممرّاً للبضائع اللبنانية، لتاريخ لا يعلمه إلا وليّ العهد محمد بن سلمان، والجميع يدرك أنّ السعودية هي نفسها الدولة التي تضغط على دول عربية أخرى لمنع تأمين أيّ مساعدة للبنان…

كلّ ذلك غيضٌ من فيض حصار سياسي واقتصادي، يهدف إلى تحطيم الهيكل فوق كلّ ساكنيه، بعدما تعذّر على الرياض بتحالفها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية وبقية “الحلفاء” جعل لبنان محميّة سياسيّة خالصة لهم.

في جانب آخر، وإمعاناً في الوقاحة السعودية حيال قرارها، فإنّ السعودية لم تتخذ ذاك القرار بعد مشاورات مع الجانب اللبناني، أو إيجاد مخارج او تطمينات حكومية لبنانية، لجهة العمل على منع تهريب المخدرات إلى السعودية، فالقرار المستند الى اتهام سعودي للمصدّرين اللبنانيين بتهريب المخدرات، طرح أسئلة من نوع، هل سبق وحاولت السلطات السعودية متابعة الملف مع الجهات الأمنية المعنية في لبنان، وبينها أصدقاء للسعودية، ووصلت الى طريق مسدود، وطالبت السلطات الحكومية والسياسية عبر سفيرها في لبنان وزياراته للمسؤولين، وعندما لم تجد جواباً، اضطرت لهذا القرار؟ أم إنّ الأمر مجرد ذريعة، وخصوصاً أنّ مراجع عديدة في الدولة قالت إنها فوجئت بالقرار وخلفياته، فيما قالت مصادر أمنية إنّ ملفّ تهريب المخدرات قضية عالمية شائكة تعرف السعودية المصاعب التي تعترض طريق ضبطها، وقد سبق وتدخل السعوديون رسمياً مع لبنان لإطلاق أحد الأمراء الذين تورّطوا بعمليات التهريب، وعرف باسم أمير الكبتاغون، كما تعلم السلطات السعودية انّ دولاً كبرى تفوق إمكاناتها إمكانات لبنان كثيراً تعاني الكثير في عمليات الملاحقة والضبط لشبكات التهريب.

في المحصلة، انّ القرار السعودي جاء في توقيت حرج للبنان واللبنانيين، خاصة أنّ الظروف التي يشهدها لبنان، شديدة القسوة وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد أنّ الأزمة في لبنان سياسياً واقتصادياً، في طريقها إلى المزيد من التدهور، خاصة أنّ القرار السعودي، ستكون له تداعيات كارثية على عموم اللبنانيين، وتحديداً على المزارعين، ما يعني أنّ هذا القرار سيؤدي الى تكديس الإنتاج الزراعي اللبناني وتحديداً الحمضيات والبطاطا، الأمر الذي سيؤدي بشكل أو بآخر، إلى صعوبة وصول الدولار الى لبنان، فضلاً عن إمكانية حدوث انفجار شعبي. فهل يدرك الساسة اللبنانيون الموالون للسعودية خطورة القرار السعودي عليهم وعلى كلّ اللبنانيين؟ وإنْ أدركوا ذلك فماذا هم فاعلون؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى