أولى

بين نواب الاحتكارات والوكالات الحصريّة ونواب الشعب ومصالحه الحيويّة…!

 د. عدنان منصور _ 

مشروع قانون المنافسة والوكالات الحصريّة الذي سيرفع للمجلس النيابي، والرامي إلى مكافحة الاحتكار والاستغلال، ووضع حدّ لطبقة الاحتكاريين الذين عبثوا بمقدرات ومعيشة الناس، هو اليوم أمام استحقاق كبير.

 مشروع القانون هذا، سيكشف جلياً على الأرض حقيقة ومعدن وصدقية كلّ نائب، وكلّ كتلة ينتمي إليها، لجهة تأييده لمشروع القانون، ووقوفه الى جانب مصالح الشعب اللبناني، أو معارضته ورفضه له. هذا الرفض سيكشف النقاب ولا شكّ، عن حقيقة مواقفه المزيّفة، وإصراره على الوقوف الى جانب طبقة المستغلين الجشعين، الذين يحققون ثرواتهم الفاحشة على حساب المواطن المسكين، دون وازع ضمير او أدنى حسّ إنساني.

 على المواطن أن يلاحق نائبه في المجلس، ويقف بالمرصاد في وجه أيّ نائب يخذل شعبه في حقوقه ومصالحه الحيوية، ولا يتحسّس وجعه وفقره وقهره وجوعه.

لا مجال بعد اليوم، أمام أيّ نائب تبرير موقفه، إذا ما اعترض أو رفض مشروع القانون، وأياً كانت الأعذار الواهية التي يتلطى وراءها، ويّخفي في داخلها دعمه في استمرار الاحتكار، وترسيخ وضع الوكالات الحصرية على ما هي عليه.

 دول العالم كلّها سنت قوانينها ضدّ الاحتكارات إلا في لبنان الذي يسير فيه مسؤولوه عكس التيار، لأنّ الدولة آثرت على مدى عقود، ورضيت أن تنعم طغمة من الاحتكاريين بالثروة والنفوذ، والاستغلال على حساب المواطن المعدم المسحوق.

 لماذا يُصرّ بعض النواب بكلّ وقاحة على حماية أصحاب الوكالات الحصرية دون وجه حق؟! ولماذا يعترضون على المادة الخامسة من مشروع القانون، ويعملون على تفريغها من مضمونها؟! غريب أن نرى في بلد نواباً يقفون دون حياء، أو أسف، إلى جانب مافيات الاحتكارات بلا خجل، ويتخلون عن حقوق المواطنين ولا يدافعون عنهم ويحمون مصالحهم! غريب أيضاً أن يقول أحدهم بكلّ وقاحة «هذا القانون ما بيمرق ولو على جثتي».

سؤال نطرحه: أيها النائب المحترم من تمثل؟! طبقة الشعب أم طبقة رأس المال وحيتانها؟! وهل كلفت نفسك وأنت الذي تريد إجهاض المادة الخامسة، لتسأل أصحاب الشأن: لماذا تستمرّ الشركات المتخلفة عن دفعها للرسوم السنوية المتوجبة على المواد والمنتجات المستوردة، في حين لا تزال مسجلة في السجل التجاري، حيث كان من المفروض أن تتوقف هذه الشركات عن عملها، وعدم تجديد عقودها لتخلفها عن دفع الرسوم المتوجبة عليها؟!

 للنواب «الوطنيين» الغيارى على مصالح الاحتكاريين، نقول: لا تتذاكوا على اللبنانيين الذين يعرفون حقيقتكم، وسلوككم، ودوركم، وحرصكم على مصالح الحيتان المنتفخة بطونهم بمال وعرق الشعب المسكين.

 الشعب اليوم مدعوّ الى ملاحقة، ونزع القناع عن وجه كلّ من رعى ويرعى، وحمى ويحمي الاحتكار وأربابه، وكلّ مَن يقف إلى جانبهم ويثبت أقدامهم ومواقعهم.

فليوضع حدّ للمحتكرين الجشعين، ولتغلق دكاكين الوكالات الحصرية، وليقفل معها النهب، والفساد، والعبث بحقوق المستهلك، رأفة بالناس الذين امتصّت دماءهم «كارتيلات» الاحتكاريين، والمنتفعين منهم..

 كلّ الاعتبار إلى من تقدّم بمشروع القانون، وأيّده، ودعمه، فقد حان الوقت لوضع حدّ لمصّاصي دماء الشعب، واتخاذ كلّ نائب القرار الشجاع، إنْ كان فعلاً حريصاً على مصالح البلد وحقوق الناس، ولا يغطي شبكة احتكارات لزمرة مستغلة حققت ثرواتها دون وجه حق، على حساب المقهورين. حفنة مقيتة ابتُلي بها لبنان واللبنانيون منذ عقود ولا يزالون يعانون من مفاعيل احتكاراتهم الحصرية الأمرّين حتى اليوم.

 إننا بالانتظار، وبانتظار الشعب أن يقول كلمته بصوت عال، حيال ايّ نائب، او ايّة كتلة ينتمي اليها، يتردّد بالموافقة على مشروع قانون المنافسة والوكالات الحصرية الظالمة، او يعمد إلى معارضته له، او تعطيله، أو إفراغه من جوهره.

 في مشروع القانون هذا، سيبدو الأمر جلياً، مَن مِن «نواب الأمة» الشرفاء الحقيقيين الذين يريدون الإصلاح الفعلي، ومَن منهم يريد المحافظة على الفساد ودعم المستغلين،

والاحتكار، وطغيان رأس المال.

 إنها مسؤولية المواطن اليوم، ليقول كلمته بكلّ شجاعة ومسؤولية وطنية عالية، وليصفي حسابه قريباً في صناديق الاقتراع ولو لمرة واحدة، مع أيّ نائب خذله، وخان العهد والوعد، وثقة المواطن به، وعمل ضدّ مصالح الناس، وفرّط بحقوق اللبنانيين، ووقف الى جانب الاحتكاريين.

 للنواب الذين يستميتون في الحفاظ على الوكالات الحصرية بأيّ شكل من الأشكال، قولوا لنا بصراحة: هل أنتم فعلاً أمناء على مصالح المواطنين، أم أمناء على مصالح الحيتان والمنتفعين!

 قريباً سيتبيّن للبنانيين، مَن هم حماة الفساد حراس الهيكل الفعليين وتجاره، ومَن هم حراس الشعب ونبضه ووجدانه…

*وزير الخارجيّة والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى