أخيرة

إيران ومشهد السياسات الخارجية… اتجاهات مستقرة وتكتيكات متغيّرة

} أمجد إسماعيل الآغا

بدا لافتاً أنّ فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، أرخى بظلاله على مسار التفاعلات الإقليمية والدولية، وكذا لجهة تفاعلات إيران الخارجية، حيال الحرص من تلك القوى كما إيران، على توجيه رسائل تُحدّد بموجبها سقف التحركات والمواقف والسيناريوات، في ما يتعلق بالملفات الخلافية إقليمياً ودولياً، لتأتي الرسالة الأولى من إبراهيم رئيسي، عندما أشار في 21 حزيران الماضي، إلى أنه لن تجرى مفاوضات حول الملف الصاروخي والدور الإقليمي، وهو ما استتبعه إعلان الولايات المتحدة الأميركية أنها لن تنخرط في مفاوضات من أجل التفاوض فقط، وأنّ الوقت بدأ في النفاد دون الوصول إلى اتفاق أو صفقة جديدة.

في هذا الإطار، تمت ترجمة الرسالة الأميركية من خلال الضربات العسكرية، والتي وجّهتها لفصائل تدعمها إيران، على جانبي الحدود العراقية ـ السورية، وتوازى ذلك، مع إعلان إيران أنها لم تتخذ موقفاً إزاء تجديد الاتفاق الذي أبرمته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يُتيح للأخيرة الاستمرار في بعض المهام الخاصة بالتفتيش على الأنشطة النووية الإيرانية، والذي انتهى في 24 حزيران الماضي.

التطورات السابقة، والرسائل الأميركية والإيرانية المتلاحقة، تطرح في مجملها تساؤلات جمّة حيال حدود التغيير المحتمل في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي، واتجاهات العلاقات بين إيران والقوى الدولية تحديداً خلال الأعوام الأربعة المقبلة.

في عمق السياسة الخارجية الإيرانية، ثمة ارتباط بالتوجهات العامة لإيران، بمعنى، ستظل قواعد وثوابت هذه السياسة التي تمّ اتباعها في عهد الرئيس حسن روحاني، قائمة خلال عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية عموماً و»إسرائيل»، إذ أنّ هذا الملف الحيوي يتم البت فيه من قبل المؤسّسات الأمنية السيادية في إيران، قبل أن يكون لرئيس الجمهورية دور بارز في تحديد اتجاهات وآليات التعامل معه.

لكن «عدم تغيير القواعد» هذا لا يعني أنّ علاقات إيران الخارجية في عهد الرئيس الجديد لن تشهد تغييرات، إذ يُرجح مراقبون، أنّ السياسات الخارجية الإيرانية قد تتّسم بالتشدُّد المتزايد تجاه أميركا، مع اتخاذ إجراءات تكتيكية تساهم في ذلك، بُغية تحقيق الأهداف التي يرفعها التيار المُحافظ في إيران، والتي تتمحور حول «الوحدة الكبرى لجميع القوى الثورية وتشكيل حكومة من الثوريين»، بحسب ما صرح به الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي.

مع ذلك، فإنّ بعض المراقبين لا يستبعدون أن تشهد العلاقات الإيرانية مع بعض دول المنطقة تغييرات ملحوظة، لا سيما إذا تمّ التوصل إلى صفقة جديدة في فيينا، ورُفعت معظم العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، الأمر الذي يعني أنّ إيران ستتجه حُكماً، إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول الإقليمية، خاصة في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، الذي سيكون ضمن أولويات الرئيس إبراهيم رئيسي.

أكد رئيسي إبان ترشحه للرئاسة، أنه سيعود للاتفاق النووي، الأمر الذي وافق عليه المرشد السيد علي خامنئي، لكن مع ضرورة التزام الدول الأخرى به، كما أعلن رئيسي، في مؤتمره الصحافي الأول، دعمه للمفاوضات التي تجري حالياً في فيينا، ولكن هذا الانخراط المتوقع من قِبل حكومة رئيسي، لن يكون على نفس نهج حكومة حسن روحاني المعتدلة، خاصة أنّ من المتوقع أن تدير حكومة رئيسي المفاوضات النووية من خلال معادلة «تنازلات أقل ومكاسب أكثر».

ضمن ما سبق، تجدر الإشارة إلى تصريح رئيسي، الذي قال فيه إنّ «السياسة الخارجية لحكومتنا لن تبدأ من الاتفاق النووي ولن تنتهي به»، مضيفاً أنّ «أي تفاوض يضمن المصالح القومية، سيلقى الدعم بالتأكيد»، في إشارة إلى ضرورة أن يُفضي الاتفاق النووي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية لإيران.

يعارض رئيسي طرح ملف الصواريخ الباليستية لبلاده على طاولة المفاوضات، وسبق أن أكد رئيسي، قبل ذلك خلال حوار له مع قناة «المنار» اللبنانية، مطلع العام الحالي، على رفض التفاوض حول مسألة الانخراط العسكري لبلاده في الإقليم قائلاً إنّ «الأكثر أهمية من القوة الدفاعية والصاروخية هي القوة الإقليمية لإيران»، بل إنه أضاف: «لن تتشكل اليوم أية معادلة في المنطقة بدون وجهة نظر والرأي المناسب للجمهورية الإسلامية».

وهنا، لا يمكن استبعاد أن يكون للردّ الإيراني غير الواضح تجاه تجديد الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صلة مباشرة بما جاء على لسان رئيسي في الفترة الأخيرة، فضلاً عن أنه لا يمكن أيضاً استبعاد أن يرتبط أي رد محتمل من جانب قوى المقاومة في العراق وسورية، على الضربات العسكرية الأميركية الأخيرة بحسابات طهران في مرحلة ما بعد انتخاب رئيسي رئيساً للجمهورية، بالتوازي مع استمرار إجراء مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة «4+1» بمشاركة أميركية غير مباشرة.

رغم أن الوصول إلى صفقة محتملة ما زال احتمالاً قائماً، في ظل رغبة الطرفين في استمرار العمل بالاتفاق النووي، فإنّ ذلك قد لا يفرض تداعيات إيجابية على العلاقات بين إيران والدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، إذ من المتوقع أن يستمر التوتر عنواناً رئيسياً للتفاعلات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة، وذلك لاعتبارات عديدة، يتمثل أولها، في أنه على النقيض من المعتدلين، لا يبدي رئيسي ثقة كبيرة في إمكانية تحسين العلاقات مع واشنطن، والغرب بوجه عام، وهو التوجه العام الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية، ويعبّر عنه المرشد الأعلى للجمهورية باستمرار، وقد وصف رئيسي في تصريحات سابقة الولايات المتحدة الأميركية بأن كان «لديها دائماً خطط فيما يتعلق بإيران»، مضيفاً أنّ «أية إدارة تولت هناك اتبعت هذه السياسة»، وعليه، يرجح أن يتبنى رئيسي نهجاً مشابهاً لنهج حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد إزاء الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية بصفة عامة.

في النهاية، يمكن القول إنّ التوتر سوف يبقى سمة رئيسية للعلاقات الإيرانية الخارجية، في عهد الرئيس الجديد، ليس فقط نتيجة لتوجهاته المتشددة، وإنما أيضاً لأن أي مسار محتمل للمفاوضات الجارية في فيينا سوف ينعكس مباشرة على تفاعلات إيران مع الخارج، خاصة أنها لن تقدم تنازلات في الوقت نفسه في الملفات التي لا تقلّ أهمية عن البرنامج النووي، لا سيما برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى