أولى

الحكومة اللبنانية الجديدة بين الواقعية والمأمول…

 د. جمال زهران*

لا شك أنّ أصداء تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي كبيرة. وتتمحور هذه الأصداء وردود الفعل بين الرفض والقبول. ولكلّ من الطرفين حججه وبراهينه بلا شك. وإنْ كان الطرفان يجمعان على أنّ الوضع سيّئ في لبنان، ويزداد سوءاً، بل يبالغ البعض بأنّ الأمل محدود، على عكس ما قلناه إنّ الأمل كبير في هذه الحكومة بعد التوافق عليها، واستمراراً للمبالغة بأنّ الوضع يشهد انهياراً كبيراً، ويتعذر على هذه الحكومة معالجة شاملة له. ومن جانبي فإنني أرى أنّ الوضع بهذه الحكومة هو الأفضل من وضع اللاحكومة، على رغم أنّ أجندتها لا تزال غير واضحة، إلا بمحاولة مواجهة المشاكل، والاتفاق مع الصندوق والبنك الدوليين، والمزيد من التحرير الاقتصادي والاستمرار في رفع الدعومات للمواطن اللبناني. فحكومة د. حسان دياب كانت أشبه بجزر منعزلة، وأصرّ رئيس الوزراء على عدم عقد مجلس وزراء، طيلة فترة الـ 13 شهراً بسبب مخالفة ذلك للدستور! ولم يستجب لمطالب رئيس الجمهورية بعقد جلسة لمجلس الوزراء، فكانت النتيجة سوء الأوضاع وبلوغها حدّ الانهيار في كلّ المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نتيجة انهيار الأوضاع السياسية، بشهادة الجميع.

وعلى رغم استحسان المعلقين على مقالي من المصريين والعرب، غير اللبنانيين، وصفحتي على الفيسبوك شاهدة على ذلك، بأنّ مقالي ينمّ عن حبي وتقديري للبنان دولة وشعباً، وتأكيداً منهم على فكري العروبي القومي الناصري. فلبنان سيظلّ قبلة الأحرار في الوطن العربي كله بلا جدال.

إلا أنّ أغلب أصدقائي من لبنان علقوا، بأنهم غير متفائلين بهذه الحكومة، بل وغير مرحّبين بها على الإطلاق، على خلفية أنّ ولادتها قد تمّت على أيدي سياسيين هم السبب في هذا الانهيار، والوضع السيّئ الذي وصل إليه الشعب وأيضاً الدولة والمجتمع!

لكن كما توقعت، فقد حصلت الحكومة على ثقة البرلمان بإجمالي 85 صوتاً، وحجب عنها الثقة 15 نائباً، بإجمالي 100 نائب قد حضروا الجلسة، بينما تغيّب عن الحضور 17 نائباً بحسب ما نشرته وسائل الإعلام اللبنانية. وبذلك أصبحت الحكومة بنيل هذه الثقة وبنسبة كبيرة، جاهزة للعمل الجدي لإنقاذ لبنان دولة وشعباً. وقد أطلق البعض من النواب المؤيدين لهذه الحكومة، بأنها حكومة الإنقاذ والإعداد لانتخابات البرلمان المقرّرة بعد أقلّ من عام من الآن. بينما من بين الفريق الرافض في البرلمان، من أطلق عليها حكومة إعادة إنتاج ذات التوجهات التي أدّت إلى الانهيار الشامل، ومع ذلك دعا هؤلاء (ناصريون ويسار)، هذه الحكومة إلى بذل الجهود لوقف الانهيار، وإعادة رسم السياسات لإنقاذ لبنان حقيقة لا كلاماً، وإنقاذ لبنان من فخ التبعية، وانتهاك السيادة من المتآمرين والرجعيين العرب، والدعوة إلى التوجه شرقاً.

وفي هذا السياق، فإنّ الواقعية السياسية، تقود إلى ضرورة قبول هذه الحكومة والترحيب بها وتشجيعها على العمل لإنقاذ لبنان، ووقف التدهور الذي وصل للانهيار، واسترداد القدرة على الإمساك بزمام الأمور لخلق مناخ جديد وتوليد أمل جديد للشعب اللبناني الذي ضحى بالكثير. فعندما أقرأ تقريراً لمنظمة الصحة العالمية، بأن 40 في المئة من أطباء لبنان قد هاجروا منه خلال العامين الأخيرين، فإنّ ذلك مؤشر إلى انهيار منظومة الصحة، وعطفاً على ذلك مجالات أخرى أهمّها التعليم والاقتصاد، والتهريب عبر مسؤولين رسميين في المصرف المركزي، وغير ذلك.

لذلك فإنّ الواقعية تفرض القبول بهذه الحكومة، والدعوة إلى بذل كلّ الجهود لدعمها والوقوف بجانبها حتى الوصول إلى الحلّ الشامل لكلّ مشكلات الدولة اللبنانية التي لم تصل إليها، حتى في ظلّ ما عانته من حروب، وبخاصة الحرب الأهلية في السبعينيات.

أما عن المأمول، فيتركز على ضرورة إعادة رسم السياسات والتوجه شرقاً، في ظلّ إعادة التحالفات للدولة اللبنانية والتوازن في العلاقات الخارجية. لكن تظلّ سياسات التوجه شرقاً هي الحاسمة للحلّ الشامل لاقتصاد لبنان وإنقاذ شعبه من حالة التردّي الذي وصلت إليه.

كما أنّ من بين التوجهات التي يتمّ السعي إليها، والمأمولة هي توسيع الدعم لخيار المقاومة، لأنّ ذلك من شأنه تقوية الدولة اللبنانية، ودعم صمودها في مواجهة العدو الصهيوني، ودعم سياسات التحرر ونهج الاستقلال ونبذ التبعية، للاستعمار الغربي الأميركي، والمشروع الصهيو/أميركي.

فلا يزال لبنان دولة وشعباً، في مربع هذه السياسات التحررية، ويدعمها أغلب الشعب اللبناني. ويكفي أنّ صمود تيار المقاومة، أدّى إلى إنقاذ لبنان، باستيراد الغاز والبترول، وقبول التحدّي ضدّ أيّ طرف (أميركي أو صهيوني) يقترب من السفن الإيرانية المحمّلة بالبترول الإيراني، الأمر الذي أدّى إلى تأمين سيرها، والمرور في قناة السويس ووصولها إلى ميناء بانياس بسورية بأمان، ونقلها من سورية في صهاريج ضخمة. ووصل عدد السفن والناقلات اللبنانية إلى 4 ناقلات كفيلة بإنقاذ الشعب اللبناني الذي وصل إلى مرحلة صعبة، نتيجة الحصار، الذي فككته إرادة المقاومة اللبنانية، والدعم الشرقي ممثلاً في إيران، التي قبلت التحدي والمخاطرة والحصار من أجل الشعب اللبناني.

المهمّ أنّ الحكومة اللبنانية، كما أننا نرحب بها ونشجعها، فإننا نقول لها إنّ استمراريتها ونجاحها في وقف نزيف الانهيار، يرتهن بإعادة ترتيب الأوراق، وإعادة رسم السياسات، والانطلاق من محور المقاومة، حتى يعود لبنان الحبيب مرفوع الرأس والهامة.

وختاماً، فإنه رغم أنّ الصورة صعبة بل وقائمة، إلا أنني لديّ طاقة أمل وتفاؤل في قدرة الشعب اللبناني وفعالياته، على مراجعة الموقف وتحقيق الانتصار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى