أولى

الرئيس جمال عبد الناصر في ميلاده الرابع بعد المئويّ

 د. جمال زهران*

الرئيس جمال عبد الناصر لا يزال يوم ميلاده… كما هو يوم وفاته… يمثّل قيمة لمحبّيه وعاشقيه، ويحتفلون به في مصر وفي العالم العربي الذي عشقه عبد الناصر، بل وفي العالم كله.. سواء المحبّون الذين استلهموا منه قيمة الحرية والاستقلال الوطني، وهم الأحرار في العالم الثالث، في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وسواء الأعداء الذين يجاهرون بأنهم لا يريدون بزوغ عبد الناصر مرة أخرى. وهؤلاء الاستعماريون يتناسون قصة فرعون وسيدنا موسى، حيث كان فرعون يقوم بقتل كلّ طفل يولد، حتى لا يكبر ويأخذ مكانه، ويظلّ باقياً وجاثماً على نفوس المصريين للأبد! وأراد الله أن يهزمه بأن ولد موسى، وألقته أمه في البحر، والتقطته زوجة فرعون نفسها، وربته في بيت الفرعون، واهتدوا إلى «أمه الحقيقيّة»، لتأتي إلى القصر وترضعه وتشرف على تربيته! إنها إرادة الله… فمن يعلم أنّ الله يعدّ «ناصراً» جديداً في الطريق لإعادة البعث في هذه الأمة؟

وفي مصرنا الغالبية… يحتفل الناصريون باللقاء الجماعي على ضريح عبد الناصر طوال النهار، ثم ينظمون ـ كلٌّ في موقعه وحزبه ـ ندوات ولقاءات فكرية نتذكر فيها عبد الناصر وعطاءه وتجربته ودروسها للحاضر والمستقبل.

في الوقت ذاته الذي يمارس الكارهون لعبد الناصر وتجربته، هوايتهم السنوية بتوجيه «الشتائم» لشخص عبد الناصر، دون طرح أي تقييم موضوعيّ على الإطلاق.

ولعل هؤلاء الكارهين، يتمثلون في ذيول الاستعمار، وأتباع الرجعية العربية، وأدوات الصهيونية، وهم أعداء أساسيون، ليس لتجربة عبد الناصر فحسب، ولكن للأمة العربية كلها، دولاً وشعوباً! ولذلك ليس بغريب أن نجد بعض رجال الأعمال المشاهير، في المناسبات الناصرية، أن يخرجوا علينا بتصريحات غريبة ومريبة، ولكنها مفهومة القصد والهدف والمغزى، ولذلك يتمّ الردّ عليهم من القوى الناصرية في مصر والعالم العربي، بكلّ قوة وحسم، وذلك بفضح هؤلاء وكيف تكوّنت ثرواتهم عبر تحالف الرأسمالية العالمية والصهيونية وتعانقها مع الرجعية العربية. وأصبح لكلّ فعل.. ردّ فعل، في هذا السياق.

فضلاً عن أنّ الناصريين في كلّ أنحاء الوطن العربيّ من الشرق إلى الغرب، أو من الخليج العربي إلى المحيط الأطلنطي، يحتفلون بتجربة عبد الناصر، وسيرة الزعيم الشخصية، لتظلّ هذه التجربة حية في نفوس الأجيال الجديدة باستمرار.

ولي الشرف أن شاركت في احتفالات حول تجربة عبد الناصر، وثورة 23 يوليو 1952، في أغلب أنحاء الوطن العربي، بإلقاء محاضرات في مناسبات ناصرية وهي عديدة وبلا حصر، تبدأ بيوم الميلاد، وذكرى الوفاة وما بينهما وحولهما من ذكريات لا تنسى بلا شك. وكان من شأن مشاركاتي وتفاعلاتي، في أنحاء وطننا العربي، أن استفدت أولاً من المداخلات، فضلاً عن اليقين بأنّ «الناصرية» فكراً ومشروعاً وتجربة، هي حتمية التكرار، وهي صورة المستقبل لأمتنا العربية، شاء الكارهون أم أبوا.. ولكل حادث حديث.

وفي العالم كله.. خصوصاً دول العالم الثالث يحتفلون بالزعيم جمال عبد الناصر، ويقيمون له الندوات والمؤتمرات العلمية، بل والتماثيل، ويطلقون اسمه على الجامعات والمشروعات الكبرى، تيمّناً بتجربته. بل إنّ هناك من يطلقون على أنفسهم بمنتهى الشجاعة والحب والاحترام.. أنهم «ناصريون» بكلّ فخر. في الوقت الذي يتعرّض «ناصريون» للتنكيل والإقصاء في بعض الدول العربية بكلّ أسف!!

وفي التجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، واسمه السابق التجمع العربي والإسلامي، نحتفل سنوياً بمناسبات عدة للزعيم جمال عبد الناصر، تبدأ بيوم الميلاد في (15) يناير، ثم ذكرى عيد الوحدة بين مصر وسورية في 22 فبراير، وعيد الجلاء والاستقلال في 18 يونيو، وفي ذكرى ثورة 23 يوليو، وذكرى تأميم قناة السويس في 26 يوليو، وعيد الفلاح في 9 سبتمبر، ثم رحيله في 28 سبتمبر، وذكرى الهجوم الثلاثيّ (بريطانيا ـ فرنسا ـ الكيان الصهيوني)، والنصر عليه، وذلك في 23 ديسمبر من كلّ عام.

فالناصرية هي مرجعية للمقاومة والتحرير والاستقلال الوطني، والناصرية هي العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة لصالح الغالبية العظمى من الشعب، والناصرية هي الحرية والتحرر من الاستغلال والعبوديّة، وشعار: «إرفع رأسك فوق ـ أنت مصري وعربي»، والناصرية هي مقاومة الإقطاع.. ومقاومة الرأسمالية والاستغلال، وهي مقاومة ارتباط السلطة بالثروة وفساد الحكم.

كما أنّ الناصرية لم تكن مشروعاً إصلاحياً للداخل، بل كانت مشروعاً للتقدم الداخلي، وتغيير المجتمع المصري من الداخل ليكون نموذجاً للتطور والنهضة الحقيقية، للشعب العربي في كلّ أقطاره، ولكلّ الأحرار في العالم كله (العالم الثالث وغيره).

كما أنّ هذه الناصرية لم تكن فكراً فحسب، بل كانت سلوكاً حقيقياً، وتجربة متكاملة في الممارسة، يمكن تقييمها والبناء عليها، كمشروع حي ومستقبلي، وذلك بتجميع شمل الناصريين في العالم، وذلك بالقول: «يا ناصريّي العالم اتحدوا»…».

فعبد الناصر خلال (18) عاماً، ساند كلّ حركات التحرر والاستقلال في العالم العربي، وأفريقيا وآسيا. فقد ساند الثورة اليمنية، والثورة الجزائرية التي انطلقت من القاهرة ضد الاستعمار الفرنسي، والثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات من القاهرة، لتحرير فلسطين المحتلة من الاستعمار الصهيوني، وساند الثورة العراقية، ومنع عبد الكريم قاسم من غزو الكويت عام 1962، وكذلك الثورة الليبية، وحافظ على إرادة السودانيين وحقهم في الاستقلال إلخ… وغير ذلك من دعم بلا حصر. بل كان وراء إنشاء حركة عدم الانحياز (1961)، ومنظمة الوحدة الأفريقية (1963)، ومنظمة المؤتمر الإسلامي (1969)، ومجموعة الـ (77) داخل الأمم المتحدة، وغير ذلك من مؤسسات ومنظمات في العالم الثالث كله.

واحتفالاً بالعيد الرابع بعد المئوي، نتذكر عبد الناصر، الزعيم والتجربة المليئة بالدروس والعبر، ونؤكد أنها لا تزال مشروعاً للمستقبل، في مقاومة التبعية ودعماً للتحرر والاستقلال الوطني، وهما السبيل لاستعادة الأمة العربية تحت شمس هذا العالم، بعد انزواء مؤقت.

رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر، وليظلّ نبراساً للأجيال الحاضرة والمستقبلية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى