أولى

الحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة الدرس المستفاد…

 د. محمد سيّد أحمد

روسيا الاتحادية هى المكون الرئيس والكتلة الأكبر من الاتحاد السوفياتي الذي تفكك في عام 1991، وهى دولة من رابطة الدول المستقلة التي انضوت تحت لواء الاتحاد السوفياتي منذ عام 1922 وحتى 1991، وهي دولة تمتدّ على مساحة شاسعة في شرق أوروبا وشمال آسيا، وتحتل روسيا الاتحادية المركز الأول بين دول العالم من حيث المساحة الإجمالية حيث تبلغ 17 مليون كيلو متر مربع، وبهذه المساحة تغطي الأراضي التابعة لدولة روسيا ثمن مساحة الأراضي المأهولة في العالم، وتصنف روسيا في المركز التاسع بين دول العالم من حيث الكثافة السكانية ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 145 مليون نسمة حسب إحصائيات 2019، وتمتلك روسيا جيشاً قوامه مليون جندي بالإضافة إلى 2.5 مليون جندي احتياطي وحسب الدستور الروسيّ فلا بدّ أن يخدم جميع المواطنين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً في القوات المسلحة لمدة عام كامل، وتمتلك روسيا ترسانة عسكرية كبيرة فلديها مخزون من الأسلحة النووية يصنف على أنه الأكبر في العالم، بالإضافة لامتلاكها ثاني أكبر أسطول غواصات للصواريخ الباليستية، كما تُعد قوات الدبابات الروسية هى الأكبر بين نظيرتها في العالم.

   أما أوكرانيا فهي أيضاً أحد مكونات الاتحاد السوفياتي السابق، وعضو رابطة الدول المستقلة بين عامي 1922 و1991، وهى دولة تقع في شرق أوروبا، تحدها روسيا من الشرق، وبيلاروسيا من الشمال، وبولندا وسلوفاكيا والمجر من الغرب، ورومانيا ومولدوفا إلى الجنوب الغربي، والبحر الأسود وبحر آزوف إلى الجنوب، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 6.4 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 42.5 مليون نسمة حسب احصائيات 2017، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي ورثت أوكرانيا جيشاً قوامه 780 ألف جندي على أراضيها، مزوّدة بثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، وفي مايو 1992 وقعت أوكرانيا على معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) والتي وافقت فيها على التخلي عن جميع الأسلحة النووية لصالح روسيا لتفكيكها والانضمام إلى معاهدة الحد من الأسلحة النووية، وصدقت أوكرانيا على المعاهدة في عام 1994، وبحلول عام 1996 أصبح البلد خالياً من الأسلحة النووية، ويمثل الجيش الأوكراني حالياً ثاني أكبر قوة عسكرية في أوروبا بعد روسيا، واتخذت أوكرانيا خطوات متسقة لتقليص الأسلحة التقليدية، ووقعت على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والتي دعت إلى تخفيض أعداد الدبابات والمدفعية والعربات المدرعة، إلى جانب تخفيض عدد قوات الجيش لتصل إلى 300 ألف جندي فقط في عام 2011. بدأت أوكرانيا الدخول في شراكة مع حلف شمال الأطلسي منذ عام 1994، وتمّ تعميق التعاون مع حلف الناتو بناءً على خطة عمل موقعة في 2002، وأعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي في قمة بوخارست 2008 أن أوكرانيا ستصبح عضواً في المنظمة متى تريد ومتى تتوافق مع معايير الانضمام.

ويتضح من ذلك أنّ أوكرانيا ومنذ استقلالها في عام 1991 وهي تنسلخ من الرابطة التاريخية مع روسيا الاتحادية، وتنخرط ضمن الحلف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. ومن هنا يبدأ الخلاف حيث شعرت روسيا بالتبعية الكاملة لأوكرانيا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو الذي وعدها بالانضمام إليه وبدأت الأخبار تتواتر حول إقامة قواعد عسكرية للحلف على الأراضي الأوكرانية وهو ما أثار حفيظة روسيا واعتبرته تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وشهدت أوكرانيا أزمة سياسية حادة منذ مطلع العام 2014 بعدما قامت القوات المسلحة الروسية ببسط سيطرتها على شبه جزيرة القرم، وأجري استفتاء من بعده ضمت شبه الجزيرة إلى قوام روسيا الاتحادية، والذي اعتبرته أوكرانيا ومعها أميركا وحلف الناتو احتلالاً وتعدياً على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وبعد ذلك تصاعدت مظاهرات مؤيدة لروسيا من قبل جماعات انفصالية في دونباس شرق البلاد، مما أدى إلى حدوث صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والمجموعات الانفصالية المدعومة من روسيا، وفي شهر أغسطس/ آب 2014 عبرت المدرعات الروسية حدود دونيتسك من عدة مواقع، حيث اعتبر توغل الجيش الروسي مسؤولاً عن هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية آنذاك.

ومنذ ذلك التاريخ والنيران مشتعلة بين روسيا وأوكرانيا وحاولت روسيا كثيراً عبر السنوات الثماني الماضية الوصول إلى حلّ سلمي مع الحكومة الأوكرانية يضمن لها حفظ أمنها القومي ومنع أوكرانيا من إقامة قواعد عسكرية غربية على أراضيها وتحجيم تسليحها خاصة النووي إلا أنّ الولايات المتحدة وحلف الناتو ظلا يدعمان الحكومة الأوكرانية ويزيدان من استفزازه لروسيا الاتحادية التي قرّرت في النهاية دعم الجمهوريات الأوكرانية الراغبة في الانفصال، حيث اعترفت قبل أيام بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، ثم أعلن الرئيس بوتين عن عملية عسكرية خاصة لحماية دونباس في جنوب شرق أوكرانيا، وأكد بوتين قبل بدء العملية أنّ روسيا لا تخطط لاحتلال الأراضي الأوكرانية، لكنها لن تسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة نووية، وأنّ روسيا تعتبر أنه من المهم تمتع جميع شعوب أوكرانيا بحق تقرير المصير، وأن تحركات روسيا مرتبطة بحماية نفسها من أولئك الذين احتجزوا أوكرانيا رهينة. وأكد أنّ الهجوم المباشر على روسيا سيؤدي لعواقب وخيمة، وفي حالة حدوث تدخل خارجي في الوضع بأوكرانيا ستردّ روسيا على الفور.

والدرس المستفاد من الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي اندلعت منذ أيام يمكن تلخيصه في أن التبعية العمياء للإمبريالية العالمية المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو في النهاية يقود أصحابه إلى حدّ الهاوية، وفوراً تتخلى القوى الإمبريالية عن من أغوتهم، خاصة إذا كانت المواجهة مع دولة مستقلة كبيرة تعرف حدود أمنها القومي ولديها القدرة على الدفاع عن حدودها. فالعالم لا يعترف إلا بالقوة، وعلى الرغم من محاولات الإعلام الغربي تزييف الوعي الجمعي العالمي عبر تصوير الحرب الروسية ـ الأوكرانية على أنها غزو روسي لدولة مستقلة ذات سيادة إلا أنّ هذه المحاولات لن تجدي نفعاً مع روسيا التي تدافع عن أمنها القومي، في الوقت الذي قامت فيها الولايات المتحدة الأميركية بغزو أفغانستان والعراق بحجج واهية، وقام حلف الناتو بقصف ليبيا واحتلالها دون مبرّر، وقامت أميركا بغزو واحتلال الأراضي السورية ومعها حليفتها تركيا دون وجه حق، وسمحت أميركا لحلفائها بالعدوان على اليمن، وقبل كلّ ذلك سمح الغرب الإمبريالي باحتلال فلسطين من قبل العدو الصهيوني.. ألم تكن هذه الدول مستقلة وذات سيادة؟ لذلك نقول لا بدّ من الاستقلال الوطني في الوقت الذي تمتلك فيه القوة التي تمكنك من الدفاع

           عن أمنك القومي. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى