مقالات وآراء

ما قبل 15 أيار وما بعده…

} د. علي عز الدين*

أمام نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية، مع كلّ ما أخذت من حيّز شعبي، رسمي، حزبي، وما اعتراها من تجييشات مناطقية تارةً، ومذهبية في أغلب الحالات، نقف أمام تأمّلات مشهدية ما بعد إعلان النتائج.

أمام الوعود التي أطلقت من كلّ اللوائح الانتخابية العامة، الحزبية، المنظمات، نقف أمام ظاهرتين كبيرتين وهما الأكثر تداولا ً كتصريحات للمرشحين، في ما يتعلق بسلاح المقاومة ومحاولة ربطه بكلّ مشاكل لبنان، وبين مقال حماية سلاح المقاومة ومحاولة رفض تحميله أعباء ادّعاءات الفريق الآخر…

ما يهمّنا هنا، دراسة جدوى الانتخابات وما تفرزه من اصطفافات جديدة داخل أروقة البرلمان اللبناني.

بعد السابع من أيار 2008، ما تلاه من قمة لبنانية في العاصمة القطرية، عاد المجتمعون إلى قاعدة الميثاق الوطني، الجامع للجميع، مع أنّ فريق المقاومة ومن معه من حلفاء كان باستطاعته أن يفرض ما يشاء، لكنه آثر على التعاون والمشاركة، بِغَض النظر عمّا قاله البعض عن مدى صوابية إعطاء فرصة للفريق الذي يجاهر بالعداء للمقاومة ولحلفائها بالعودة للمشاركة السياسية والبرلمانية…

نداء المقاومة الداخلي كان ولم يزَل بالتشاركية، ومدّ اليد للجميع، في المقابل شهدنا ما حدث وقت حكومة السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة…

السؤال الأول والسيناريو الأكبر، بعد صمود الكتلة النيابية للثنائي الوطني مع احتفاظ التيار الوطني الحر بالكتلة الأكبر مسيحياً رغم كلّ الحروب التي أشعلت ضدّه من الفريق الآخر المدعوم أميركياً، ورغم كلّ مال السعودية الانتخابي، خصومه على امتداد الوطن ما تركوا فرصة إلا وهاجموه فيها، الفريق الذي أمعن في صرف المال الانتخابي وشراء الذمم الضعيفة ليصل لهدفين أولهم كسر التيار الوطني الحر والتصويب على السلاح كما أعلن الأب الروحي لفريق حزب القوات ومن معهم الأميركي (شينكر) والذي نعت بعض رموز أدعياء التغيير بألفاظ ليست بجميلة…

معركة الأحجام والأوزان داخل البرلمان، وينسحب ذلك على اختيار رئيس الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية؟

في المجلس النيابي اللبناني وبعد حصد الثنائي الشيعي كلّ المقاعد الشيعية، وبالرغم من إعلان الكتل السياسية الفائزة بأنها لن تسمّي الرئيس نبيه بري رئيساً، لكن الواقع مغاير، أولاً أنهم لا يملكون فائزاً شيعياً خارج كتلة الثنائي، ثانياً انّ الرئيس بري هو الأكبر سناً، يعني من ينادي بعدم انتخابه رئيساً رغم هذه الأسباب، فهو يفتح معركة نائب رئيس المجلس وبالتالي ستتمّ التسويات انطلاقاً من هذه النقطة وتنسحب على تشكيل كافة اللجان البرلمانية…

أمّا في ما يتعلق بالحكومة اللبنانية، قد نكون أمام مخاضٍ طويل قبل الوصول لاتفاق على تفاصيل التكليف والتأليف مع ما يرافقها من أصوات تريد تغيير معادلات وبديهيات البيان الحكومي الذي يحدّد أهداف كلّ حكومة أمام الانهيار الاقتصادي الكبير في لبنان…

بالنسبة لتساؤلات الشعب الذي لبّى نداء الواجب الديموقراطي بالرغم من المقاطعات الكبيرة في بعض المناطق، إمّا اعتراضاً أو لا مبالاة تصل للإحساس بفقدان الأمل والثقة للإنقاذ.

من يملك برامج اجتماعية تُعنى بأمن المواطن، الغذائي والاقتصادي بظلّ الحصار المفروض أممياً على لبنان بحجج مختلفة والتي فشلت بتحقيق أدنى أهدافها، ماذا عن خطط استرداد أموال المودعين والتي استخدمت سابقاً لإضاءة بضع ساعات من الكهرباء للشعب اللبناني، واستخدمت لشراء السلع الغذائية والقمح، والآن استخدمت لإنجاح الانتخابات البرلمانية وتمويلها…

ماذا عن الاتجاه شرقاً، او الاتجاه نحو الأصدقاء الخارجيين، لوضع برامج اقتصادية، وخطط نمو حديثة، مع ما يملك لبنان من مقدرات طبيعية وبشرية تجعل منه رائداً وفي طليعة الدول على الخارطة العالمية، إذا وجدت الإرادة الصلبة عند الجميع وإذا وجدت الأفكار عند الجميع أيضاً ممن يرفض الإملاءات الخارجية وأطماع الكيان الصهيوني بمائنا، بنفطنا وغازنا…

معاهد كونفوشيوس الصينية المنتشرة بعشرات الدول في العالم، التي تُعنى بتعليم اللغة الصينية، ومشاركة برامج التطوير الإداري والذاتي، وإرسال بعثات ثقافية مع ما يترافق ذلك من منح دراسية، ومبادلات تجارية على المديات الطويلة والقصيرة، لدرجة أنّ بعض دول أميركا اللاتينية أصبحت تعتمد ببعض مناهجها تعليم اللغة الصينية، السؤال هل لبنان أقرب إلى الصين من الأكوادور او البرازيل؟

إنّ تحرير عقلية المنهزم والقائل إننا لا نستطيع تحدّي لغة الاستكبار بكلّ عناوينه أصعب من تحرير الأرض، وإنّ ثقافة الحياة التي ينادي بها بعض الداخل اللبناني بشكل سطحي لا تُبشّر بقرب الوصول للأفكار النيّرة التي من شأنها النهوض والانطلاق بلبنان لإيجاد مكان على الساحة الدولية والنظام العالمي الذي اقترب من نهاية مخاضه.

الأفكار الكبيرة هي التي تُعطي نتائج أكبر، الخروج من لغة الإلغاء ومدّ اليد والجسور بين جميع الوطنيين اللبنانيين الذين يريدون بناء وطن حر مستقلّ ومحرر من الاحتلالات (الأرض والعقل والفكر) هو ما يعطي أملاً للأجيال المقبلة بدلاً من أن تهاجر إلى الخارج…

المنطقة مقبلة على أحد أمرين، تسوية او حرب، مع استبعاد لغة الحرب الكبيرة او نظرية التسوية الصلبة.

فلنكن كلبنانيين متنوّرين ومستعدّين لكلّ الاحتمالات ونسعى لنكون أصحاب الفعل وليس ردّ الفعل…

*كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى