أولى

بين التأميم في عهد عبد الناصر ومصادرة أموال المودعين في لبنان!؟

نقولا التويني*

قوانين التأميم الاشتراكية للجمهورية العربية المتحدة في ١٩ تموز/ يوليو ١٩٦١.

ومصادرة أموال المودعين في لبنان في 17 تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩ بأمر من سلطة المصارف.

أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قوانين التأميم الشهيرة سنة 1958 وعنوانها الإصلاح الزراعي لتوزيع أملاك وعزب الإقطاع التي كانت مساحتها تفوق الـ 3000 فدان على المزارعين بواقع 50 فدان لكلّ فلاح أو ١٠٠ فدان لكلّ عائلة فلاحية.

وكان هدف هذا التوزيع إصلاح الخلل البنيوي المتوارث في الملكية العقارية حيث كان أقل من واحد بالمائة من الملاكين يملكون حوالي ٦٠ بالمائة من الملكية الزراعية المصرية.

انتُقد الرئيس عبد الناصر على مبادرته من الاشتراكيين لأنها غير كافية ومن الرأسمالية لأنها فتّتت الملكيات الكبيرة الى ملكيات صغيرة لا تصلح لأعمال زراعية واسعة ومُمكننة.

مهما قيل في تلك القوانين لسنة ١٩٦١ يجب الاعتراف بأنها حققت بعض العدالة والأمل للفقراء والمعدمين من فلاحي مصر، وخلافاً لكلّ التوقعات اعترف الفريق الاقتصادي الدولي فريق Harrod -Domar صاحب معادلة النمو الشهيرة الاقتصادية من وحي الاقتصادي Keynes  انّ النمو الاقتصادي وصل الى معدلات لم يتوقعوها.

أما في لبنان فمصادرة أموال المودعين والإطباق عليها منذ 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠١٩ دون تطبيق ايّ قانون او دستور بل بقوة فرض الواقع والتعاميم الجائرة تمّ تجريد اكثر من مليون ونصف مليون مودع يمثلون ٦٠ بالمائة من إجمالي الودائع من حرية التصرف في أموال جنى عمرهم او ميراثهم بينما سمح لقلة يُقال حوالى ألف حساب يمثلون ٤٠ بالمائة من الودائع سُمح لأغلبهم بالتصرف بأموالهم وتحويلها الى الخارج، وهؤلاء أصحاب ومدراء بنوك ومساهمين وأتباع المساهمين وسياسيين، وقد صرّح نجل شخصية بنكية معروفة وصاحب مصرف «انّ السياسيين أرغموا إدارة البنوك على التحويل»!

فلما توجه عبد الناصر سنة ١٩٦١ الى إرساء بعض العدالة على أرض مصر وشعبها، توجه القطاع المصرفي في لبنان في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بالتضحية بجنى مليون ونصف مليون لبناني، بما تبقى له من عملات وأموال نصرة لألف شخصية مميّزة من ضمن شبكة من العلاقات المشبوهة والسرية.

أجهزوا على أموال الناس وأجهزوا أيضاً على قطاع واسع من الاقتصاد اللبناني الذي تعب الكثير من المصرفيين الأوادم في بنائه بعد انهيار بنك انترا وتصفيته (لم تنته حتى اليوم) سنة ١٩٦٦.

ما قامت به القيادة المصرفية في لبنان هو إملاءات قسرية لمصادرة غريبة وفريدة ومشبوهة لم يحصل مثلها في تاريخ البشرية الاقتصادية، ألا وهو تجريد قسري لجمع عدده حوالي ٤ ملايين نسمة لو حسبنا انّ كلّ حساب مسؤول عن ثلاثة أفراد، لنصرة تغذية حفنة من الشخصيات المختارة لتعيش الوفرة والثراء من مال الفقراء!

كتبت الدوائر الاقتصادية الدولية انّ ما حصل في لبنان لم يشهده تاريخ الأزمات الاقتصادية في العالم. هم بالطبع على حق، فقط يجب أن نضيف انها عملية سرقة واسعة النطاق، ومرتكبوها يتمتعون بنعيم العيش في سويسرا وأوروبا هرباً من حرّ أيام الصيف في لبنان، خاصة انه لم يعد لشعب لبنان قدرة على شراء الكهرباء أو الماء أو الدواء أو الوقود.

ينهبون الفقير لنصرة حفنة من الفاسدين المتداخلين المتموّلين! إذ أثبتت الأحداث الأخيرة أن لا رأسمال ولا رأسماليين إلا قلائل، فريق من الأوادم المستقيمين المصرفيين والصناعيين والمزارعين المعزولين وهم أبرياء من سرقة القرن الـ ٢١ التي حصلت في لبنان، حيث تمّت التضحية بالقطاع المصرفي وبأموال عامة الشعب، ولم تتمكّن لا الدولة ولا الشعب ولا «الثورة» من أن تقاضي أو تستردّ ولو فلساً واحداً من هؤلاء الفاسدين…

من الواضح أنّ الغرب الذي له اليد العليا في الاقتصاد لا يريد محاسبة أزلامه من هذه المجموعة الفاسدة التي تمكّنت من لبنان ومن اقتصاده ومن شعبه، وانّ الدوائر الغربية بعلم يقين بكلّ ما تمّ تحويله الى الغرب بالعملات الغربية خلال هذه الفترة ولا مجال للشك في ذلك، إنهم يعلمون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير شؤون مكافحة الفساد سابقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى