أولى

أميركا وكيانها الصهيونيّ لا يخشيان إلا القوة…

} د. جمال زهران*

يسجل التاريخ أنه لولا حركات المقاومة في العالم ضدّ الاستعمار الاستيطاني، ما كان لهذا الاستعمار أن يرحل من البلاد المستعمَرة، ولا اضطر للدخول في مفاوضات لتهدئة الأوضاع، والالتفاف على حركة المقاومة، ومحاولة التلاعب بها، وإحداث الفتنة في صفوفها، واستخدام كلّ أساليب القوة والعنف والاعتقالات، ضدّ رموزها. فالاستعمار أجبر على الرحيل نتيجة استخدام الشعب للقوة ضدّ وجوده العسكري والمدني في البلد المحتلّ.

ولم يثبت أنّ الاستعمار رحل وترك البلاد المستعمَرة، بإرادته، أو تفضلاً على الشعوب المستعمَرة. لذلك فإنّ القوة هي كلمة السر بين طرفين هما: الدولة الاستعماريّة، والدولة المستعمرة وشعبها. ولذلك فهناك جزر محتلة في العالم حتى الآن، نتيجة غياب الشعب فيها، أيّ خالية من البشر، وبالتالي غابت المقاومة التي تتولّد عند الناس، سعياً وراء الحرية والاستقلال.

ولعلك تتعجّب من بعض الناس، وبعض حملة الأقلام، لا يزالون يتغنّون بأيام الاستعمار، لأنهم تعوّدوا على أن يكونوا «عبيداً»، ويعشقون العبودية، لانعدام إرادتهم أصلاً!!

ولذلك، لا تتعجّب عندما ترى مَن يهاجم الزعيم/ جمال عبد الناصر، صاحب مشروع التحرير والاستقلال والاعتماد على النفس، ومحاربة الاستعمار والصهيونيّة، رغم مرور أكثر من (50) عاماً على رحيله في 28 سبتمبر/ أيلول 1970، من بعض النماذج المريضة التي لا تزال تعيش في «العبودية»، وتُصرّ على الإشادة بفترة الاستعمار سواء في مصر قبل ثورة يوليو/ تموز، أو في عدد من الدول العربية وغيرها. فهؤلاء ومثل هذه النوعية، هم فصيلة مريضة، ستنقرض بالتدريج حتى تزول تماماً، وتهيمن مشاعل الحرية والاستقلال والاعتماد على الذات.

أقول ذلك، بمناسبة التهديد باستخدام القوة، في حالة قيام الكيان الصهيوني باستخراج الغاز والنفط من منطقة وحقل «كاريش»، في الحدود الفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة، البحر المتوسط.

وقد تحدّد الأول من سبتمبر/ أيلول كموعد نهائيّ، في حالة قيام الكيان الصهيوني باستخراج النفط والغاز من حقول الحدود المتنازع عليها، والمحسومة من جانب لبنان الدولة وحزب الله معاً، وبدون اتفاق غير مباشر، وإلا فإنّ الخيار هو استخدام «القوة» ضد الكيان الصهيوني!!

وقد تكثفت الاتصالات غير المباشرة، عبر الوسيط الأميركي (هوكشتاين)، بالتوسّط بين الدولة اللبنانية (رئيساً وحكومة ووزير الخارجية)، وبين الكيان الصهيونيّ. وطرحت آراء مختلفة عبر الوسيط، في الوقت ذاته هناك تصريحات متصاعدة من رموز الكيان، ورموز لبنانية في مقدمتها، قادة حزب الله، وفي المقدمة السيد حسن نصر الله، الأمين العام. وبين الإصرار اللبناني والحزب، على السقف الزمني الذي تمّ وضعه، وبين إصرار الكيان، لم يكن أمام الكيان إلا الخيار بتأجيل استخراج الغاز والنفط من «كاريش»، حتى نهاية أيلول/ سبتمبر، والمبرر الظاهر، أنّ هناك حالة «عطل» فني، قد أصاب سفن الاستخراج للبترول والغاز!!

والحقيقة هي أنّ التراجع الصهيوني، كان نتاجاً، لتهديد حزب الله باستخدام القوة ضدّ الكيان الصهيوني، وبلا سقف، إذا ما قام باستخراج النفط والغاز من أراض لبنانية، لأنّ ذلك بمثابة اعتداء صارخ. ومباشر على السيادة اللبنانية، وهو إعلان حرب، لن يتوانى حزب الله عن استخدام القوة في مواجهة تصرفات الكيان العدوانيّة.

وقد سبق لحزب الله، أن أطلق (3) مُسيّرات، إلى منطقة «كاريش»، كرسالة للعدو الصهيوني، قبل أن يمضي في خيار استخراج النفط والغاز من أرض لبنان، لأنّ ذلك هو خيار الحرب ضدّ لبنان (دولة وشعباً). وقد وصلت رسالة المُسيّرات الثلاث، وعند اللحظة الحرجة وحافة الهاوية في الأول من أيلول/ سبتمبر، تراجع الكيان الصهيوني وأميركا الوسيطة عن المضيّ في خيار الاستخراج، واستبداله بخيار التأجيل لدواعٍ فنية!!

تلك هي «القوة» التي لا يعرف العدو لغة غيرها، حتى يحترم الدولة والسيادة، والشعوب العربيّة. فالدرس واضح، وهو إضافة إلى سجل المقاومة ضدّ الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين المحتلة، وغداً سيرحل وتتحرّر فلسطين من النهر إلى البحر، «ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة»، كما قال الرئيس جمال عبد الناصر.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى