أولى

رفعت أقلام الناخبين وجفت صحف الانتخابات

 سعادة مصطفى أرشيد _

مساء الخميس الماضي تحدّث الرئيس الفلسطيني مطوّلاً في اجتماع القيادة الفلسطينيّة، وقدّم شرحاً مطوّلاً حول الاتصالات والحوارات التي قادت إلى إصداره مراسيم إجراء الانتخابات التشريعية، والتي تمثل الدفعة الأولى والعاجلة من دفعات لاتفاقها مع حماس وباقي الفصائل لإنهاء الانقسام وتحقيق الشراكة السياسية، ثم تحدّث عن المعوقات (الإسرائيلية)، التي تتذرّع بعدم وجود حكومة في (إسرائيل)، منتقداً تشبّث بن يامين نتنياهو بالسلطة، وكذلك الخذلان الأوروبي، منتهياً باقتراح تأجيلها على المجتمعين، المتفق مع معظمهم، وبالطبع كان البيان قد أعدّ سلفاً، ولم يأت قرار التأجيل من خارج صندوق التوقعات، التي كان يفترضها كثير من الناس ومنهم كاتب المقال، وذلك بسبب الذريعة ذاتها التي تمّ العمل عليها منذ فترة ألا وهي خطورة ومركزية مسألة القدس، ودورها في الانتخابات .

 لا ينكر أيّ من الأحزاب والقوى السياسية أو القوائم الـ 36 المرشحة مركزية القدس، وأهميتها الدينية والسياسية، الروحية والعاطفية، على حد سواء، ويجمع كلّ أولئك على أنها من أهمّ ملفات المسألة الفلسطينية، ولكن ذلك الرأي المتطابق بين الجميع حول القدس، كان له تعبيران:

التعبير الأول: الذي يرى أن لا انتخابات من دون القدس، ومن دون موافقة (الإسرائيلي) على إجرائها وإدخالها في العملية الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً، وبهذا يربط أصحاب هذا التعبير الانتخابات، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتجديد نظامه، وإنهاء الانقسام والشراكة السياسية، رهينة بيد (الإسرائيلي)، الذي يعرف الجميع أنه يسير بتسارع نحو مزيد من التطرف حيال موضوع القدس والوجود الفلسطيني فيها وليس هذا فحسب، بل إنهم يضيقون ذرعاً بالوجود الفلسطيني برمّته، وبالتالي فلا انتخابات في منظور الزمن القريب، وما تأجيل الانتخابات في حقيقة الأمر إلا إلغاء لها، وأصحاب هذا التعبير – الرأي، هم الحزب الحاكم (فتح)، ومعه بعض فصائل الاحتياط الجاهز لملء أي فراغ ممن يلعبون دور الكومبارس.

التعبير الثاني: يؤكد بدوره أن لا انتخابات من دون القدس ترشيحاً واقتراعاً، سواء وافق (الإسرائيلي) أم رفض، ولكي تصبح في حالة رفضه، مادة اشتباك وعنصراً من عناصر إدامة الصراع، لا أن يتجمّد ويتحنط عند القدس الشأن الفلسطيني برمّته، حيث يرى أصحاب هذا الرأي، أن يتمّ إجراء الانتخابات بكلّ حال من الأحوال، بغضّ النظر عن الرفض (الإسرائيلي) أو عن سلامة الصناديق وأماكن وجودها من كنائس ومساجد وبيوت وحواري، وعن مدى دقة العملية الانتخابية وفق المعايير الفنية والإدارية، إذ أن مكاسب حالة الاشتباك أكيدة وراجحة، فهي تمرّر العملية الانتخابية من جانب، وتكشف بشاعة الاحتلال وزيف ديمقراطيته من جانب آخر, وتثبت مطالبنا وحقنا في القدس، وفي أنها لا زالت مسألة صراع متواصل لا ولن تحسمها لا قرارات ترامب بالاعتراف بها عاصمة (لإسرائيل)، ولا إجراءات نتنياهو والحكومات (الإسرائيلية)، كما يرى هؤلاء أنّ المسؤول عن وضع القدس الحالي، وعن الرفض (الإسرائيلي) لإجراء الانتخابات فيها، هو من أهملها في مفاوضات أوسلو، ثم عاد وأهملها عند عدم إدراجها في الاتفاق المرحلي عام 1993، حيث وافق المفاوض الفلسطيني في حينه، على تأجيل بحثها مع مجموعة قضايا الحلّ الدائم، والتي قطع الطريق عليها (الإسرائيلي) مستفيداً من ثغرات الاتفاق المرحلي التي لا تعدّ ولا تحصى، ومن فشل المفاوض الفلسطيني في إدارة الملف التفاوضي، ثم حالة الانقسام الفلسطيني، وما جرى في الإقليم مما أطلق عليه تعسّفاً اسم الربيع العربي، كما يتحمّل المسؤولية الرئيس الفلسطيني والفريق الذي عمل معه للوصول لاتفاق أبو مازن – يوسي بيلين الشهير عام 1995، والذي عطله مقتل اسحاق رابين، والذي ينصّ في ما ينص، على موافقة فلسطينية على (السيادة الإسرائيلية) على القدس، بحدود بلديتها الحالية، كعاصمة (لإسرائيل)، وعلى إطلاق اسم القدس على أبوديس، لتصبح عاصمة للدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، مع السماح بحريّة العبادة، والوصول إلى الأماكن المقدسة للجميع، كما يحمّل بعض من أصحاب هذا الرأي، حكومة سلام فياض والحكومات التي تعاقبت بعدها جزءاً كبيراً من مسؤولية الإهمال، وما أدّى إلى تسرّب العقارات المقدسية إلى ملكية الجماعات اليهودية المتطرفة، ومنها جماعة (عطيرت امونيم) اليمينية والعدوانية المتطرفة .

 ماذا بعد… أسرع الردود على قرار تأجيل الانتخابات، جاء على لسان رئيس مكتب حماس السياسي، الشيخ إسماعيل هنية، الذي جاء على طوله، مفصلاً ورصيناً، ومقدّماً جردة حساب، وقد ربط إجراء الانتخابات بمجمل الاتفاقات، التي عقدتها حماس وباقي الفصائل مع الرئاسة وحركة فتح، حيث إنّ الاتفاقات لم تقتصر على الانتخابات، وإنما شملت رزمة من المسائل منها وحدة القيادة، والشراكة السياسية الكاملة، وتصعيد المقاومة الشعبية، وإطلاق الحريات السياسية في الضفة وغزة. ترك الشيخ الإجابة على تساؤلاته مواربة، مع انه أشار إلى إمكانية التعامل مع خريطة سياسية جديدة وجبهة وطنية واسعة، بحث تمثل القوائم المرشحة جزءاً منها، لكن السلطة عادت إلى حياتها الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن، ويبدو أنّ موسم إطلاق الحريات قد انتهى، وهي لا تبدي قلقاً ظاهراً من إمكانية حدوث فلتان سياسي، وهو أمر إنْ حصل، فتتمّ معالجته بالطرق الأمنية، كما حصل السبت الماضي مع الناشط نزار بنات.

ماذا بعد… تأجيل الانتخابات سيزيد من ضعف السلطة، فالجمع الفلسطيني قد انفضّ من حولها، ربما بمن فيهم أعضاء في لجنتها المركزية، وقد اشتبكت – أو أنها ستشتبك مع الاتحاد الأوروبي، الداعم المالي الأكبر لها، وعلاقاتها العربية ليست على ما يرام، فيما تبدي الولايات المتحدة فتوراً ملحوظاً واعتكافاً عن التدخل والاهتمام… ما تقدّم لا بدّ أنه سيمثل عناصر جديدة وجدية تزيد من ضعف السلطة، إما أمام الاحتلال وحكومته وإدارته العسكرية – المدنية، بحيث ستكون مضطرة أكثر من أي وقت مضى للاستجابة لطلباته غير المقبولة أصلاً، والتي ستصبح فوق أن تطاق، خاصة بعد حادثة قتل جنود ومستوطنين جنوب نابلس يوم الأحد الماضي، وإما أن ترضخ لخصمها الفلسطيني، وأقصد هنا حركة حماس، والتي لديها من الطلبات والحاجات ما قد تعجز فتح والسلطة عن الإيفاء به، فيما قد تستطيع تحقيق ذلك أطراف من فتح مناوئة للسلطة.

ماذا بعد… لم تكن جولة المصالحة الأخيرة التي انتهت بتأجيل الانتخابات – إلغائها – استثناء، فقد عقدت قبلها جولات وجولات، بما فيها تلك التي عقدت في مكة وقرب أستار الكعبة، وعززت بأداء مشترك لشعائر العمرة، ولكن كل تلك الجولات كانت تنتهي بالفشل وباتساع الخرق، أمام انعدام يقين المواطن الفلسطيني بجدية وجدوى الحوارات وروايات المصالحة، ردّ عليهم أحد عرّابي الحوار قائلاً: (هذه المرة صدّقونا)، فهل بقي من يصدّق؟ وهل بقي من مصداقية لجولات حوار مقبلة.

*سياسي فلسطيني مقيم في جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى